بسم الله الرحمن الرحيم
أخواني الكرام أقدم لكم قصة من تأليفي
قصة رسالة
كان كعادته كل يوم يعود من عمله بعد انقضاء ثلثي اليوم منهك , يجر قدميه ليصعد درجات السلم ليصل بالكاد إلي منزله في الطابق الخامس من المبني , يلقي تحيه عابرة علي المنزل غير مكترث بالموجود في المنزل أو الغائب عنه , ولماذا يسأل فهذا لا يندرج في قائمة اهتماماته .
كان أهم شيء عنده هو جهازه الكمبيوتر , أول شيء يفعله عندما يدخل حجرته هو إشعال الجهاز ثم يبدأ في تغير ملابسه , وفي بعض الأحيان كان يترك الجهاز يعمل ويذهب إلي العمل حتى لا يعاني من مشقه انتظار تحميل الجهاز التي لا تتعدى ثواني ,كان الجهاز يشغل حيز كبير من عقل أحمد وحوالي 16 ساعة من اليوم وهو جالس عليه سواء في العمل أو المنزل , حتى أصبح لا يفكر إلا فيه ولا يتكلم إلا عنه , لقد أصبح يعاني من مرض أسمه كمبيوتر وأصيب عقله بفيروس فتاك قضي علي كل اهتماماته الأخرى والمصيبة الأكبر أنه لا يحاول البحث عن مضاد لهذا الفيروس الفتاك ليخلصه من هذه المشكلة الدائمة .
لقد تخطي أحمد الثلاثين من العمر ورغم أنه يعمل منذ أكثر من سبع سنوات إلا أنه لم يرتبط بأي فتاة لتشاركه حياته ولم يفكر في تكوين أسرة وأولاد ولم يخض أي تجريه عاطفية ولو فاشلة تؤثر علي تفكيره , لأنه بالفعل قد أرتبط بالكمبيوتر وأصبح مالكا لعقله وقلبه ووقته وأيضا جيبه , نعم فهو يسرف عليه كل ما يجمعه من عمله ولا يبخل علي طفله المدلل بأي شيء جديد نزل حديثا السوق , لقد كان عنده كل ما هو حديث سواء من مكونات أو برامج .
كان أحمد يعمل في شركة كبيرة كمحاسب وكان رؤسائه يعلقون عليه أمال كبيرة وقد يرجع ذلك لتفوقه في اللغة الإنجليزية والكمبيوتر , وأعتقد أنهما من العوامل الأكثر أهميه في نجاح أي عمل متقدم .
في ذلك اليوم عندما كان يتصفح بريده الإلكتروني وكان معتادا علي وجود عشرات من الرسائل معظمها تحمل إعلانات عن منتجات أو شركات , كان لا يعير اهتمام كبير بها ,ولكن وسط هذه الرسائل وجد رسالة تحمل عنوان (مبروك لقد ربحت نصف مليون جنيه إسترليني ) ....
في بداية الأمر ظن أن الأمر عبارة عن مداعبه أو ما شابه من أحد أصدقائه ولكن بعد أن قرأ الرسالة بإمعان شديد وتركيز في كل سطر فيها وجد أنها تتحدث عن شركة ياناصيب عالميه وأخبرته أنها أجرت سحب علي أكثر من 900.000 بريد إليكتروني وتم اختيار ثلاثة منهم فقط وأن البريد الإليكتروني الخاص به قد فاز بالجائزة الثانية وهي نصف مليون جنيه إسترليني ,وأن عليه أن يرسل بياناته كاملة إلي فلان مدير هذه الشركة .
ظل أحمد أمام جهازه أكثر من ثلاث ساعات يفكر في هذه الرسالة حتى أنه أتي بقاموس إليكتروني ليترجم كل كلمه في الرسالة وتبين له صدق ما فهم منها , قال في نفسه أنا لن أخسر شيئا وأرسل فعلا بياناته كاملة إلي هذا الشخص وقال لنرى ماذا سيحدث ؟!.
لقد أخذت هذه الرسالة حيز كبير من تفكير أحمد رغم محاولاته المتعددة لنسيان ما حدث والتي باءت بالفشل كلها إلا أنه سرعان ما تلقي ردا علي رسالته في اليوم التالي تخبره أن رسالته وصلت بالفعل لمدير الشركة وتخبره أيضا بأنها تريد بعض التفاصيل عنه وعن رقم حسابه في البنك وعنوان البنك ليتم تحويل جائزته إليه .
لم يصدق أحمد عينيه في البداية وظل موجها بصره أمام الشاشة لعدة دقائق كأنه يرسمها في مخيلته ثم قفز من كرسيه وصرخ بأعلى صوته .... أنا فزت ..أنا فزت ......ولكن ... ,تذكر أحمد أنه ليس لديه حساب في البنك ولم يتعامل مع بنوك من قبل .... ثم صمت قليلا ثم قال .. أنا لازم أعمل حساب بكره الصبح في أي بنك .. لازم ..
وبالفعل في صباح اليوم التالي استيقظ باكرا جدا عن موعده الطبيعي .. الواقع أنه لم ينم أصلا من شده فرحه وظل يفكر طوال الليل فيما سيفعله بهذا المبلغ الضخم الذي لم يحلم يوما أن يمتلكه أو حتى ربع هذا المبلغ , لقد بدا له أفكار كثيرة لاستخدام هذا المبلغ وظلت هذه الأفكار تنمو وتتكاثر في عقل أحمد لدرجة كبيرة ,لدرجة وجد بها أن هذا المبلغ لا يكفي لتحقيق كل أحلامه التي يحلم بها من فيلا واسعة بحمام سباحة كبير وسيارة مرسيدس أخر موديل .... إلي أخر هذه الأحلام التى لا تنتهي أبدا .
طار أحمد إلي أقرب بنك حاملا معه كل ما لديه من أموال في البيت وإن كانت لا تتعدى الخمسمائة جنيه وبالفعل تم فتح الحساب وعاد مسرعا إلى البيت ليرسل رسالة بالبيانات المطلوبة وكان في حالة من النشوى والفرح تجعله يطير على الأرض لا يمشي بقدميه وإنما بقلبه .
نسي أحمد في هذه الأثناء عمله ولم يفكر حتى في الاعتذار عن غيابه ,لقد كان في أحلامه أنه سيترك هذا العمل ويبني مشروع ضخم .. نعم مشروع يليق بمليونير مثله .
لم ينتظر طويلا أمام الجهاز , فبعد عدة ساعات جاءته رسالة أخرى تخبره أن رسالته وصلت وأن جائزته بالفعل تم إرسالها من الشركة في لندن إلي بنك في نيجيريا وأن عليه إرسال طلب تحويل جائزته من البنك إلي رقم حسابه في مصر.
زادت أحلامه باقتراب حصوله علي النصف مليون إسترليني , حتى أنه كان يتصرف وأنه بالفعل حصل على المبلغ ,وأنها مسألة وقت فقط .. أقصد بالطبع وقت تحويل المبلغ من بنك في بلد إلي بنك في بلد أخر , لقد كان يثور لأتفه الأسباب على أشياء كان يعتبرها منذ أيام شيء طبيعي .
وبعد عدة أيام وصلته رسالة من مدير البنك في نيجيريا يطلب منه بعض المعلومات عنه ليتم تحويل المبلغ إليه وأخبره أن عليه دفع مبلغ خمسمائة دولار مصاريف التحويل قبل أن يرسل إليه الجائزة .
توقف أحمد قليلا أمام هذه الرسالة وعدة تساؤلات تدور في ذهنه ,لماذا يريد هذا المبلغ ليحول لي الجائزة ,وهل تحويل الأموال يحتاج إلي هذا المبلغ فعلا .. وظل في حيرة شديدة , فهو لا يملك هذا المبلغ ,ثم أنه كيف يضمن أن تصل هذه الأموال إلي صاحبها , وكيف يضمن هو أن يرسل إليه مدير البنك الجائزة عندما يأخذ النقود .
وبعد عدة ساعات بزغت الشمس لتعلن بدء يوم جديد بعد طول عناء وتفكير أجهد عقل أحمد حتى أنه شعر أن هذا الليل هو عشرة أيام وليس يوم واحد .
أسرع أحد بتغير ملابسه ونزل إلي البنك ليبحث عن إجابات عن تساؤلاته الكثيرة , وبالفعل استطاع أن يقابل مدير البنك وكان معه صورة من الإيميلات التي ترسل إليه وعندما نظر إليها مدير البنك وظل يقرأها باهتمام ثم نظر إلي وجه أحمد لحظات ثم أنفجر في الضحك .
لم يفهم أحمد سبب هذا الضحك الهيستيري ولم يستوعب رد فعل هذا الرجل الغريب , ولكنه في أثناء دهشته من هذا الموقف فوجئ بالمدير يقول له وقد أستجمع قواه من الضحك ...... لقد أرسلوا لي الشهر الماضي وقالوا لي لقد ربحت مليون دولار .... وعندما سألتهم عن الجائزة قالوا أرسل لنا 1000 دولار مصاريف تحويل الجائزة .... وعندما سألت عن البنك الذي به الجائزة لم أجد له أصل ولا فصل .... يعني بنك وهمي ...وعاد للضحك مرة أخرى ..
وبعد لحظات قال المدير ... يا سيد دول جماعة نصابين ومفيش لا جائزة ولا حتى منحه ... هو معقول في حد يرمي فلوسه في الأرض .... ثم ... ثم هو هيديلك فلوس ليه , إيه إلي عملته يستحق هذا المبلغ الضخم ...
خرج أحمد من غرفة مدير البنك يجر قدميه جرا ويجر معهما خيبة أمل كبيرة تحطمت معها كل ما كان يحلم به منذ قرابة الأسبوع , كان يمشي في الشارع ويشعر أن الناس كلها تنظر إليه وتضحك عليه من سذاجته .
دخل البيت ولكن هذه المرة لم يدخل حجرته , بل جلس في الصالة وكأنه يخشى أن يشاهد جهازه الكمبيوتر الذي تسبب في صدمة له قضت على كل ما يراه مفيد في هذا الجهاز , حتى أنه قرر أن يبيع هذا الجهاز الملعون ( من وجهة نظره طبعا ).., لقد أثبت هذا الجهاز مدى الفشل في حياته وكيف أنه لبث سنوات عمره أمام هذا الجهاز , ولأول مرة في حياته يفكر أحمد في مدى الفراغ والوحدة التي يعيشها وظل يفكر في زملائه وأصدقائه فوجد أن معظمهم تقريبا قد أصبح لهم عائلة وأبناء يهتمون بأمرهم .
نظر إلي حياته من خارج نفسه وليس من داخلها , وجد أن حياته واهية , ليس لها قيمه , ولا أحد يهتم به أو يعبأ بأحواله وتذكر لأول مرة أنه لا أحد يزوره أو يسأل عنه .
ظل أحمد على هذه الحالة من الفكر لأيام حتى شكر الظروف التي جعلته يفكر في حياته قبل أن تنتهي وينظر فيجد أنه لم يفعل شيئا بها , نعم .. كثيرا منا لا يفيق إلا عندما يحدث له شئ يهز وجدانه أو يغير مجرى حياته , أليست هذه هي الحقيقة , لقد شغلتنا الحياة حتى عن التفكير في أنفسنا ولا نفيق من هذه الدوامة إلا عندما نرى في المرآة الشعر الأبيض في رؤوسنا وقد لا نراه إذا شُغلنا عن النظر في المرآة .
كان لأحمد أخت واحدة تصغره بسنتين ومتزوجة ولها طفل في الرابعة من عمره ولكنها تقيم في محافظه أخرى , أما والداه فهما علي المعاش , كان والده موظف في مصلحه حكومية وعندما خرج من الخدمة أصبح يقضى معظم يومه على المقهى المقابل للمنزل , أما والدته فتقضي معظم النهار في تنظيف البيت أو مشاهدة التلفاز , لم يكن البيت فيه أي جو من المرح أو البهجة ولكن أشبه بالبيت الخالي , الغير مأهول بالسكان , وقد يكون ذلك أحد العوامل التي ساعدت أحمد إلى اللجوء للانطواء .
ثار أحمد على حياته وطريقته في الدنيا , قرر أن يغير من حياته , بل يغير حياته كلها , بدأ يهتم بعلاقاته مع زملائه في العمل , يتكلم معهم ويصادقهم , حاول أن يعيش الجو الاجتماعي الذي يفتقد إليه من سنوات , ومع مرور الأيام بدأ يعجب بزميله له في العمل , وجد فيها صفات جعلته يشعر بالطمأنينة ويشعر بسعادة بالغة عندما يكون بالقرب منها .
قرر أحمد أن يتخذها زوجه له لتكمل معه مشوار حياته الجديدة التي قرر أن يبدأها من جديد , ولم تمر السنة حتى استطاع أن يعد نفسه للزواج وتقدم لها ووافقوا عليه وتم الزواج على خير , لقد شعر أحمد بالسعادة الحقيقية عندما وجد أن هناك من يشاركه أفكاره وحياته , نعم .. عندما قارن حياته السابقة بالحالية وجد أنه كان ميت في ثوب الأحياء , لقد تغيرت حياته كلها وتغير مفهومه عن الحياة .
وهاهو يقف في صالة المستشفى ينتظر مولودة الأول على أحر من الجمر ....... أليست هذه هي الحياة التي تستحق أن يضحي الإنسان من أجلها ....
تمت ,
المنصورة أواخر أغسطس 2006
م / محمد محمود إبراهيم
أخواني الكرام أقدم لكم قصة من تأليفي
قصة رسالة
كان كعادته كل يوم يعود من عمله بعد انقضاء ثلثي اليوم منهك , يجر قدميه ليصعد درجات السلم ليصل بالكاد إلي منزله في الطابق الخامس من المبني , يلقي تحيه عابرة علي المنزل غير مكترث بالموجود في المنزل أو الغائب عنه , ولماذا يسأل فهذا لا يندرج في قائمة اهتماماته .
كان أهم شيء عنده هو جهازه الكمبيوتر , أول شيء يفعله عندما يدخل حجرته هو إشعال الجهاز ثم يبدأ في تغير ملابسه , وفي بعض الأحيان كان يترك الجهاز يعمل ويذهب إلي العمل حتى لا يعاني من مشقه انتظار تحميل الجهاز التي لا تتعدى ثواني ,كان الجهاز يشغل حيز كبير من عقل أحمد وحوالي 16 ساعة من اليوم وهو جالس عليه سواء في العمل أو المنزل , حتى أصبح لا يفكر إلا فيه ولا يتكلم إلا عنه , لقد أصبح يعاني من مرض أسمه كمبيوتر وأصيب عقله بفيروس فتاك قضي علي كل اهتماماته الأخرى والمصيبة الأكبر أنه لا يحاول البحث عن مضاد لهذا الفيروس الفتاك ليخلصه من هذه المشكلة الدائمة .
لقد تخطي أحمد الثلاثين من العمر ورغم أنه يعمل منذ أكثر من سبع سنوات إلا أنه لم يرتبط بأي فتاة لتشاركه حياته ولم يفكر في تكوين أسرة وأولاد ولم يخض أي تجريه عاطفية ولو فاشلة تؤثر علي تفكيره , لأنه بالفعل قد أرتبط بالكمبيوتر وأصبح مالكا لعقله وقلبه ووقته وأيضا جيبه , نعم فهو يسرف عليه كل ما يجمعه من عمله ولا يبخل علي طفله المدلل بأي شيء جديد نزل حديثا السوق , لقد كان عنده كل ما هو حديث سواء من مكونات أو برامج .
كان أحمد يعمل في شركة كبيرة كمحاسب وكان رؤسائه يعلقون عليه أمال كبيرة وقد يرجع ذلك لتفوقه في اللغة الإنجليزية والكمبيوتر , وأعتقد أنهما من العوامل الأكثر أهميه في نجاح أي عمل متقدم .
في ذلك اليوم عندما كان يتصفح بريده الإلكتروني وكان معتادا علي وجود عشرات من الرسائل معظمها تحمل إعلانات عن منتجات أو شركات , كان لا يعير اهتمام كبير بها ,ولكن وسط هذه الرسائل وجد رسالة تحمل عنوان (مبروك لقد ربحت نصف مليون جنيه إسترليني ) ....
في بداية الأمر ظن أن الأمر عبارة عن مداعبه أو ما شابه من أحد أصدقائه ولكن بعد أن قرأ الرسالة بإمعان شديد وتركيز في كل سطر فيها وجد أنها تتحدث عن شركة ياناصيب عالميه وأخبرته أنها أجرت سحب علي أكثر من 900.000 بريد إليكتروني وتم اختيار ثلاثة منهم فقط وأن البريد الإليكتروني الخاص به قد فاز بالجائزة الثانية وهي نصف مليون جنيه إسترليني ,وأن عليه أن يرسل بياناته كاملة إلي فلان مدير هذه الشركة .
ظل أحمد أمام جهازه أكثر من ثلاث ساعات يفكر في هذه الرسالة حتى أنه أتي بقاموس إليكتروني ليترجم كل كلمه في الرسالة وتبين له صدق ما فهم منها , قال في نفسه أنا لن أخسر شيئا وأرسل فعلا بياناته كاملة إلي هذا الشخص وقال لنرى ماذا سيحدث ؟!.
لقد أخذت هذه الرسالة حيز كبير من تفكير أحمد رغم محاولاته المتعددة لنسيان ما حدث والتي باءت بالفشل كلها إلا أنه سرعان ما تلقي ردا علي رسالته في اليوم التالي تخبره أن رسالته وصلت بالفعل لمدير الشركة وتخبره أيضا بأنها تريد بعض التفاصيل عنه وعن رقم حسابه في البنك وعنوان البنك ليتم تحويل جائزته إليه .
لم يصدق أحمد عينيه في البداية وظل موجها بصره أمام الشاشة لعدة دقائق كأنه يرسمها في مخيلته ثم قفز من كرسيه وصرخ بأعلى صوته .... أنا فزت ..أنا فزت ......ولكن ... ,تذكر أحمد أنه ليس لديه حساب في البنك ولم يتعامل مع بنوك من قبل .... ثم صمت قليلا ثم قال .. أنا لازم أعمل حساب بكره الصبح في أي بنك .. لازم ..
وبالفعل في صباح اليوم التالي استيقظ باكرا جدا عن موعده الطبيعي .. الواقع أنه لم ينم أصلا من شده فرحه وظل يفكر طوال الليل فيما سيفعله بهذا المبلغ الضخم الذي لم يحلم يوما أن يمتلكه أو حتى ربع هذا المبلغ , لقد بدا له أفكار كثيرة لاستخدام هذا المبلغ وظلت هذه الأفكار تنمو وتتكاثر في عقل أحمد لدرجة كبيرة ,لدرجة وجد بها أن هذا المبلغ لا يكفي لتحقيق كل أحلامه التي يحلم بها من فيلا واسعة بحمام سباحة كبير وسيارة مرسيدس أخر موديل .... إلي أخر هذه الأحلام التى لا تنتهي أبدا .
طار أحمد إلي أقرب بنك حاملا معه كل ما لديه من أموال في البيت وإن كانت لا تتعدى الخمسمائة جنيه وبالفعل تم فتح الحساب وعاد مسرعا إلى البيت ليرسل رسالة بالبيانات المطلوبة وكان في حالة من النشوى والفرح تجعله يطير على الأرض لا يمشي بقدميه وإنما بقلبه .
نسي أحمد في هذه الأثناء عمله ولم يفكر حتى في الاعتذار عن غيابه ,لقد كان في أحلامه أنه سيترك هذا العمل ويبني مشروع ضخم .. نعم مشروع يليق بمليونير مثله .
لم ينتظر طويلا أمام الجهاز , فبعد عدة ساعات جاءته رسالة أخرى تخبره أن رسالته وصلت وأن جائزته بالفعل تم إرسالها من الشركة في لندن إلي بنك في نيجيريا وأن عليه إرسال طلب تحويل جائزته من البنك إلي رقم حسابه في مصر.
زادت أحلامه باقتراب حصوله علي النصف مليون إسترليني , حتى أنه كان يتصرف وأنه بالفعل حصل على المبلغ ,وأنها مسألة وقت فقط .. أقصد بالطبع وقت تحويل المبلغ من بنك في بلد إلي بنك في بلد أخر , لقد كان يثور لأتفه الأسباب على أشياء كان يعتبرها منذ أيام شيء طبيعي .
وبعد عدة أيام وصلته رسالة من مدير البنك في نيجيريا يطلب منه بعض المعلومات عنه ليتم تحويل المبلغ إليه وأخبره أن عليه دفع مبلغ خمسمائة دولار مصاريف التحويل قبل أن يرسل إليه الجائزة .
توقف أحمد قليلا أمام هذه الرسالة وعدة تساؤلات تدور في ذهنه ,لماذا يريد هذا المبلغ ليحول لي الجائزة ,وهل تحويل الأموال يحتاج إلي هذا المبلغ فعلا .. وظل في حيرة شديدة , فهو لا يملك هذا المبلغ ,ثم أنه كيف يضمن أن تصل هذه الأموال إلي صاحبها , وكيف يضمن هو أن يرسل إليه مدير البنك الجائزة عندما يأخذ النقود .
وبعد عدة ساعات بزغت الشمس لتعلن بدء يوم جديد بعد طول عناء وتفكير أجهد عقل أحمد حتى أنه شعر أن هذا الليل هو عشرة أيام وليس يوم واحد .
أسرع أحد بتغير ملابسه ونزل إلي البنك ليبحث عن إجابات عن تساؤلاته الكثيرة , وبالفعل استطاع أن يقابل مدير البنك وكان معه صورة من الإيميلات التي ترسل إليه وعندما نظر إليها مدير البنك وظل يقرأها باهتمام ثم نظر إلي وجه أحمد لحظات ثم أنفجر في الضحك .
لم يفهم أحمد سبب هذا الضحك الهيستيري ولم يستوعب رد فعل هذا الرجل الغريب , ولكنه في أثناء دهشته من هذا الموقف فوجئ بالمدير يقول له وقد أستجمع قواه من الضحك ...... لقد أرسلوا لي الشهر الماضي وقالوا لي لقد ربحت مليون دولار .... وعندما سألتهم عن الجائزة قالوا أرسل لنا 1000 دولار مصاريف تحويل الجائزة .... وعندما سألت عن البنك الذي به الجائزة لم أجد له أصل ولا فصل .... يعني بنك وهمي ...وعاد للضحك مرة أخرى ..
وبعد لحظات قال المدير ... يا سيد دول جماعة نصابين ومفيش لا جائزة ولا حتى منحه ... هو معقول في حد يرمي فلوسه في الأرض .... ثم ... ثم هو هيديلك فلوس ليه , إيه إلي عملته يستحق هذا المبلغ الضخم ...
خرج أحمد من غرفة مدير البنك يجر قدميه جرا ويجر معهما خيبة أمل كبيرة تحطمت معها كل ما كان يحلم به منذ قرابة الأسبوع , كان يمشي في الشارع ويشعر أن الناس كلها تنظر إليه وتضحك عليه من سذاجته .
دخل البيت ولكن هذه المرة لم يدخل حجرته , بل جلس في الصالة وكأنه يخشى أن يشاهد جهازه الكمبيوتر الذي تسبب في صدمة له قضت على كل ما يراه مفيد في هذا الجهاز , حتى أنه قرر أن يبيع هذا الجهاز الملعون ( من وجهة نظره طبعا ).., لقد أثبت هذا الجهاز مدى الفشل في حياته وكيف أنه لبث سنوات عمره أمام هذا الجهاز , ولأول مرة في حياته يفكر أحمد في مدى الفراغ والوحدة التي يعيشها وظل يفكر في زملائه وأصدقائه فوجد أن معظمهم تقريبا قد أصبح لهم عائلة وأبناء يهتمون بأمرهم .
نظر إلي حياته من خارج نفسه وليس من داخلها , وجد أن حياته واهية , ليس لها قيمه , ولا أحد يهتم به أو يعبأ بأحواله وتذكر لأول مرة أنه لا أحد يزوره أو يسأل عنه .
ظل أحمد على هذه الحالة من الفكر لأيام حتى شكر الظروف التي جعلته يفكر في حياته قبل أن تنتهي وينظر فيجد أنه لم يفعل شيئا بها , نعم .. كثيرا منا لا يفيق إلا عندما يحدث له شئ يهز وجدانه أو يغير مجرى حياته , أليست هذه هي الحقيقة , لقد شغلتنا الحياة حتى عن التفكير في أنفسنا ولا نفيق من هذه الدوامة إلا عندما نرى في المرآة الشعر الأبيض في رؤوسنا وقد لا نراه إذا شُغلنا عن النظر في المرآة .
كان لأحمد أخت واحدة تصغره بسنتين ومتزوجة ولها طفل في الرابعة من عمره ولكنها تقيم في محافظه أخرى , أما والداه فهما علي المعاش , كان والده موظف في مصلحه حكومية وعندما خرج من الخدمة أصبح يقضى معظم يومه على المقهى المقابل للمنزل , أما والدته فتقضي معظم النهار في تنظيف البيت أو مشاهدة التلفاز , لم يكن البيت فيه أي جو من المرح أو البهجة ولكن أشبه بالبيت الخالي , الغير مأهول بالسكان , وقد يكون ذلك أحد العوامل التي ساعدت أحمد إلى اللجوء للانطواء .
ثار أحمد على حياته وطريقته في الدنيا , قرر أن يغير من حياته , بل يغير حياته كلها , بدأ يهتم بعلاقاته مع زملائه في العمل , يتكلم معهم ويصادقهم , حاول أن يعيش الجو الاجتماعي الذي يفتقد إليه من سنوات , ومع مرور الأيام بدأ يعجب بزميله له في العمل , وجد فيها صفات جعلته يشعر بالطمأنينة ويشعر بسعادة بالغة عندما يكون بالقرب منها .
قرر أحمد أن يتخذها زوجه له لتكمل معه مشوار حياته الجديدة التي قرر أن يبدأها من جديد , ولم تمر السنة حتى استطاع أن يعد نفسه للزواج وتقدم لها ووافقوا عليه وتم الزواج على خير , لقد شعر أحمد بالسعادة الحقيقية عندما وجد أن هناك من يشاركه أفكاره وحياته , نعم .. عندما قارن حياته السابقة بالحالية وجد أنه كان ميت في ثوب الأحياء , لقد تغيرت حياته كلها وتغير مفهومه عن الحياة .
وهاهو يقف في صالة المستشفى ينتظر مولودة الأول على أحر من الجمر ....... أليست هذه هي الحياة التي تستحق أن يضحي الإنسان من أجلها ....
تمت ,
المنصورة أواخر أغسطس 2006
م / محمد محمود إبراهيم