تفسير سورة القارعة
بسم الله الرحمن الرحيم : الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ .
--------------------------------------------------------------------------------
هذه السورة سورة القارعة، ذكر الله -جل وعلا- فيها ما يكون يوم القيامة، فقال جل وعلا: الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ وهذا فيه تعظيم لشأن يوم القيامة؛ لأن الله -جل وعلا- استفهم عنها أولًا مَا الْقَارِعَةُ ثُمَّ قَالَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ استفهام آخر، وهذا كله تعظيم لشأن ذلك اليوم.
والقارعة اسم من أسماء يوم القيامة سماه الله -جل وعلا- بذلك؛ لأن قيام هذه الساعة ورؤية أهوالها وفزعها يقرع القلوب، ولهذا كانت العرب تسمى الأمر الشديد المفزع تسميه قارعة؛ لأن قلوب العباد تنقرع له وتخشى وتَوْجَل وتضطرب.
ثم قال جل وعلا: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ يعني: أن الناس إذا قرعتهم الساعة، وقامت ورأوا أهوالها، فإنهم يكونون كالجراد المنتشر، كما قال الله -جل وعلا-: يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ .
وتشبيه الله -جل وعلا- للعباد بالفراش؛ لأن قلوبهم في تلك الساعة تكون شبه زائلة، وتخف أحلامهم، ويصير بعضهم يموج في بعض، كما يموج الفراش بعضه في بعض، لا يدرون أين يذهبون، كما أن الفراش يموج بعضه ببعض، ويتداخل ويضطرب، حتى إذا أوقدت النار تهافت عليها، فكذلك بنو آدم يوم القيامة، إذا خرجوا من قبورهم للحشر إلى الله -جل وعلا- وقامت القيامة على الأحياء، فإنهم يكونون كالفراش المبثوث من شدة هول يوم القيامة.
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ أي: تكون الجبال كالصوف الملون الذي ندف، والندف هو ضرب القطن أو الصوف، وهو العهن حتى ينتفش، وجاءته الريح فإنها تنشره وتفرقه، فقال جل وعلا: وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ وفي آية سَأَلَ سَائِلٌ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ .
وهذه حالة من أحوال الجبال يوم القيامة؛ لأن الله -جل وعلا- يدك الجبال ويسيرها، وتكون كالعهن المنفوش، وتكون كالرمل المنهال، وتكون كذلك هباء منثورًا، والهباء هو ما يُرَى في شعاع الشمس، ثم بعد ذلك تكون سرابا، كما دل على ذلك القرآن العظيم في آيات كثيرة.
قال الله -جل وعلا-: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ أي: من رجحت حسناته على سيئاته، فهو في عيشة راضية يعني: في عيشة مرضية، يعني: أنه يرضى تلك العيشة؛ لأن الله -جل وعلا- يُدْخِله جنات النعيم.
وهذا كما قال الله -جل وعلا-: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ثم قال جل وعلا: وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ يعني: أنه يهوي.
يأوي إليها، فكذلك النار، هذا الكافر يأوي إليها، وتكون مرده ومستقره، وهاتان الآيتان تدلان على إثبات الميزان يوم القيامة، وقد دل كتاب الله -جل وعلا- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأجمع عليه أهل السنة والجماعة أن هناك ميزانا حقيقيا يوم القيامة.
جعله الله -جل وعلا- في ذلك الموقف لإظهار عدله -سبحانه وتعالى- وإقامة الحجة على الخلق، وقطع المعاذير عليهم، وإن كان الله -جل وعلا- قد علم ما عملوا، وأحصاه عليهم، ولكنه جل وعلا ينصب الموازين يوم القيامة لإقامة العدل.
قال الله -جل وعلا-: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ والعلماء مجمعون على هذا الميزان، وأنه ميزان له كفتان، لكن ما الذي يوزن؟ هل توزن الأعمال، أو توزن الصحائف، أو يوزن العمل، الله -جل وعلا- في هذه الآية قال: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ .
هل ثقلت بالعاملين؟ أو ثقلت بصحائف الأعمال؟ أو ثقلت بالعمل؟ دلت النصوص على أن هذه الأشياء الثلاثة كلها توزن، قال الله -جل وعلا- في شأن وزن الإنسان في آخر سورة الكهف: فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الرجل السمين العظيم ليأتي يوم القيامة ما يَزِنُ عند الله جناح بعوضة، وتلا قوله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا .
ودل الدليل أيضا على أن العمل يوزن، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم فهذا يدل على أن هاتين الكلمتين توزنان يوم القيامة، ومثله قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: والحمد لله تملأ الميزان .
ودل الدليل كذلك على أن صحائف الأعمال توزن كما جاء في حديث "البطاقة" المشهور، وقد صححه جمع من العلماء، وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه يصاح يوم القيامة برجل من أمته على رءوس الخلائق فينشر له دواوين، أو ينشر له تسعة وتسعون سجلا، كل سجل مد البصر، فإذا نشرت هذه السجلات اطلع على سيئاته فيها واستنطقه ربه -جل وعلا- أليست هذه ذنوبك؟ قال: بلى، قال أظلمك الحفظة الكاتبون؟ قال: لا يا رب. فيقول: هل لك من حسنة؟ فيقول: لا. فيقول الله -جل وعلا-: بلى فإنه اليوم لا ظلم.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيخرج الله -جل وعلا- له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فتوضع البطاقة في كفة، والسجلات في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة فهاهنا وزن لصحيفة العمل، وهي هذه السجلات.
فدلت هذه النصوص وأمثالها على أن يوم القيامة فيه ميزان، توزن فيه الأعمال، وتوزن فيه الصحائف، ويوزن فيه العاملون.
وقد دل على ذلك كتاب الله -جل وعلا- في آيات كثيرة كما قال الله -جل وعلا-: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ وقال جل وعلا: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ .
وقال جل وعلا: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وقال جل وعلا: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن هناك ميزانا يوم القيام توزن به أعمال العباد وصحائفهم، ويوزن العباد فمن ثقلت موازينه ورجحت حسناته على سيئاته، فهو من أهل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته، فهو من أهل النار.
بسم الله الرحمن الرحيم : الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ .
--------------------------------------------------------------------------------
هذه السورة سورة القارعة، ذكر الله -جل وعلا- فيها ما يكون يوم القيامة، فقال جل وعلا: الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ وهذا فيه تعظيم لشأن يوم القيامة؛ لأن الله -جل وعلا- استفهم عنها أولًا مَا الْقَارِعَةُ ثُمَّ قَالَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ استفهام آخر، وهذا كله تعظيم لشأن ذلك اليوم.
والقارعة اسم من أسماء يوم القيامة سماه الله -جل وعلا- بذلك؛ لأن قيام هذه الساعة ورؤية أهوالها وفزعها يقرع القلوب، ولهذا كانت العرب تسمى الأمر الشديد المفزع تسميه قارعة؛ لأن قلوب العباد تنقرع له وتخشى وتَوْجَل وتضطرب.
ثم قال جل وعلا: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ يعني: أن الناس إذا قرعتهم الساعة، وقامت ورأوا أهوالها، فإنهم يكونون كالجراد المنتشر، كما قال الله -جل وعلا-: يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ .
وتشبيه الله -جل وعلا- للعباد بالفراش؛ لأن قلوبهم في تلك الساعة تكون شبه زائلة، وتخف أحلامهم، ويصير بعضهم يموج في بعض، كما يموج الفراش بعضه في بعض، لا يدرون أين يذهبون، كما أن الفراش يموج بعضه ببعض، ويتداخل ويضطرب، حتى إذا أوقدت النار تهافت عليها، فكذلك بنو آدم يوم القيامة، إذا خرجوا من قبورهم للحشر إلى الله -جل وعلا- وقامت القيامة على الأحياء، فإنهم يكونون كالفراش المبثوث من شدة هول يوم القيامة.
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ أي: تكون الجبال كالصوف الملون الذي ندف، والندف هو ضرب القطن أو الصوف، وهو العهن حتى ينتفش، وجاءته الريح فإنها تنشره وتفرقه، فقال جل وعلا: وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ وفي آية سَأَلَ سَائِلٌ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ .
وهذه حالة من أحوال الجبال يوم القيامة؛ لأن الله -جل وعلا- يدك الجبال ويسيرها، وتكون كالعهن المنفوش، وتكون كالرمل المنهال، وتكون كذلك هباء منثورًا، والهباء هو ما يُرَى في شعاع الشمس، ثم بعد ذلك تكون سرابا، كما دل على ذلك القرآن العظيم في آيات كثيرة.
قال الله -جل وعلا-: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ أي: من رجحت حسناته على سيئاته، فهو في عيشة راضية يعني: في عيشة مرضية، يعني: أنه يرضى تلك العيشة؛ لأن الله -جل وعلا- يُدْخِله جنات النعيم.
وهذا كما قال الله -جل وعلا-: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ثم قال جل وعلا: وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ يعني: أنه يهوي.
يأوي إليها، فكذلك النار، هذا الكافر يأوي إليها، وتكون مرده ومستقره، وهاتان الآيتان تدلان على إثبات الميزان يوم القيامة، وقد دل كتاب الله -جل وعلا- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأجمع عليه أهل السنة والجماعة أن هناك ميزانا حقيقيا يوم القيامة.
جعله الله -جل وعلا- في ذلك الموقف لإظهار عدله -سبحانه وتعالى- وإقامة الحجة على الخلق، وقطع المعاذير عليهم، وإن كان الله -جل وعلا- قد علم ما عملوا، وأحصاه عليهم، ولكنه جل وعلا ينصب الموازين يوم القيامة لإقامة العدل.
قال الله -جل وعلا-: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ والعلماء مجمعون على هذا الميزان، وأنه ميزان له كفتان، لكن ما الذي يوزن؟ هل توزن الأعمال، أو توزن الصحائف، أو يوزن العمل، الله -جل وعلا- في هذه الآية قال: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ .
هل ثقلت بالعاملين؟ أو ثقلت بصحائف الأعمال؟ أو ثقلت بالعمل؟ دلت النصوص على أن هذه الأشياء الثلاثة كلها توزن، قال الله -جل وعلا- في شأن وزن الإنسان في آخر سورة الكهف: فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الرجل السمين العظيم ليأتي يوم القيامة ما يَزِنُ عند الله جناح بعوضة، وتلا قوله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا .
ودل الدليل أيضا على أن العمل يوزن، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم فهذا يدل على أن هاتين الكلمتين توزنان يوم القيامة، ومثله قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: والحمد لله تملأ الميزان .
ودل الدليل كذلك على أن صحائف الأعمال توزن كما جاء في حديث "البطاقة" المشهور، وقد صححه جمع من العلماء، وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه يصاح يوم القيامة برجل من أمته على رءوس الخلائق فينشر له دواوين، أو ينشر له تسعة وتسعون سجلا، كل سجل مد البصر، فإذا نشرت هذه السجلات اطلع على سيئاته فيها واستنطقه ربه -جل وعلا- أليست هذه ذنوبك؟ قال: بلى، قال أظلمك الحفظة الكاتبون؟ قال: لا يا رب. فيقول: هل لك من حسنة؟ فيقول: لا. فيقول الله -جل وعلا-: بلى فإنه اليوم لا ظلم.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيخرج الله -جل وعلا- له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فتوضع البطاقة في كفة، والسجلات في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة فهاهنا وزن لصحيفة العمل، وهي هذه السجلات.
فدلت هذه النصوص وأمثالها على أن يوم القيامة فيه ميزان، توزن فيه الأعمال، وتوزن فيه الصحائف، ويوزن فيه العاملون.
وقد دل على ذلك كتاب الله -جل وعلا- في آيات كثيرة كما قال الله -جل وعلا-: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ وقال جل وعلا: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ .
وقال جل وعلا: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وقال جل وعلا: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن هناك ميزانا يوم القيام توزن به أعمال العباد وصحائفهم، ويوزن العباد فمن ثقلت موازينه ورجحت حسناته على سيئاته، فهو من أهل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته، فهو من أهل النار.