إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونتوكل عليه ونثني عليه الخير كله ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة ، صلى عليك الله يا علم الهدى ما هبت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم ، نسألك اللهم بكل اسم هو لك علمتنا إياه وما لم نعلم أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا وجلاء أحزاننا وشفاء صدورنا ، اللهم إنا نعوذ بك من همزات وغمزات الشيطان ، وذكرنا بالقرآن ، واملأ قلوبنا بالإيمان ، وأدخلنا فسيح الجنان ، برحمتك يا حنان يا منان.
لقد كثر في وقتنا الحالي ما يسمى بالمشايخ أو حتى الشيخات الذين يتمسحون بالدين ويتظاهرون بالإسلام ولكنهم للأسف ... عبء من ضمن الأعباء ومن عوامل التأخير للنهوض بالمجتمع المسلم ، فهم كثيرون في مجتمعنا الإسلامي ، يستخفون بعقول العباد ضعفاء الإيمان بهدف الكسب المادي منهم ، فهم يدخلون في عقول العباد ضعفاء الإيمان ويستغلون حيرتهم ومشكلاتهم.
قال رسول الله : "من أتى عرافاً فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً" ، وقال رسول الله "من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - [رواه أبو داود]." ولكن هنا يوجد كثير من ضعفاء الإيمان ممن يجادلون ويدافعون عن السحرة والدجالين ويصفوهم بأنهم أناس تأتي بأمور خارقة وأنهم يستطيعون معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ، هم لا يعلمون بأن الدجال أو الدجالة تقوم بإيهام الضحية بأنه يعرف كل شيء بعد أن يطلب من الضحية الإفصاح عن اسم أمه ، فيبدأ بجمع عفاريته وشياطينه ويتذلل لهم في سبيل أن يقدموا له أي معلومة في سبيل أن يبهر الضحية بأنه يعلم ما يعلم من الأمور مثل أن يقول الساحر أو الساحرة للضحية بأن أخوك اسمه فلان وأختك اسمها فلانة وتسكن في المنطقة الفلانية وعمرك كذا وأبناؤك كذا وهذه المعلومات قد يكون الساحر على علم بها من أطراف أخرى أيضاً غير شياطين الجن ، فهناك شياطين للإنس أيضاً وهم أشد خطورة من شياطين الجن حيث أنهم يطلعون هذا الساحر بأخبار عن الضحية فيكونوا من أقربائه أو من جيرانه أو من معارفه ، فبمجرد أن تعلم هذه الضحية بأن هذا الساحر يعلم الكثير عنه فيسلم له أمره ويصدقه بما يقوله له ولكن...
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسٌ عَنْ الْكُهَّانِ فَقَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَاناً بِشَيْءٍ فَيَكُونُ حَقّاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا مِنْ الْجِنِّيِّ فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ
لذلك يستخدم الدجال أو الكاهن هذا الأسلوب حتى يتم تصديق الكذبات المتتالية بعد ذلك ، فهم يختطفون الكلمة من أعوانهم من شياطين الجن ويزيدون عليها ما يزيدون من الكذب والافتراء ويخلطون الحابل بالنابل ولكن يبين الله لنا في محكم التنزل حيث قال تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ [الأنعام : 112]"
حيث نستنتج مما سبق بأن مثل هذه الأمور أشبه بالدعاية أو الشائعات تخرج من فم شخص واحد لتصل إلى بعد ذلك إلى عدة أشخاص بروايات ومعاني مختلفة تماماً ليس لها من الصدق من شيء وهذا ما حصل مع نبينا سيدنا يوسف عليه السلام حين راودته امرأة العزيز وكان قد شغفها حباً كما قال تعالى: "وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ [يوسف : 30]" ، إلا أنها قلبت الحقيقة وزيفت صدق الموضوع خوفاً على مكانتها ، حيث اتهمت سيدنا يوسف عليه السلام بأنه هو الذي بادر بالتحرش بها ولكن برئه الله عز وجل من كل الخبث ومن كل مؤامرات امرأة العزيز ومن شر النسوة الذين قطعن أيديهن فتنة بسيدنا يوسف عليه السلام حيث قال تعالى: "قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف : 51]"
فهذا كله بفعل شياطين الإنس وشياطين الجن لظنهم بأنهم يقدرون على غلبة الحق وتزييف الحقائق كما حصل أيضاً في حادثة الإفك مع أشرف الخلق سيدنا محمد ، حيث اتهم في عرضه بتلفيق الاتهامات لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها حيث وصل خبرها إلى كل قريب وبعيد ولم يكن وقتها سندنا وحافظاً وشاهداً إلا الله وحده إلى أن ظهرت براءة السيدة عائشة رضي الله عنها.
أعود مرة أخرى بأن أوضح أمراً مهما قد يقع فيه الكثير من الغافلين وضعفاء الإيمان ألا وهو تبرئة المشعوذ لنفسه وإنكاره لمعرفة الغيب وأن ما يعلم بالغيب هم الأسياد والأرواح أي الشياطين والعفاريت والمردة التي تهمس له بالخزعبلات والافتراءات ، فلو كان الأمر صحيحاً بأن الجن تعلم الغيب لما حصل ما حصل في قصة سيدنا سليمان عليه السلام ، حيث كان سيدنا سليمان يخافه شياطين الجن خوفاً شديدا لدرجة أنه لا يستطيع أحد منهم الهرب منه في سبيل النجاة حيث قال تعالى: "فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ [سبأ : 14]" حيث توضح لنا الآية الكريمة بأن سيدنا سليمان كان له فترة من الزمن وقد توفاه الله وهو متكأ على عصاه وهو متوفى منذ زمن وكانت شياطين الجن تعمل وتكد دون أن تعلم بأن سيدنا سليمان ميت ، فكانوا يؤدون عملهم على أكمل وجه وعلى قدم وساق ، وهذا يدلل على أن الجن لا تعلم الغيب ، فلو كانوا يعلمون ذلك لما لبثوا في العذاب المهين في العمل الشاق والتعب والكد ، وكذلك أيضاً هو الحال مع الدجالين والمشعوذين إذا ادعوا هنا بأنهم يعلمون الغيب أو تخبرهم شياطينهم بعلم الغيب ، فهذا كله افتراءا على الله وعلى رسوله ، فكم من عراف مات له ولده ، أو ماتت زوجته ، أو أصابه مرض خطير ليس له شفاء ، أو كان مصيره الضياع في الشوارع أو زجه في السجن بسبب أفعاله المشينة ، لو كان العراف صادق فيما يدعي بعلم الغيب لمنع وقوع هذه الأشياء له أو حتى الحذر منها كما سأوضح ذلك بالقصص الواقعية الآتية:
- هنا في فلسطين شاع نبأ امرأة دجالة كانت الناس ضعيفة الإيمان تتوارد عليها من كل قريب وبعيد بحجة أنها تعلم الكثير في حل المشاكل وأنها تستطيع أن تعرف كل شيء وتعلم بالغيب ، في يوم من الأيام سقط ابنها صريعا في حادثة ومات .. هل كانت تعلم بأن ابنها في يوم من الأيام سوف يلاقي حتفه ، لو كانت تعلم بالغيب حقاً لمنعت موت ابنها الحتمي الذي نسيت بأنه مقدر ومكتوب له من قبل ميلاده وهو في بطن أمه .
- في الكويت كانت امرأة تقول بأنها كانت تقرأ الفنجان وتقرأ الكف للقريب والبعيد وتنبئ فلانة بأنها ستتزوج في وقت كذا وستكون حياتها كذا وكذا ولكنها في يوم من الأيام وجدت نفسها في الشارع دون مأوى بسبب ترك أولادها لها وإخراجها من البيت ورميها في الشوارع ، هل كانت تعلم هذه المرأة بمصيرها ونهايتها ، لو كانت تعلم ذلك لساعدت نفسها على الأقل من عدم وقوع مثل هذه النهاية المخزية .
فالغيب هو علم الله فقط أو يعلمه من يشاء من عباده الصالحين ، قال تعالى: "قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل : 65]"
وعلم الغيب مكتوب عند الله قبل وجود كل الخلائق في كل الأكوان لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده إلا إذا أراد الله بمشيئته أن يغيّر ما هو مكتوب فهو الله القادر على كل شيء له الحكم في كل شيء ولا اعتراض على حكم الله ، مثلا:
لو كان الله كاتباً في كتابه بأن فلان مكتوب له بأن يعيش من العمر أربعين سنة ، من الممكن أن يغيّر الله هذا القدر المكتوب بأن يقلل عدد هذه السنين ليُقرّب أجل هذا الإنسان أو يُطيل عدد هذه السنين ليؤجّل مصير هذا الإنسان لحكمة لا يعلمها إلا الله ، قال تعالى: "يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد : 39]"
أي لله الحرية المطلقة في تغيير ما هو مكتوب ومقدر لكن بحدود.
قال تعالى: "وَزَكَرِيّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرني فَرداً وَأنتَ خَيرُ الوارِثين * فاستَجَبنا لَهُ وَوَهَبنا لَهُ يَحيى وَأصلَحنا لَهُ زَوجَهُ.." تبين لنا الآية في قول الله تعالى (فاستجبنا له) بأن ما كان مكتوب ومقدر لسيدنا زكريا بأن لا يكون له ولد ولا بنت ، ولكن دعاءه لله وإلحاحه على الله جعل الله يغير ما هو مكتوب لسيدنا زكريا فاستجاب له ورزقه بسيدنا يحى عليهما السلام لأن الله تغلبه رحمته قبل غضبه فهو رحيم بالعباد رؤوف بهم .
وكلنا يعلم قصة المرأة العاقر الذي كتب الله لها بأن تكون عاقرا ولكنها كانت تلح على الله بالدعاء والمناجاة به فكانت تسأله الولد فاستجاب الله لها ووهب لها طفل بعد عدد طويل من السنين .
كما نجد الكثير من ضعفاء الإيمان ينسبون لعالم الجن ما ينسبون من قدرات خارقة وفوق العادة ويصفوهم بأنهم متطورين عن البشر ويفوقوهم في العلم وكل أمور الحياة ، حيث من هنا يأتي تصديق المشعوذين والدجالين الذين يتعاملون مع شياطين الجن الذين يخافون الإنس أكثر من خوفهم لأنفسهم ، فلو كانوا هم كذلك يمتلكون ما يمتلكون من قدرات خارقة كما يقول بعض الجهلاء بأن الجن يتفوق على البشر في علوم الطب والفلك والاختراعات لوجدنا ذلك مجسدا على أرض الواقع ولشعرنا ولمسنا هذا الفرق ورأيناه بأم أعيننا ذلك الفرق حتى لو كانوا غير مرئيين ويرونا من حيث لا نراهم ، أو لأخبرنا عنه سيدنا محمد ، بل منهم من يتفوق علينا بالعبادات والدين مثل ما حصل مع نفر من الجن المسلم حينما كانوا يستمعون لتلاوة سورة الرحمن فكانوا عندما يسمعون الآية الذي تقول " فبأي آلاء ربكما تكذبان " كانوا يرددون ويقولون لا نكذب بآلائك يا ربنا ، حيث نجد هنا بأن البشر منا يسمع هذه الآية وكأنه لم يسمعها وكان أولى لنا أن نقول نحن كذلك ، فهم في هذه الحالة قد سبقونا في الدين والإيمان والخضوع لله ، فياليتنا سمعنا ذلك الكلام من الدجالين والمشعوذين الذين يدعون ويفترون على الله الكذب والبهتان .
قصة سيدنا سليمان وعرش بلقيس:في هذه القصة تبين لنا بأن قوة الإنس تفوق وتغلب قوة الجن حيث قال الله تعالى: "قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل : الآيات من 38 إلى الآية 40] "
نرى هنا مدى التحدي بين عفريت الجن وبين الإنسي الذي عنده علم من الكتاب ، وهو (آصف بن برخيا) وهو إنسان من حاشية سيدنا سليمان كان عنده علم من الله وحافظاً لاسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سأل به أعطى ، حيث نرى مدى التفوق والسرعة الذي وهبها الله لهذا العالم ، حيث كان بقدرة الله أولاً بأن يأتي بعرش بلقيس من اليمن أسرع من لمح البصر على عكس الجني الذي وعد سيدنا سليمان بأن يأتي بالعرش قبل أن يقوم سيدنا سليمان من مقعده ، حيث نجد هنا أن لمح البصر أسرع من عملية قيام سيدنا سليمان من مقامه ، وهذا يبين مدى تفوق الإنس على الجن على عكس ما يعتقد بعض الدجالين والمشعوذين والجهلاء .
تأثير السحر على الإنسان:السحر موجود والإيمان به واجب وإنكاره افتراء على الدين كما هو الحال مع العين والحسد والمس الشيطاني ، ولكي نكون مصدقين بالسحر علينا أن نعرف ما حصل مع نبينا محمد حين سحره "لبيد بن الأعصم" وهو فتى يهودي كان يخدم الرسول ، حيث أن الرسول كانت ترتفع حرارته دون أن يعرف ما هي علته ، حيث نزل جبريل عليه السلام وأبطل هذا السحر الذي كان مخبأه بن الأعصم في البئر ، الله قادر على أن لا يضر سيد الخلق سيدنا محمد ، ولكن يريد الله أن يعلمنا بأن هناك للسحر تأثير على النفس بإذن الله ، وأن وجوده حقيقة لا يمكن إنكارها .
قصة سيدنا موسى مع السحرة:كلنا يعلم قصة سيدنا موسى عليه السلام وحكايته مع سحرة فرعون الذي كان يعتمد عليهم في كل صغيرة وكبيرة كما هو الحال في اعتماد اليهود على السحرة والكهان ، وهذا إن دل على شيء يدل على مدى الضعف والخوف الشديد الذي يسيطر على نفوس هؤلاء البشر فيجعلهم إتكاليين معتمدين على غيرهم في سبيل تخليصهم من مرارة المستقبل وخوفهم مما هو آت ، حيث وظف فرعون من ضمن حاشيته عدد من السحرة كان يظن بأنهم يخبرونه بكل كبيرة وصغيرة ويطلعونه على علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، ففي يوم من الأيام أخبروا هؤلاء السحرة فرعون بأنه سيأتي في يوم من الأيام رجل سيكون هلاك فرعون على يده وهو من أهل البلدة الذي كان يسود فيها فرعون ، فأصدر فرعون قرار بقتل كل مولود ذكر حتى لا يخرج منهم هذا الرجل الذي سيهلك فرعون على يديه ، ولكن مشيئة الله أرادت أن تبطل الباطل وتحق الحق فكان هذا الرجل الذي سيهلك فرعون على يديه هو سيدنا موسى عليه السلام ، حيث كلنا يعلم قصته حين ألقته أمه في اليم حيث قال تعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص : 7]" ، حيث بقي يسير في اليم إلى أن وصل قصر فرعون وأخذته امرأة فرعون وفرحت به واعتبرته ولداً لها وبرعاية أمه حيث تحقق وعد الله لها بأنه سيرده إليها دون حزن أو خوف إلى أن تربى وترعرع وكبر فأخذ يهدي وينصح لفرعون وحاشيته ولكن كان التكبر والجبروت لدى فرعون أقوى وأغلب من تواضعه وطيبته لدرجة أن فرعون أمر بجمع كل سحرته وكهانه لكي يتحدوا سيدنا موسى بسحرهم الركيك وكيدهم الضعيف بما كان يأتيهم من حجج وآيات إلا أن الله أظهر الحقيقة واعترف السحرة بأن ما أتى به موسى هو أمر خارق لعادتهم وفوق طاقتهم لأنهم كان على علم بعملهم المكذوب فهم يعلمون بأن ما لديهم هو مجرد حبال من الزئبق وليست أفاعي بحق فوجدوا أمرا أكبر من مكرهم وهو تحول عصى سيدنا موسى إلى أفعى ضخمة بإذن الله حيث قال تعالى: "وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه : 69]" فأكلت هذه الأفعى كل الحبال والعصي الذي كان الناس يرونها على أساس أنها أفاعي تسعي بفعل سحرهم وخداعهم حيث قال تعالى: "قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه : 66]" وقال تعالى أيضاً: " فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ [الشعراء : 44] [طه : 66]" ونسوا أن سيدنا موسى كان بمعية الله قاهراً لهم وهم بمعية سيدهم فرعون إلا أنهم في نهاية الأمر آمنوا وأسلموا من جلل الموقف الذي هو فوق عادتهم ، قال تعالى: " قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ [الشعراء : 49]" حيث أنهم آمنوا لأنهم يعلموا جيدا بأن ما لديهم هي عبارة عن حبال وعصي ليس إلا وهم على علم ويقين بأنه لا أحد غيرهم على علم بهذا السر ، فلما أتى سيدنا موسى بما أتى من معجزات فوق العادة عرفوا أنه على حق وعلى صواب وأنه أتي بأمر ليس باستطاعتهم إتيان مثله لأنه سره عجيب يفوق كل القدرات البشرية فعلموا أنه رب العالمين الذي كان يخبرهم عنه سيدنا موسى فأمنوا به وهذا ما أغضب فرعون لعنه الله .
استخدام السحر في المجالات الأخرى:لا يقتصر استعمال السحر في أذية إنسان واحد فحسب أو التفريق بين الزوجين أو لتزويج زوجين ، بل يوجد هناك قبائل وشعوب تستعمل السحر على مستويات عالية ولعدة أشخاص في وقت واحد كما حصل مع الفريق الذي غلب فريق البرازيل في لعبة كرة القدم ، حيث غلبوهم بالسحر .
السحر الحلال:هناك من يدعي بأن هناك سحر حلال واستخدامه مباح في سبيل العلاج أو في سبيل تعلم ما يقوم به السحرة بحجة التحصين ، فنجد هناك من يدعي بأنه يتعلم السحر لكي يعلم كيف الساحر يقوم بعمل السحر ، فهذا كلام كله افتراء ودجل وكذب ، فالسحر لا يبطله إلا الله ومن ثم القرآن والرقية الشرعية ، قال تعالى: "فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس : 81]"
حيث أنه للأسف الشديد هناك من الناس من يزورون الدجالين والمشعوذين بهدف علاج أبن لهم مسحور أو بنت لهم ممسوسة ، فيقوم هذا الدجال أو هذه الدجالة بعمل سحر آخر لأبطال السحر الذي أصاب هذا الضحية ، فتكون هنا المصيبة مصيبتين ، فالحل ليس بالجري بالمسحور إلى الدجالين ، يكفي بأن يسمع المريض أو المسحور لآيات الرقية الشرعية والمداومة على أذكار الصباح والمساء وقراءة القرآن بأن تكون له الشفاء العاجل والحصن المتين بإذن الله .
حد الساحر أو الدجال:لِمَا خرج البخاري في صحيحه عن بجالـة: "أن عمر كتب إليهم أن اقتلوا كل ساحر وساحرة".
ولِمَا خرجه الترمذي في سننه مرفوعاً وموقوفاً عن جندب قال: "حد الساحر ضربة بالسيف".
فحد الساحر هو ضربة بالسيف يتم بها الفصل بين رأسه وجسده دون رأفة أو تردد نتيجة الجرائم العظيمة الذي كان يأتيها من أفعال السحر والشعوذة والشرك العظيم بالله فهو من الموبقات العظيمة التي حذرنا الله منها :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله وما هُنّ؟ قال:
الشرك بالله - والسحر - وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق - وأكل الربا - وأكل مال اليتيم - والتولّي يوم الزحف - وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات". فالمطلوب من كل حاكم مسلم أن يتخذ معهم مثل هذا القصاص دون تراجع أو تردد ودون رأفة بهم فهم كثيرون في مجتمعاتنا لكي تزاد بلادنا في ظلمات دامسة كما يريد أعداؤنا ، فهم يريدوننا أن نرجع إلى الوراء وأن نظل نفكر في نطاق هذه الأمور فقط ولا يريدونا أن ننظر إلى الأمام وأن نطور من حالنا وواقعنا الذي نعيشه ، هم يريدون أن نعيش عولمتهم الذي تخصهم بأن نتشرب عاداتهم وأفعالهم القذرة ، هم يريدوننا بأن نكون شرق أوسط جديد كما يرون ويريدون هم وليس كما نرى ونريد نحن فهل سننساق لهم ونتبعهم أم سنطبق شرع الله وتعاليم دينه وعقيدته .
التحصين من السحر والسحرة:لا شك بأن لكل داء دواء كما أخبرنا رسولنا الكريم حيث أن السحر هنا هو الداء والدواء الشافي هي الرقية الشرعية وحفظ أذكار الصباح والمساء والتمتمة بها كل يوم والمداومة عليها وقراءة ما تيسر من القرآن بشكل مستمر وليس فقط في شهر رمضان كما يفعل الكثير منا ، فهذه الوسائل تتم من قبل الشخص نفسه وليس بالذهاب للعرافيين والدجالين الذين يتبعون الطرق الشيطانية الكفرانية ليزداد الطين بلة وتصبح المصيبة مصيبتين قال الله تعالى: "إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه : 69]" وقال تعالى: "قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ [يونس : 77]" حيث نرى في هاتين الآيتين إظهار الله فشل الساحر بشكل مفرد أو السحرة بشكل جماعي كما جاء في الآية الأولى (ولا يفلح الساحر) حيث ورد الفشل هنا بشكل فردي ، وفي الآية الثانية (ولا يفلح الساحرون) حيث ورد الفشل هنا بشكل جماعي ، أي حتى لو كانوا متحدين مع بعضهم كما حصل مع سحرة فرعون حين تحدوا سيدنا موسى إلا أن الله أبطل ما كانوا يأفكون حيث قال تعالى: "فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ [الشعراء : 45]" ، وقال الله تعالى: "فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس : 81]" ، فمن الآية الأخيرة يبين الله لنا أن إبطال السحر خاصية الله وحده وليس خاصية العبد الكذاب الذي يدعي التدين والمشيخة إلا من رحم ربي ، فأرجع وأوضح بأن يكفي للإنسان المسحور بأن يستمع لآيات الرقية الشرعية إذا ما شعر باختلاف في روتين حياته المعتاد عليه ، أو بإمكان الآباء وأولياء الأمور بأن يستخدموا هذا الأسلوب مع أبنائهم وذويهم ومعارفهم من باب المساعدة إذا أصابهم سوء بدلا من اصطحابهم إلى ما يسمى بالعيادات القرآنية الذي تتظاهر بالعلاج بالقرآن وبالطب النبوي ، ولكن في حقيقة الأمر كثير منهم دجالين وكذابون يستغلون ضعف وحيرة ضحاياهم .
أهداف الدجال/ة أو المشعوذ/ة:- الهدف الأول للدجال هو جَني الأموال من الناس الذين يقعون في أفخاخهم ليحققوا ثروات طائلة من أعمالهم الشيطانية وليس مساعدة الناس كما يدعون .
- الهدف الثاني هو إرضاء شياطينهم وعفاريتهم وتقديم القرابين الذي تقدم لهم من قبل الضحية على يد الساحر الذين أصبحوا مذلولين للشياطين في سبيل أن ينالوا منهم ما ينالوا وأن يبقيهم الدجال دائما بصحبته حيث قال الله تعالى: "وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ [الأنعام : 128]" ، حيث يقوم الدجال بطلب طيور أو حيوانات من الضحية بحجة أن الأسياد تطلب ذلك الشيء ، فيقوم الساحر بذبحها بنفسه أو يطلب من الضحية أحيانا أن يذبحها ويلقيها في مكان يحدده الساحر وعلى كلتا الحالتين لا يتم التسمية على هذه القرابين حتى تستطيع الشياطين من أكلها لأن الشياطين لا تقترب من الذبائح الذي يذكر عليها اسم الله .
لقد كثر في وقتنا الحالي ما يسمى بالمشايخ أو حتى الشيخات الذين يتمسحون بالدين ويتظاهرون بالإسلام ولكنهم للأسف ... عبء من ضمن الأعباء ومن عوامل التأخير للنهوض بالمجتمع المسلم ، فهم كثيرون في مجتمعنا الإسلامي ، يستخفون بعقول العباد ضعفاء الإيمان بهدف الكسب المادي منهم ، فهم يدخلون في عقول العباد ضعفاء الإيمان ويستغلون حيرتهم ومشكلاتهم.
قال رسول الله : "من أتى عرافاً فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً" ، وقال رسول الله "من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - [رواه أبو داود]." ولكن هنا يوجد كثير من ضعفاء الإيمان ممن يجادلون ويدافعون عن السحرة والدجالين ويصفوهم بأنهم أناس تأتي بأمور خارقة وأنهم يستطيعون معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ، هم لا يعلمون بأن الدجال أو الدجالة تقوم بإيهام الضحية بأنه يعرف كل شيء بعد أن يطلب من الضحية الإفصاح عن اسم أمه ، فيبدأ بجمع عفاريته وشياطينه ويتذلل لهم في سبيل أن يقدموا له أي معلومة في سبيل أن يبهر الضحية بأنه يعلم ما يعلم من الأمور مثل أن يقول الساحر أو الساحرة للضحية بأن أخوك اسمه فلان وأختك اسمها فلانة وتسكن في المنطقة الفلانية وعمرك كذا وأبناؤك كذا وهذه المعلومات قد يكون الساحر على علم بها من أطراف أخرى أيضاً غير شياطين الجن ، فهناك شياطين للإنس أيضاً وهم أشد خطورة من شياطين الجن حيث أنهم يطلعون هذا الساحر بأخبار عن الضحية فيكونوا من أقربائه أو من جيرانه أو من معارفه ، فبمجرد أن تعلم هذه الضحية بأن هذا الساحر يعلم الكثير عنه فيسلم له أمره ويصدقه بما يقوله له ولكن...
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسٌ عَنْ الْكُهَّانِ فَقَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَاناً بِشَيْءٍ فَيَكُونُ حَقّاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا مِنْ الْجِنِّيِّ فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ
لذلك يستخدم الدجال أو الكاهن هذا الأسلوب حتى يتم تصديق الكذبات المتتالية بعد ذلك ، فهم يختطفون الكلمة من أعوانهم من شياطين الجن ويزيدون عليها ما يزيدون من الكذب والافتراء ويخلطون الحابل بالنابل ولكن يبين الله لنا في محكم التنزل حيث قال تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ [الأنعام : 112]"
حيث نستنتج مما سبق بأن مثل هذه الأمور أشبه بالدعاية أو الشائعات تخرج من فم شخص واحد لتصل إلى بعد ذلك إلى عدة أشخاص بروايات ومعاني مختلفة تماماً ليس لها من الصدق من شيء وهذا ما حصل مع نبينا سيدنا يوسف عليه السلام حين راودته امرأة العزيز وكان قد شغفها حباً كما قال تعالى: "وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ [يوسف : 30]" ، إلا أنها قلبت الحقيقة وزيفت صدق الموضوع خوفاً على مكانتها ، حيث اتهمت سيدنا يوسف عليه السلام بأنه هو الذي بادر بالتحرش بها ولكن برئه الله عز وجل من كل الخبث ومن كل مؤامرات امرأة العزيز ومن شر النسوة الذين قطعن أيديهن فتنة بسيدنا يوسف عليه السلام حيث قال تعالى: "قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف : 51]"
فهذا كله بفعل شياطين الإنس وشياطين الجن لظنهم بأنهم يقدرون على غلبة الحق وتزييف الحقائق كما حصل أيضاً في حادثة الإفك مع أشرف الخلق سيدنا محمد ، حيث اتهم في عرضه بتلفيق الاتهامات لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها حيث وصل خبرها إلى كل قريب وبعيد ولم يكن وقتها سندنا وحافظاً وشاهداً إلا الله وحده إلى أن ظهرت براءة السيدة عائشة رضي الله عنها.
أعود مرة أخرى بأن أوضح أمراً مهما قد يقع فيه الكثير من الغافلين وضعفاء الإيمان ألا وهو تبرئة المشعوذ لنفسه وإنكاره لمعرفة الغيب وأن ما يعلم بالغيب هم الأسياد والأرواح أي الشياطين والعفاريت والمردة التي تهمس له بالخزعبلات والافتراءات ، فلو كان الأمر صحيحاً بأن الجن تعلم الغيب لما حصل ما حصل في قصة سيدنا سليمان عليه السلام ، حيث كان سيدنا سليمان يخافه شياطين الجن خوفاً شديدا لدرجة أنه لا يستطيع أحد منهم الهرب منه في سبيل النجاة حيث قال تعالى: "فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ [سبأ : 14]" حيث توضح لنا الآية الكريمة بأن سيدنا سليمان كان له فترة من الزمن وقد توفاه الله وهو متكأ على عصاه وهو متوفى منذ زمن وكانت شياطين الجن تعمل وتكد دون أن تعلم بأن سيدنا سليمان ميت ، فكانوا يؤدون عملهم على أكمل وجه وعلى قدم وساق ، وهذا يدلل على أن الجن لا تعلم الغيب ، فلو كانوا يعلمون ذلك لما لبثوا في العذاب المهين في العمل الشاق والتعب والكد ، وكذلك أيضاً هو الحال مع الدجالين والمشعوذين إذا ادعوا هنا بأنهم يعلمون الغيب أو تخبرهم شياطينهم بعلم الغيب ، فهذا كله افتراءا على الله وعلى رسوله ، فكم من عراف مات له ولده ، أو ماتت زوجته ، أو أصابه مرض خطير ليس له شفاء ، أو كان مصيره الضياع في الشوارع أو زجه في السجن بسبب أفعاله المشينة ، لو كان العراف صادق فيما يدعي بعلم الغيب لمنع وقوع هذه الأشياء له أو حتى الحذر منها كما سأوضح ذلك بالقصص الواقعية الآتية:
- هنا في فلسطين شاع نبأ امرأة دجالة كانت الناس ضعيفة الإيمان تتوارد عليها من كل قريب وبعيد بحجة أنها تعلم الكثير في حل المشاكل وأنها تستطيع أن تعرف كل شيء وتعلم بالغيب ، في يوم من الأيام سقط ابنها صريعا في حادثة ومات .. هل كانت تعلم بأن ابنها في يوم من الأيام سوف يلاقي حتفه ، لو كانت تعلم بالغيب حقاً لمنعت موت ابنها الحتمي الذي نسيت بأنه مقدر ومكتوب له من قبل ميلاده وهو في بطن أمه .
- في الكويت كانت امرأة تقول بأنها كانت تقرأ الفنجان وتقرأ الكف للقريب والبعيد وتنبئ فلانة بأنها ستتزوج في وقت كذا وستكون حياتها كذا وكذا ولكنها في يوم من الأيام وجدت نفسها في الشارع دون مأوى بسبب ترك أولادها لها وإخراجها من البيت ورميها في الشوارع ، هل كانت تعلم هذه المرأة بمصيرها ونهايتها ، لو كانت تعلم ذلك لساعدت نفسها على الأقل من عدم وقوع مثل هذه النهاية المخزية .
فالغيب هو علم الله فقط أو يعلمه من يشاء من عباده الصالحين ، قال تعالى: "قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل : 65]"
وعلم الغيب مكتوب عند الله قبل وجود كل الخلائق في كل الأكوان لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده إلا إذا أراد الله بمشيئته أن يغيّر ما هو مكتوب فهو الله القادر على كل شيء له الحكم في كل شيء ولا اعتراض على حكم الله ، مثلا:
لو كان الله كاتباً في كتابه بأن فلان مكتوب له بأن يعيش من العمر أربعين سنة ، من الممكن أن يغيّر الله هذا القدر المكتوب بأن يقلل عدد هذه السنين ليُقرّب أجل هذا الإنسان أو يُطيل عدد هذه السنين ليؤجّل مصير هذا الإنسان لحكمة لا يعلمها إلا الله ، قال تعالى: "يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد : 39]"
أي لله الحرية المطلقة في تغيير ما هو مكتوب ومقدر لكن بحدود.
قال تعالى: "وَزَكَرِيّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرني فَرداً وَأنتَ خَيرُ الوارِثين * فاستَجَبنا لَهُ وَوَهَبنا لَهُ يَحيى وَأصلَحنا لَهُ زَوجَهُ.." تبين لنا الآية في قول الله تعالى (فاستجبنا له) بأن ما كان مكتوب ومقدر لسيدنا زكريا بأن لا يكون له ولد ولا بنت ، ولكن دعاءه لله وإلحاحه على الله جعل الله يغير ما هو مكتوب لسيدنا زكريا فاستجاب له ورزقه بسيدنا يحى عليهما السلام لأن الله تغلبه رحمته قبل غضبه فهو رحيم بالعباد رؤوف بهم .
وكلنا يعلم قصة المرأة العاقر الذي كتب الله لها بأن تكون عاقرا ولكنها كانت تلح على الله بالدعاء والمناجاة به فكانت تسأله الولد فاستجاب الله لها ووهب لها طفل بعد عدد طويل من السنين .
كما نجد الكثير من ضعفاء الإيمان ينسبون لعالم الجن ما ينسبون من قدرات خارقة وفوق العادة ويصفوهم بأنهم متطورين عن البشر ويفوقوهم في العلم وكل أمور الحياة ، حيث من هنا يأتي تصديق المشعوذين والدجالين الذين يتعاملون مع شياطين الجن الذين يخافون الإنس أكثر من خوفهم لأنفسهم ، فلو كانوا هم كذلك يمتلكون ما يمتلكون من قدرات خارقة كما يقول بعض الجهلاء بأن الجن يتفوق على البشر في علوم الطب والفلك والاختراعات لوجدنا ذلك مجسدا على أرض الواقع ولشعرنا ولمسنا هذا الفرق ورأيناه بأم أعيننا ذلك الفرق حتى لو كانوا غير مرئيين ويرونا من حيث لا نراهم ، أو لأخبرنا عنه سيدنا محمد ، بل منهم من يتفوق علينا بالعبادات والدين مثل ما حصل مع نفر من الجن المسلم حينما كانوا يستمعون لتلاوة سورة الرحمن فكانوا عندما يسمعون الآية الذي تقول " فبأي آلاء ربكما تكذبان " كانوا يرددون ويقولون لا نكذب بآلائك يا ربنا ، حيث نجد هنا بأن البشر منا يسمع هذه الآية وكأنه لم يسمعها وكان أولى لنا أن نقول نحن كذلك ، فهم في هذه الحالة قد سبقونا في الدين والإيمان والخضوع لله ، فياليتنا سمعنا ذلك الكلام من الدجالين والمشعوذين الذين يدعون ويفترون على الله الكذب والبهتان .
قصة سيدنا سليمان وعرش بلقيس:في هذه القصة تبين لنا بأن قوة الإنس تفوق وتغلب قوة الجن حيث قال الله تعالى: "قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل : الآيات من 38 إلى الآية 40] "
نرى هنا مدى التحدي بين عفريت الجن وبين الإنسي الذي عنده علم من الكتاب ، وهو (آصف بن برخيا) وهو إنسان من حاشية سيدنا سليمان كان عنده علم من الله وحافظاً لاسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سأل به أعطى ، حيث نرى مدى التفوق والسرعة الذي وهبها الله لهذا العالم ، حيث كان بقدرة الله أولاً بأن يأتي بعرش بلقيس من اليمن أسرع من لمح البصر على عكس الجني الذي وعد سيدنا سليمان بأن يأتي بالعرش قبل أن يقوم سيدنا سليمان من مقعده ، حيث نجد هنا أن لمح البصر أسرع من عملية قيام سيدنا سليمان من مقامه ، وهذا يبين مدى تفوق الإنس على الجن على عكس ما يعتقد بعض الدجالين والمشعوذين والجهلاء .
تأثير السحر على الإنسان:السحر موجود والإيمان به واجب وإنكاره افتراء على الدين كما هو الحال مع العين والحسد والمس الشيطاني ، ولكي نكون مصدقين بالسحر علينا أن نعرف ما حصل مع نبينا محمد حين سحره "لبيد بن الأعصم" وهو فتى يهودي كان يخدم الرسول ، حيث أن الرسول كانت ترتفع حرارته دون أن يعرف ما هي علته ، حيث نزل جبريل عليه السلام وأبطل هذا السحر الذي كان مخبأه بن الأعصم في البئر ، الله قادر على أن لا يضر سيد الخلق سيدنا محمد ، ولكن يريد الله أن يعلمنا بأن هناك للسحر تأثير على النفس بإذن الله ، وأن وجوده حقيقة لا يمكن إنكارها .
قصة سيدنا موسى مع السحرة:كلنا يعلم قصة سيدنا موسى عليه السلام وحكايته مع سحرة فرعون الذي كان يعتمد عليهم في كل صغيرة وكبيرة كما هو الحال في اعتماد اليهود على السحرة والكهان ، وهذا إن دل على شيء يدل على مدى الضعف والخوف الشديد الذي يسيطر على نفوس هؤلاء البشر فيجعلهم إتكاليين معتمدين على غيرهم في سبيل تخليصهم من مرارة المستقبل وخوفهم مما هو آت ، حيث وظف فرعون من ضمن حاشيته عدد من السحرة كان يظن بأنهم يخبرونه بكل كبيرة وصغيرة ويطلعونه على علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، ففي يوم من الأيام أخبروا هؤلاء السحرة فرعون بأنه سيأتي في يوم من الأيام رجل سيكون هلاك فرعون على يده وهو من أهل البلدة الذي كان يسود فيها فرعون ، فأصدر فرعون قرار بقتل كل مولود ذكر حتى لا يخرج منهم هذا الرجل الذي سيهلك فرعون على يديه ، ولكن مشيئة الله أرادت أن تبطل الباطل وتحق الحق فكان هذا الرجل الذي سيهلك فرعون على يديه هو سيدنا موسى عليه السلام ، حيث كلنا يعلم قصته حين ألقته أمه في اليم حيث قال تعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص : 7]" ، حيث بقي يسير في اليم إلى أن وصل قصر فرعون وأخذته امرأة فرعون وفرحت به واعتبرته ولداً لها وبرعاية أمه حيث تحقق وعد الله لها بأنه سيرده إليها دون حزن أو خوف إلى أن تربى وترعرع وكبر فأخذ يهدي وينصح لفرعون وحاشيته ولكن كان التكبر والجبروت لدى فرعون أقوى وأغلب من تواضعه وطيبته لدرجة أن فرعون أمر بجمع كل سحرته وكهانه لكي يتحدوا سيدنا موسى بسحرهم الركيك وكيدهم الضعيف بما كان يأتيهم من حجج وآيات إلا أن الله أظهر الحقيقة واعترف السحرة بأن ما أتى به موسى هو أمر خارق لعادتهم وفوق طاقتهم لأنهم كان على علم بعملهم المكذوب فهم يعلمون بأن ما لديهم هو مجرد حبال من الزئبق وليست أفاعي بحق فوجدوا أمرا أكبر من مكرهم وهو تحول عصى سيدنا موسى إلى أفعى ضخمة بإذن الله حيث قال تعالى: "وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه : 69]" فأكلت هذه الأفعى كل الحبال والعصي الذي كان الناس يرونها على أساس أنها أفاعي تسعي بفعل سحرهم وخداعهم حيث قال تعالى: "قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه : 66]" وقال تعالى أيضاً: " فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ [الشعراء : 44] [طه : 66]" ونسوا أن سيدنا موسى كان بمعية الله قاهراً لهم وهم بمعية سيدهم فرعون إلا أنهم في نهاية الأمر آمنوا وأسلموا من جلل الموقف الذي هو فوق عادتهم ، قال تعالى: " قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ [الشعراء : 49]" حيث أنهم آمنوا لأنهم يعلموا جيدا بأن ما لديهم هي عبارة عن حبال وعصي ليس إلا وهم على علم ويقين بأنه لا أحد غيرهم على علم بهذا السر ، فلما أتى سيدنا موسى بما أتى من معجزات فوق العادة عرفوا أنه على حق وعلى صواب وأنه أتي بأمر ليس باستطاعتهم إتيان مثله لأنه سره عجيب يفوق كل القدرات البشرية فعلموا أنه رب العالمين الذي كان يخبرهم عنه سيدنا موسى فأمنوا به وهذا ما أغضب فرعون لعنه الله .
استخدام السحر في المجالات الأخرى:لا يقتصر استعمال السحر في أذية إنسان واحد فحسب أو التفريق بين الزوجين أو لتزويج زوجين ، بل يوجد هناك قبائل وشعوب تستعمل السحر على مستويات عالية ولعدة أشخاص في وقت واحد كما حصل مع الفريق الذي غلب فريق البرازيل في لعبة كرة القدم ، حيث غلبوهم بالسحر .
السحر الحلال:هناك من يدعي بأن هناك سحر حلال واستخدامه مباح في سبيل العلاج أو في سبيل تعلم ما يقوم به السحرة بحجة التحصين ، فنجد هناك من يدعي بأنه يتعلم السحر لكي يعلم كيف الساحر يقوم بعمل السحر ، فهذا كلام كله افتراء ودجل وكذب ، فالسحر لا يبطله إلا الله ومن ثم القرآن والرقية الشرعية ، قال تعالى: "فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس : 81]"
حيث أنه للأسف الشديد هناك من الناس من يزورون الدجالين والمشعوذين بهدف علاج أبن لهم مسحور أو بنت لهم ممسوسة ، فيقوم هذا الدجال أو هذه الدجالة بعمل سحر آخر لأبطال السحر الذي أصاب هذا الضحية ، فتكون هنا المصيبة مصيبتين ، فالحل ليس بالجري بالمسحور إلى الدجالين ، يكفي بأن يسمع المريض أو المسحور لآيات الرقية الشرعية والمداومة على أذكار الصباح والمساء وقراءة القرآن بأن تكون له الشفاء العاجل والحصن المتين بإذن الله .
حد الساحر أو الدجال:لِمَا خرج البخاري في صحيحه عن بجالـة: "أن عمر كتب إليهم أن اقتلوا كل ساحر وساحرة".
ولِمَا خرجه الترمذي في سننه مرفوعاً وموقوفاً عن جندب قال: "حد الساحر ضربة بالسيف".
فحد الساحر هو ضربة بالسيف يتم بها الفصل بين رأسه وجسده دون رأفة أو تردد نتيجة الجرائم العظيمة الذي كان يأتيها من أفعال السحر والشعوذة والشرك العظيم بالله فهو من الموبقات العظيمة التي حذرنا الله منها :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله وما هُنّ؟ قال:
الشرك بالله - والسحر - وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق - وأكل الربا - وأكل مال اليتيم - والتولّي يوم الزحف - وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات". فالمطلوب من كل حاكم مسلم أن يتخذ معهم مثل هذا القصاص دون تراجع أو تردد ودون رأفة بهم فهم كثيرون في مجتمعاتنا لكي تزاد بلادنا في ظلمات دامسة كما يريد أعداؤنا ، فهم يريدوننا أن نرجع إلى الوراء وأن نظل نفكر في نطاق هذه الأمور فقط ولا يريدونا أن ننظر إلى الأمام وأن نطور من حالنا وواقعنا الذي نعيشه ، هم يريدون أن نعيش عولمتهم الذي تخصهم بأن نتشرب عاداتهم وأفعالهم القذرة ، هم يريدوننا بأن نكون شرق أوسط جديد كما يرون ويريدون هم وليس كما نرى ونريد نحن فهل سننساق لهم ونتبعهم أم سنطبق شرع الله وتعاليم دينه وعقيدته .
التحصين من السحر والسحرة:لا شك بأن لكل داء دواء كما أخبرنا رسولنا الكريم حيث أن السحر هنا هو الداء والدواء الشافي هي الرقية الشرعية وحفظ أذكار الصباح والمساء والتمتمة بها كل يوم والمداومة عليها وقراءة ما تيسر من القرآن بشكل مستمر وليس فقط في شهر رمضان كما يفعل الكثير منا ، فهذه الوسائل تتم من قبل الشخص نفسه وليس بالذهاب للعرافيين والدجالين الذين يتبعون الطرق الشيطانية الكفرانية ليزداد الطين بلة وتصبح المصيبة مصيبتين قال الله تعالى: "إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طه : 69]" وقال تعالى: "قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ [يونس : 77]" حيث نرى في هاتين الآيتين إظهار الله فشل الساحر بشكل مفرد أو السحرة بشكل جماعي كما جاء في الآية الأولى (ولا يفلح الساحر) حيث ورد الفشل هنا بشكل فردي ، وفي الآية الثانية (ولا يفلح الساحرون) حيث ورد الفشل هنا بشكل جماعي ، أي حتى لو كانوا متحدين مع بعضهم كما حصل مع سحرة فرعون حين تحدوا سيدنا موسى إلا أن الله أبطل ما كانوا يأفكون حيث قال تعالى: "فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ [الشعراء : 45]" ، وقال الله تعالى: "فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ [يونس : 81]" ، فمن الآية الأخيرة يبين الله لنا أن إبطال السحر خاصية الله وحده وليس خاصية العبد الكذاب الذي يدعي التدين والمشيخة إلا من رحم ربي ، فأرجع وأوضح بأن يكفي للإنسان المسحور بأن يستمع لآيات الرقية الشرعية إذا ما شعر باختلاف في روتين حياته المعتاد عليه ، أو بإمكان الآباء وأولياء الأمور بأن يستخدموا هذا الأسلوب مع أبنائهم وذويهم ومعارفهم من باب المساعدة إذا أصابهم سوء بدلا من اصطحابهم إلى ما يسمى بالعيادات القرآنية الذي تتظاهر بالعلاج بالقرآن وبالطب النبوي ، ولكن في حقيقة الأمر كثير منهم دجالين وكذابون يستغلون ضعف وحيرة ضحاياهم .
أهداف الدجال/ة أو المشعوذ/ة:- الهدف الأول للدجال هو جَني الأموال من الناس الذين يقعون في أفخاخهم ليحققوا ثروات طائلة من أعمالهم الشيطانية وليس مساعدة الناس كما يدعون .
- الهدف الثاني هو إرضاء شياطينهم وعفاريتهم وتقديم القرابين الذي تقدم لهم من قبل الضحية على يد الساحر الذين أصبحوا مذلولين للشياطين في سبيل أن ينالوا منهم ما ينالوا وأن يبقيهم الدجال دائما بصحبته حيث قال الله تعالى: "وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ [الأنعام : 128]" ، حيث يقوم الدجال بطلب طيور أو حيوانات من الضحية بحجة أن الأسياد تطلب ذلك الشيء ، فيقوم الساحر بذبحها بنفسه أو يطلب من الضحية أحيانا أن يذبحها ويلقيها في مكان يحدده الساحر وعلى كلتا الحالتين لا يتم التسمية على هذه القرابين حتى تستطيع الشياطين من أكلها لأن الشياطين لا تقترب من الذبائح الذي يذكر عليها اسم الله .