من هو فرعون موسى
صورة لرأس لجثة رمسيس الثاني الموجودة في المتحف المصري في القاهرة والذي تؤكد الأدلة أنه هو فرعون موسى
الدكتور رشدي البدراوي
أستاذ بجامعة القاهرة وباحث وكاتب إسلامي
من هو فرعون موسى ؟.. لقد اختلفت الآراء في تحديد اسم هذا الفرعون اختلافاً كبيراً وسنذكر في هذه المقالة مختلف الآراء التي ذكرت في هذا الشأن، مذكرين بأن بعض هذه الآراء لم يوضع بقصد بيان الحقيقة أو بحثاً عنها بل وضع لهدف سياسي وإن كان قد غُلّف بما قد يبدو للقارئ بأنه حقائق تاريخية، كذلك فإن بعض النظريات التي وضعت اعتمد أصحابها على حادثة معينة وبنوا عليها نظريتهم وراحوا يحاولون تفسير الأحداث كلها حسب نظريتهم هذه ويلوون الحقائق يختلقون أحداثاً ليؤيدوا بها وجهة نظرهم.
ولا يخفى قصور هذه النظريات التي يجوز تسميتها بالنظريات (أحادية النظرة ) إذ هي تنظر إلى الأحداث من زاوية واحدة وتتجاهل الجوانب الأخرى ومن هنا تعددت الآراء ولم تصل إلى نتيجة مرضية.
ولما كان منهجنا هو النظرة الشاملة وربط القصص الديني بالأحداث التاريخية، ومن هذا المنطلق رأينا أن الطريق السليم للوصول إلى الحقيقة في هذا الشأن هو تحديد بعض النقاط الأساسية من قصة موسى عليه السلام يجب أن تستوفيها النظرية المقترحة وكذلك تحديد صفات هذا الفرعون مما جاء عنه في الكتب المقدسة وعلى رأسها بالطبع القرآن الكريم صحيح أن القرآن الكريم هو كتاب هداية وإيمان، ركّز عند سرد القصص على الجانب الإيماني والعبرة التي تستقى منها ولكنه في نفس الوقت إذا أشار إلى حدث معين أو واقعة معينة فقوله هو القول الحق الذي لا يمكن التغاضي عنه أو إيراد ما يتعارض معه وما سكت عنه القرآن الكريم لا بأس من أن نبحث عما ورد في التوراة بشأنه مدركين ما قد أصاب بعض نصوصها من تحريف وتبديل إذ التوراة التي بين أيدينا هي في حقيقتها سيرة موسى عليه السلام وقد مزج كاتبو التوراة بين ما أوحى إليه من الله وبين أحاديثه الشخصية مضافاً إليها تفسيراتهم لبعض الأحداث واعتماداً على هذه الإضافات الأخيرة فإننا لا نرى بأساً من التجاوز عن معلومة تاريخية وردت في التوراة إذا ارتأينا أنها تتعارض مع حقائق أخرى أو أنها تقف حجر عثرة في سبيل نظرية متكاملة.
وأخيراً فإن هناك ملحوظة جديرة بالذكر، وهي صمت الآثار المصرية التام عن هذا الموضوع الخطير – موضوع بني إسرائيل وموسى – مع ما هو معروف عن الكتابات المصرية – على جدران العابد والآثار – من دقتها في تسجيل الأحداث ويعلل (سميث) سكوت الآثار المصرية عن قصة الخروج – أي خروج بني إسرائيل من مصر – بأنها من وجهة النظر المصرية الفرعونية لا تزيد عن كونها فرار مجموعة من العبيد من سادتهم المصريين وما كانت هذه بالحادثة التي تسجل على جدران المعابد أو التي تقام لها الآثار لتسجيلها (J.W. Smith God & man in Earty Israel. P38) كما أنه من المؤكد أن هذه التسجيلات لم تكن – كما نقول بلغة عصرنا – صحافة حرة تسجل الأحداث كما وقعت – بل لا بد كانت تحت رقابة صارمة من الفراعنة فلا تسجل إلا ما يسمح به الفراعين أنفسهم ويكون فيه تمجيد لهم ولما كان الفراعنة يدّعون أنهم من نسل الآلهة فليس من المتصور أن تسجل على المعابد دعوة موسى لإله أكبر هو رب العالمين، كما أنه من غير المعقول تسجيل فشل الفرعون في منع خروج بني إسرائيل فضلاً عن غرقه أثناء مطاردتهم، إذ أنها أحداث يجب فرض تعتيم إعلامي كامل عليها وعلى كل ما يتعلق بها والعمل على محوها من ذاكرة الأمة وهو أمر غير مستغرب.. بل ويحدث في أيامنا هذه وكم من حقائق عملت الرقابة والمخابرات على إخفائها عن الشعوب!
وإزاء تعدد الآراء في تحديد شخصية من هو فرعون موسى فقد وجدنا أن الأسلوب الأمثل الواجب اتباعه هو وضع النقاط الأساسية الثابتة ثبوتاً لا يرقى إليه الشك ثم عرض النظريات المختلفة – واحدة تلو الأخرى – على هذه النقاط الأساسية وإذا لم تكن تستوفيها تم استبعادها حتى تصل إلى النظرية التي تستوفي هذه النقاط الأساسية – كلها – أو أكبر عدد منها فتكون هي النظرية الصحيحة.
وفي رأينا أن هذه النقاط الأساسية هي:
1-تسخير بني إسرائيل هو أول هذه النقاط – وهو أمر ثابت بالقرآن الكريم.
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } [القصص: 4].
كما ورد أيضاً في التوراة إذ ذُكر كنبوءة لإبراهيم عليه السلام: فقال لأبرام: اعلم يقيناً أن نسلك سيكون غريباً في أرض ليست لهم ويُستبعدون لهم فيُذلونهم أربعة مائة سنة (تكوين 15: 13). كما ذكر عدة مرات في سفر الخروج: فاستعبد المصريون بني إسرائيل بعنف، ومرّروا حياتهم بعبودية قاسية في الطين واللبن وفي كل عمل في الحقل، كل عملهم الذي عملوه بواسطتهم عنفاً (خروج 1: 14).
ولا بد للنظرية التي توضع أن توضّح لم كان هذا التسخير والتعذيب، فلا يكفي القول بأن بني إسرائيل كانوا مقربين من الهكسوس ليكون ذلك سبباً في هذا التعذيب فكم من جالية بقيت في دولة بعد إجلاء المحتل عنها ولم ينزل بها مثل هذا التنكيل أو بعضه.
2-تمسك الفرعون بعدم خروج بني إسرائيل من مصر، وليس الأمر رغبة في تسخيرهم في المباني والإنشاءات، فالمصريون بسواعدهم بنو الأهرامات – أكثر من مائة – وبنوا المعابد الضخمة ومئات المدن وأقربها عهداً مدينة أخيتاتون، وما بناء مدينتي بي رعمسيس وفيثوم إلا قطرة من بحر !!! ولا بد من تقديم تفسير كاف لإصرار الفرعون على عدم خروج بني إسرائيل من مصر بالرغم مما نزل به من ضربات من جراء ذلك.
3-الالتقاط من النهر: إن موسى هو من بني إسرائيل وبنو إسرائيل كانوا يقيمون في أرض جاسان شرق الدلتا وألقى في النهر ليلتقطه آل فرعون، فيجب أن يكون موقع الالتقاط شمالي موقع الإلقاء لأن التيار يمشي من الجنوب إلى الشمال سواء كان الالتقاط من مجرى النهر ذاته أو من إحدى الترع المتفرعة عنه.
4-عند فرار موسى من مصر بعد قتل المصري لماذا لم يذهب إلى أرض فلسطين وكان بها فلول من بقايا الهكسوس كما كان بها (العايبرو) وهم يمتون بصلة ما إلى بني إسرائيل وكان من الطبيعي أن يلجأ إليهم فلماذا فضل الذهاب إلى أرض مدين!
5-كثير من النظريات التي قُدمت أهملت إظهار معجزتي العصا واليد في اللقاء الأول بين موسى وفرعون ثم تحدى السحرة بعد ذلك، وكذلك أهملت إظهار باقي الآيات التسع مع أنها أمور ثابتة في كل الكتب المقدسة.
6-فرعون موسى وصف في القرآن الكريم بأنه ( فرعون ذو الأوتاد ) ويجب تقديم تفسير مقنع لهذا الوصف.
7-فرعون موسى ادعى الألوهية: {فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } [النازعات: 23-24]، وهو ادعاء فعلي للألوهية، ويجب على النظرية أن تقدّم إثباتاً لهذا ولا يكفي أن يقال إنه نسب نفسه للآلهة، فجميع الفراعين بدءاً من الأسرة الخامسة كانوا يدّعون أنهم من نسل الآلهة.
8-فرعون موسى غرق أثناء مطاردته لبني إسرائيل، والعبرة تكون أبلغ لو أن الفرعون الذي غرق يكون هو نفسه فرعون التسخير، عما إذا مات فرعون التسخير ميتة طبيعية وكان الغرق من نصيب خَلَفِه، فإذا اتسعت حياة أحد الفراعين بحيث تشمل الأمرين معاً كان في ذلك غنى عن افتراض فرعونين.
9-حبذا لو أوضحت النظرية أن دماراً ما قد حاق بالآثار التي أقامها هذا الفرعون أكثر مما أصاب آثار غيره من الفراعين، لينطبق عليه قوله تعالى: { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } [الأعراف: 137].
10-وأخيراً يجب أن تتضمن النظرية تفسيراً لقوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً } [يونس: 92] إذ أن لدينا مومياوات كثر من الفراعين، والآية لتمامها وأكتمال الهدف منها – لا بد أن تكون واضحة محددة، فأي المومياوات هي الخاصة بفرعون موسى ؟ وهل فيها شيء يمكن اعتباره آية؟
لا شك أن القارئ يوافق على أن هذه النقاط اللازم توافرها في أي نظرية توضع لبيان من هو فرعون موسى، والآن نستعرض مختلف النظريات التي قُدّمت ونرى مدى تحقيقها لهذه النقاط.
. . . يتبع . . . . .
صورة لرأس لجثة رمسيس الثاني الموجودة في المتحف المصري في القاهرة والذي تؤكد الأدلة أنه هو فرعون موسى
الدكتور رشدي البدراوي
أستاذ بجامعة القاهرة وباحث وكاتب إسلامي
من هو فرعون موسى ؟.. لقد اختلفت الآراء في تحديد اسم هذا الفرعون اختلافاً كبيراً وسنذكر في هذه المقالة مختلف الآراء التي ذكرت في هذا الشأن، مذكرين بأن بعض هذه الآراء لم يوضع بقصد بيان الحقيقة أو بحثاً عنها بل وضع لهدف سياسي وإن كان قد غُلّف بما قد يبدو للقارئ بأنه حقائق تاريخية، كذلك فإن بعض النظريات التي وضعت اعتمد أصحابها على حادثة معينة وبنوا عليها نظريتهم وراحوا يحاولون تفسير الأحداث كلها حسب نظريتهم هذه ويلوون الحقائق يختلقون أحداثاً ليؤيدوا بها وجهة نظرهم.
ولا يخفى قصور هذه النظريات التي يجوز تسميتها بالنظريات (أحادية النظرة ) إذ هي تنظر إلى الأحداث من زاوية واحدة وتتجاهل الجوانب الأخرى ومن هنا تعددت الآراء ولم تصل إلى نتيجة مرضية.
ولما كان منهجنا هو النظرة الشاملة وربط القصص الديني بالأحداث التاريخية، ومن هذا المنطلق رأينا أن الطريق السليم للوصول إلى الحقيقة في هذا الشأن هو تحديد بعض النقاط الأساسية من قصة موسى عليه السلام يجب أن تستوفيها النظرية المقترحة وكذلك تحديد صفات هذا الفرعون مما جاء عنه في الكتب المقدسة وعلى رأسها بالطبع القرآن الكريم صحيح أن القرآن الكريم هو كتاب هداية وإيمان، ركّز عند سرد القصص على الجانب الإيماني والعبرة التي تستقى منها ولكنه في نفس الوقت إذا أشار إلى حدث معين أو واقعة معينة فقوله هو القول الحق الذي لا يمكن التغاضي عنه أو إيراد ما يتعارض معه وما سكت عنه القرآن الكريم لا بأس من أن نبحث عما ورد في التوراة بشأنه مدركين ما قد أصاب بعض نصوصها من تحريف وتبديل إذ التوراة التي بين أيدينا هي في حقيقتها سيرة موسى عليه السلام وقد مزج كاتبو التوراة بين ما أوحى إليه من الله وبين أحاديثه الشخصية مضافاً إليها تفسيراتهم لبعض الأحداث واعتماداً على هذه الإضافات الأخيرة فإننا لا نرى بأساً من التجاوز عن معلومة تاريخية وردت في التوراة إذا ارتأينا أنها تتعارض مع حقائق أخرى أو أنها تقف حجر عثرة في سبيل نظرية متكاملة.
وأخيراً فإن هناك ملحوظة جديرة بالذكر، وهي صمت الآثار المصرية التام عن هذا الموضوع الخطير – موضوع بني إسرائيل وموسى – مع ما هو معروف عن الكتابات المصرية – على جدران العابد والآثار – من دقتها في تسجيل الأحداث ويعلل (سميث) سكوت الآثار المصرية عن قصة الخروج – أي خروج بني إسرائيل من مصر – بأنها من وجهة النظر المصرية الفرعونية لا تزيد عن كونها فرار مجموعة من العبيد من سادتهم المصريين وما كانت هذه بالحادثة التي تسجل على جدران المعابد أو التي تقام لها الآثار لتسجيلها (J.W. Smith God & man in Earty Israel. P38) كما أنه من المؤكد أن هذه التسجيلات لم تكن – كما نقول بلغة عصرنا – صحافة حرة تسجل الأحداث كما وقعت – بل لا بد كانت تحت رقابة صارمة من الفراعنة فلا تسجل إلا ما يسمح به الفراعين أنفسهم ويكون فيه تمجيد لهم ولما كان الفراعنة يدّعون أنهم من نسل الآلهة فليس من المتصور أن تسجل على المعابد دعوة موسى لإله أكبر هو رب العالمين، كما أنه من غير المعقول تسجيل فشل الفرعون في منع خروج بني إسرائيل فضلاً عن غرقه أثناء مطاردتهم، إذ أنها أحداث يجب فرض تعتيم إعلامي كامل عليها وعلى كل ما يتعلق بها والعمل على محوها من ذاكرة الأمة وهو أمر غير مستغرب.. بل ويحدث في أيامنا هذه وكم من حقائق عملت الرقابة والمخابرات على إخفائها عن الشعوب!
وإزاء تعدد الآراء في تحديد شخصية من هو فرعون موسى فقد وجدنا أن الأسلوب الأمثل الواجب اتباعه هو وضع النقاط الأساسية الثابتة ثبوتاً لا يرقى إليه الشك ثم عرض النظريات المختلفة – واحدة تلو الأخرى – على هذه النقاط الأساسية وإذا لم تكن تستوفيها تم استبعادها حتى تصل إلى النظرية التي تستوفي هذه النقاط الأساسية – كلها – أو أكبر عدد منها فتكون هي النظرية الصحيحة.
وفي رأينا أن هذه النقاط الأساسية هي:
1-تسخير بني إسرائيل هو أول هذه النقاط – وهو أمر ثابت بالقرآن الكريم.
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } [القصص: 4].
كما ورد أيضاً في التوراة إذ ذُكر كنبوءة لإبراهيم عليه السلام: فقال لأبرام: اعلم يقيناً أن نسلك سيكون غريباً في أرض ليست لهم ويُستبعدون لهم فيُذلونهم أربعة مائة سنة (تكوين 15: 13). كما ذكر عدة مرات في سفر الخروج: فاستعبد المصريون بني إسرائيل بعنف، ومرّروا حياتهم بعبودية قاسية في الطين واللبن وفي كل عمل في الحقل، كل عملهم الذي عملوه بواسطتهم عنفاً (خروج 1: 14).
ولا بد للنظرية التي توضع أن توضّح لم كان هذا التسخير والتعذيب، فلا يكفي القول بأن بني إسرائيل كانوا مقربين من الهكسوس ليكون ذلك سبباً في هذا التعذيب فكم من جالية بقيت في دولة بعد إجلاء المحتل عنها ولم ينزل بها مثل هذا التنكيل أو بعضه.
2-تمسك الفرعون بعدم خروج بني إسرائيل من مصر، وليس الأمر رغبة في تسخيرهم في المباني والإنشاءات، فالمصريون بسواعدهم بنو الأهرامات – أكثر من مائة – وبنوا المعابد الضخمة ومئات المدن وأقربها عهداً مدينة أخيتاتون، وما بناء مدينتي بي رعمسيس وفيثوم إلا قطرة من بحر !!! ولا بد من تقديم تفسير كاف لإصرار الفرعون على عدم خروج بني إسرائيل من مصر بالرغم مما نزل به من ضربات من جراء ذلك.
3-الالتقاط من النهر: إن موسى هو من بني إسرائيل وبنو إسرائيل كانوا يقيمون في أرض جاسان شرق الدلتا وألقى في النهر ليلتقطه آل فرعون، فيجب أن يكون موقع الالتقاط شمالي موقع الإلقاء لأن التيار يمشي من الجنوب إلى الشمال سواء كان الالتقاط من مجرى النهر ذاته أو من إحدى الترع المتفرعة عنه.
4-عند فرار موسى من مصر بعد قتل المصري لماذا لم يذهب إلى أرض فلسطين وكان بها فلول من بقايا الهكسوس كما كان بها (العايبرو) وهم يمتون بصلة ما إلى بني إسرائيل وكان من الطبيعي أن يلجأ إليهم فلماذا فضل الذهاب إلى أرض مدين!
5-كثير من النظريات التي قُدمت أهملت إظهار معجزتي العصا واليد في اللقاء الأول بين موسى وفرعون ثم تحدى السحرة بعد ذلك، وكذلك أهملت إظهار باقي الآيات التسع مع أنها أمور ثابتة في كل الكتب المقدسة.
6-فرعون موسى وصف في القرآن الكريم بأنه ( فرعون ذو الأوتاد ) ويجب تقديم تفسير مقنع لهذا الوصف.
7-فرعون موسى ادعى الألوهية: {فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } [النازعات: 23-24]، وهو ادعاء فعلي للألوهية، ويجب على النظرية أن تقدّم إثباتاً لهذا ولا يكفي أن يقال إنه نسب نفسه للآلهة، فجميع الفراعين بدءاً من الأسرة الخامسة كانوا يدّعون أنهم من نسل الآلهة.
8-فرعون موسى غرق أثناء مطاردته لبني إسرائيل، والعبرة تكون أبلغ لو أن الفرعون الذي غرق يكون هو نفسه فرعون التسخير، عما إذا مات فرعون التسخير ميتة طبيعية وكان الغرق من نصيب خَلَفِه، فإذا اتسعت حياة أحد الفراعين بحيث تشمل الأمرين معاً كان في ذلك غنى عن افتراض فرعونين.
9-حبذا لو أوضحت النظرية أن دماراً ما قد حاق بالآثار التي أقامها هذا الفرعون أكثر مما أصاب آثار غيره من الفراعين، لينطبق عليه قوله تعالى: { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } [الأعراف: 137].
10-وأخيراً يجب أن تتضمن النظرية تفسيراً لقوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً } [يونس: 92] إذ أن لدينا مومياوات كثر من الفراعين، والآية لتمامها وأكتمال الهدف منها – لا بد أن تكون واضحة محددة، فأي المومياوات هي الخاصة بفرعون موسى ؟ وهل فيها شيء يمكن اعتباره آية؟
لا شك أن القارئ يوافق على أن هذه النقاط اللازم توافرها في أي نظرية توضع لبيان من هو فرعون موسى، والآن نستعرض مختلف النظريات التي قُدّمت ونرى مدى تحقيقها لهذه النقاط.
. . . يتبع . . . . .