أولاده
فأما أولاده فذكورهم وإناثهم من خديجة بنت خويلد
رضي الله عنها ، إلا إبراهيم فمن مارية القطبية ، و
هم :
القاسم ، و به كان يكنى لأنه أكبر أولاده ، ثم
زينب ، ثم رقية ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة .
ثم بعد النبوة : عبد الله ، و يقال له : الطيب
والطاهر ، لأنه ولد في الإسلام . و قيل : الطاهر
غير الطيب . و صحح ذلك بعض العلماء .
ثم إبراهيم من مارية ، ولد له صلى الله عليه و سلم
بالمدينة في السنة الثامنة ، و توفي عن سنة و عشرة
أشهر ، فلهذا قال صلى الله عليه و سلم : " أن له
مرضعاً في الجنة " و كلهم مات قبله ، إلا فاطمة
رضي الله عنها فإنها توفيت بعده بيسير
===
فصل ـ زوجاته
في زوجاته رضي الله عنهن :
أول من تزوج صلى الله عليه و سلم خديجة بنت
خويلد رضي الله عنها . فكانت وزير صدق له لما
بعث ، و هي أول من آمن به على الصحيح . و لم
يتزوج في حياتها بسواها لجلالها و عظم محلها
عنده . و اختلف أيها أفضل هي أو عائشة رضي الله
عنهما ؟ فرجح فضل خديجة جماعة من العلماء . و قد
ماتت قبل الهجرة [ بسنة و نصف ] .
ثم تزوج سودة بنت زمعة القرشية العامرية ، بعد موت
خديجة بمكة ، و دخل بها هناك ، ثم لما كبرت
أراد صلى
الله
عليه
و
سلم
طلاقها
،
فصالحته
على أن وهبت يومها لعائشة و قيل : له ، فجعله لعائشة
.
و فيها نزل قوله تعالى : " وإن امرأة خافت من بعلها
نشوزا أو إعراضا " الآية . و توفيت في آخر أيام
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
و قيل : تزوج عائشة قبل سودة ، و لكنه لم يبن بها
إلا في شوال من السنة الثانية من الهجرة ، و لم
يتزوج بكراً سواها ، [ و لم يأته الوحي
في
لحاف
امرأة من نسائه سواها ] و لم يحب أحد من النساء
مثلها ، و قد كانت لها مآثر و خصائص ذكرت
في
القرآن و السنة ، و لا يعلم في هذه الأمة امرأة
بلغت من العلم مبلغها ، و توفيت سنة [ سبع و قيل ]
ثمان و خمسين .
ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله
عنه
في السنة الثالثة من الهجرة ، و قد طلقها صلى الله
عليه و سلم ، ثم راجعها ، و توفيت سنة إحدى و
أربعين . و قيل : و خمسين . و قيل : سنة خمس و
أربعين . ثم أم سلمة ، و اسمها
هند
بنت
أبي
أمية
ـ و اسمه حذيفة ـ و يقال : سهيل بن المغيرة بن
عبد الله بن عمر بن مخزوم ، القرشية ، بعد وفاة
زوجها أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن
هلال
بن عبد الله بن مخزوم ، مرجعه من بدر ، فلما
انقضت عدتها خطبها صلى الله عليه و سلم ، قال
الواقدي : توفيت سنة تسع وخمسين . و قال
غيره في خلافة يزيد بن معاوية سنة اثنتين و
ستين
. ثم تزوج زينب بنت جحش في سنة خمس من
ذي
القعدة ، و قيل : سنة ثلاث ، و هو ضعيف . و في
صبيحة عرسها نزل الحجاب ، كما أخرجاه في
الصحيحين عن أنس ، و أنه حجبه حينئذ و قد كان
عمره لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم
المدينة عشراً ، فدل على أنه كان قد استكمل خمس
عشرة سنة ، . و الله أعلم . و قد كان وليها الله
سبحانه و تعالى دون الناس ، قال الله تعالى : "
فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها " و روى البخاري
في صحيحه بسند ثلاثي أنها كانت تفخر على
نساء رسول الله صلى الله عليه
و سلم و تقول : زوجكن أهاليكن و زوجني الله
في السماء ، و كانت أول أزواج رسول الله صلى
الله عليه و سلم وفاة ، قال الواقدي : توفيت
سنة عشرين ، و صلى عليها عمر بن الخطاب رضي
الله عنه .
ثم تزوج جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار
المصطلقية ، و ذلك أنه لما غزا قومها في سنة ست ،
بالماء الذي يقال له : المريسيع
،
وقعت
في
سهم
ثابت بن قيس بن شماس ، و كاتبها ، فجاءت رسول
الله صلى الله عليه و سلم تستعينه في كتابتها
فاشتراها وأعتقها و تزوجها . فقيل : إنها توفيت سنة
خمسين . و قال الواقدي : سنة ست و خمسين
.
ثم تزوج صفية بنت حيي بن أخطب الإسرائيلية
الهارونية النضرية ثم الخيبرية رضي الله تعالى
عنها ،
و ذلك أنه صلى الله عليه
و
سلم
اصطفاها
من
مغانم خيبر ، و قد كانت في أوائل سنة سبع ،
فأعتقها و جعل ذلك صداقها ، فلما حلت في أثناء
الطريق بنى بها ، و حجبها ، فعلموا أنها من أمهات
المؤمنين . قال الواقدي : توفيت سنة خمسين ،
و
قال غيره : سنة ست و ثلاثين ، و الله أعلم .
و في هذه السنة ، و قيل : في التي قبلها ـ سنة
ست ـ تزوج أم حبيبة ، و اسمها رملة بنت أبي
سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس
الأموية . خطبها عليه عمرو بن أمية الضمري ، و
كانت بالحبشة ، و ذلك حين توفي عنها زوجها
عبيد الله بن جحش ، فولي عقدها منه خالد بن
سعيد بن العاص ، و قيل : النجاشي ، و الصحيح
الأول . و لكن أمهرها النجاشي عن رسول الله
صلى الله عليه و سلم أربعمائة دينار ، و جهزها ،
و أرسل بها إليه رضي الله عنه .
فأما ما رواه مسلم في صحيحه من حديث
عكرمة بن عمار اليماني " عن أبي زميل سماك بن
الوليد
عن ابن عباس أن أبا سفيان لما أسلم قال
في
حديث
لرسول الله صلى الله عليه و سلم : عندي أحسن
العرب وأجمله ، أم حبيبة بنت
أبي
سفيان
أزوجكما
.. " الحديث . و الصحيح أن أبا سفيان لما رأى
صهر
رسول الله صلى الله عليه و سلم شرفاً أحب أن
يزوجه ابنته الأخرى وهي عزة ، و استعان على ذلك
بأختها أم حبيبة ، كما أخرجا في الصحيحين "عن أم
حبيبة أنها قالت : يا رسول الله انكح أختي بنت
أبي سفيان ، قال : أوتحبين ذلك ؟ قالت : نعم .. "
الحديث . و في صحيح مسلم أنها قالت : يا
رسول
الله ، انكح أختي عزة بنت أبي سفيان ..
الحديث . و على هذا فيصح الحديث الأول ، و
يكون قد وقع الوهم من بعض الرواة في قوله : و
عندي أحسن العرب و أجمله : أم حبيبة . و إنما قال :
عزة . فاشتبه على الراوي ، أو أنه قال الشيخ : يعني
ابنته ، فتوهم السامع أنها أم حبيبة ، إذ لم يعرف
سواها . و لهذا النوع من الغلط شواهد كثيرة قد
أفردت سرد ذلك في جزء مفرد لهذا الحديث و
لله الحمد و المنة . و توفيت أم حبيبة رضي
الله
عنها سنة أربع و أربعين فيما قاله أبو عبيد ، و قال أبو
بكر بن
أبي خيثمة : سنة تسع و خمسين قبل أخيها معاوية
بسنة .
ثم تزوج في ذي القعدة من هذه السنة ميمونة بنت
الحارث الهلالية و اختلف هل كان محرماً أو لا ؟
فأخرج صاحبا الصحيح عن ابن عباس أنه كان محرماً .
فقيل : كان ذلك من خصائصه صلى الله عليه و
سلم
لما رواه مسلم " عن عثمان أن رسول الله صلى
الله عليه و سلم قال : لا ينكح المحرم و لا
ينكح
و
لا يخطب " و اعتمد أبو حنيفة
على
الأول
،
و
حمل حديث عثمان على الكراهة ، و قيل : بل كان
حلالاً كما رواه مسلم عن ميمونة أنها قالت :
تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو
حلال ، و بنى بها و هو حلال . و قد قدم
جمهور العلماء هذا الحديث على قول ابن عباس ،
لأنها صاحبة القصة فهي أعلم . و كذا أبو رافع
أخبر بذلك كما رواه الترمذي عنه ، و قد كان هو
السفير بينهما . و قد أجيب عن حديث ابن عباس
بأجوبة ليس هذا موضعها . و ماتت بسرف حيث بنى
بها رسول الله صلى الله عليه و سلم منصرفه
من
عمرة القضاء ، و كان موتها سنة إحدى و خمسين ،
و قيل سنة ثلاث ، و قيل : ست و ستين ، و صلى
عليها ابن أختها عبد الله بن عباس رضي الله
عنهما . فهؤلاء التسع بعد خديجة اللواتي جاء في
الصحيحين أنه صلى الله عليه و سلم مات عنهن و
في رواية في الصحيح أنه مات عن إحدى
عشرة ، و الأول أصح
و قد كان له من السراري اثنتان . و هما : مارية بنت
شمعون القبطية ، أم إبراهيم ولد رسول الله صلى
الله عليه و سلم ،
أهداها
له
المقوقس
صاحب
إسكندرية و مصر ، و معها أختها شيرين و خصي يقال
له مابور و بغلة يقال لها : الدلدل ، فوهب صلى الله عليه و سلم شيرين إلى حسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن . و توفيت مارية في محرم سنة ست عشرة ، و كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحشر الناس لجنازتها بنفسه ، و صلى عليها و دفنها بالبقيع رضي الله عنها .
و أما الثانية فريحانة بنت عمرو ، و قيل : بنت زيد ،
اصطفاها من بني قريظة و تسرى بها ، و يقال : إنه
تزوجها ، و قيل : بل تسرى بها ، ثم أعتقها فلحقت
بأهلها . و ذكر بعض المتأخرين أنه تسرى أمتين
أخريين ، و الله تعالى أعلم .
=====
صفته الظاهرة
في صفته الظاهرة ذكر الشيخ أبو زكريا النووي في
تهذيبه فصلاً مختصراً فيه قال : كان صلى الله
عليه و سلم ليس بالطويل البائن و لا
القصير
،
و
لا الأبيض الأمهق ، و لا الآدم ، ولا الجعد
القطط و لا السبط .
و توفي و ليس في رأسه عشرون شعرة بيضاء ، و
كان حسن الجسم بعيد ما بين المنكبين ، له شعر
إلى
منكبيه ، و في وقت إلى شحمة أذنيه .
و
في
وقت
إلى نصف أذنيه ، كث اللحية ، شثن الكفين ، أي
غليظ الأصابع ، ضخم الرأس و الكراديس ، في
وجهه تدوير ، أدعج العينين طويل أهدابهما ، أحمر
المآقي ذا مشربة ، و هي الشعر الدقيق من الصدر
إلى
السرة ، كالقضيب ، إذا مشى تقلع كأنما ينحط من
صبب أي يمشي بقوة ، و الصبب : الحدور .
يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، كان وجهه
كالقمر ، حسن الصوت ، سهل الخدين ، ضليع الفم
، سواء الصدر و البطن ، أشعر المنكبين و الذراعين
و
أعالي الصدر ، طويل الزندين رحب الراحة ، أشكل
العينين ، أي طويل شقهما ، منهوس العقبين ، أي
قليل لحم
العقب ، بين كتفيه خاتم النبوة ،
كزر
الحجلة
و
كبيضة الحمامة . و كان إذا مشى كأنما تطوى له
الأرض ، و يجدون في لحاقه و هو غير
مكترث .
و كان يسدل شعر رأسه ، ثم فرقه ، و كان يرجله ، و
يسرح لحيته و يكتحل بالإثمد كل ليلة ، في كل
عين ثلاثة أطراف عند النوم .
و قال أنس بن مالك رضي الله عنه : ما مسست
ديباجاً و لا حريراً ألين من كف رسول الله صلى
الله عليه و سلم ، و لا شممت رائحة قط أطيب
من
رائحة رسول الله صلى الله عليه و سلم و لقد
خدمت رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر
سنين فما قال لي أف قط . و لا قال لشيء فعلته :
لم فعلته ؟ و لا لشيء لم أفعله : ألا فعلت كذا ؟
رواه مسلم . و قال عبد الله بن سلام : لما قدم
النبي صلى الله عليه و سلم المدينة انجفل الناس
إليه ، فلما نظرت إليه عرفت أن و جهه ليس بوجه
كذاب ، صلى الله عليه و سلم صلاة دائمة إلى
يوم الدين و سلم تسليماً كثيراً .
==============
فصل ـ أخلاقه الطاهرة
و أما أخلاقه الطاهرة ، فقد قال الله سبحانه : " ن
والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون *
وإن لك لأجرا غير ممنون *
وإنك
لعلى
خلق
عظيم
" ، و في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها
قالت : كان خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم القرآن . و معنى هذا أنه صلى الله عليه و سلم قد ألزم نفسه ألا يفعل إلا ما أمره به القرآن ، و لا يترك إلا ما نهاه عنه القرآن ، فصار امتثال أمر ربه خلقاً له و سجية ، صلوات الله و سلامه عليه إلى يوم الدين . و قد قال الله تعالى : " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " فكانت أخلاقه صلى الله عليه و سلم أشرف الأخلاق و أكرمها و أبرها وأعظمها :
فكان أشجع الناس و أشجع ما يكون عند شدة الحروب
.
و كان أكرم الناس ، و أكرم ما يكون في رمضان .
و كان أعلم الخلق بالله ، و أفصح الخلق نطقاً ، و
أنصح الخلق للخلق ، و أحلم الناس .
و كان صلى الله عليه و سلم أشد الناس تواضعاً في
وقار ، صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين .
قالت قيلة بنت مخرمة في حديثها عند أبي داود :
فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم
المتخشع في جلسته أرعدت من الفرق . و في
السيرة أنه صلى الله عليه و سلم لما دخل مكة يوم
الفتح جعل يطأطئ رأسه من التواضع ، حتى إن مقدم
رحله ليصيب عثنونه ، وهو من شعر اللحية .
و كان أشد حياء من العذراء في خدرها ، و مع ذلك
فأشد الناس بأساً في أمر الله ، و روي عنه أنه قال
صلى الله عليه و سلم : " أنا الضحوك القتال "
. و هكذا مدح الله عز و جل أصحابه حيث قال
تبارك و تعالى : " محمد رسول الله والذين معه
أشداء على
الكفار رحماء بينهم " .
فأما أولاده فذكورهم وإناثهم من خديجة بنت خويلد
رضي الله عنها ، إلا إبراهيم فمن مارية القطبية ، و
هم :
القاسم ، و به كان يكنى لأنه أكبر أولاده ، ثم
زينب ، ثم رقية ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة .
ثم بعد النبوة : عبد الله ، و يقال له : الطيب
والطاهر ، لأنه ولد في الإسلام . و قيل : الطاهر
غير الطيب . و صحح ذلك بعض العلماء .
ثم إبراهيم من مارية ، ولد له صلى الله عليه و سلم
بالمدينة في السنة الثامنة ، و توفي عن سنة و عشرة
أشهر ، فلهذا قال صلى الله عليه و سلم : " أن له
مرضعاً في الجنة " و كلهم مات قبله ، إلا فاطمة
رضي الله عنها فإنها توفيت بعده بيسير
===
فصل ـ زوجاته
في زوجاته رضي الله عنهن :
أول من تزوج صلى الله عليه و سلم خديجة بنت
خويلد رضي الله عنها . فكانت وزير صدق له لما
بعث ، و هي أول من آمن به على الصحيح . و لم
يتزوج في حياتها بسواها لجلالها و عظم محلها
عنده . و اختلف أيها أفضل هي أو عائشة رضي الله
عنهما ؟ فرجح فضل خديجة جماعة من العلماء . و قد
ماتت قبل الهجرة [ بسنة و نصف ] .
ثم تزوج سودة بنت زمعة القرشية العامرية ، بعد موت
خديجة بمكة ، و دخل بها هناك ، ثم لما كبرت
أراد صلى
الله
عليه
و
سلم
طلاقها
،
فصالحته
على أن وهبت يومها لعائشة و قيل : له ، فجعله لعائشة
.
و فيها نزل قوله تعالى : " وإن امرأة خافت من بعلها
نشوزا أو إعراضا " الآية . و توفيت في آخر أيام
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
و قيل : تزوج عائشة قبل سودة ، و لكنه لم يبن بها
إلا في شوال من السنة الثانية من الهجرة ، و لم
يتزوج بكراً سواها ، [ و لم يأته الوحي
في
لحاف
امرأة من نسائه سواها ] و لم يحب أحد من النساء
مثلها ، و قد كانت لها مآثر و خصائص ذكرت
في
القرآن و السنة ، و لا يعلم في هذه الأمة امرأة
بلغت من العلم مبلغها ، و توفيت سنة [ سبع و قيل ]
ثمان و خمسين .
ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله
عنه
في السنة الثالثة من الهجرة ، و قد طلقها صلى الله
عليه و سلم ، ثم راجعها ، و توفيت سنة إحدى و
أربعين . و قيل : و خمسين . و قيل : سنة خمس و
أربعين . ثم أم سلمة ، و اسمها
هند
بنت
أبي
أمية
ـ و اسمه حذيفة ـ و يقال : سهيل بن المغيرة بن
عبد الله بن عمر بن مخزوم ، القرشية ، بعد وفاة
زوجها أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن
هلال
بن عبد الله بن مخزوم ، مرجعه من بدر ، فلما
انقضت عدتها خطبها صلى الله عليه و سلم ، قال
الواقدي : توفيت سنة تسع وخمسين . و قال
غيره في خلافة يزيد بن معاوية سنة اثنتين و
ستين
. ثم تزوج زينب بنت جحش في سنة خمس من
ذي
القعدة ، و قيل : سنة ثلاث ، و هو ضعيف . و في
صبيحة عرسها نزل الحجاب ، كما أخرجاه في
الصحيحين عن أنس ، و أنه حجبه حينئذ و قد كان
عمره لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم
المدينة عشراً ، فدل على أنه كان قد استكمل خمس
عشرة سنة ، . و الله أعلم . و قد كان وليها الله
سبحانه و تعالى دون الناس ، قال الله تعالى : "
فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها " و روى البخاري
في صحيحه بسند ثلاثي أنها كانت تفخر على
نساء رسول الله صلى الله عليه
و سلم و تقول : زوجكن أهاليكن و زوجني الله
في السماء ، و كانت أول أزواج رسول الله صلى
الله عليه و سلم وفاة ، قال الواقدي : توفيت
سنة عشرين ، و صلى عليها عمر بن الخطاب رضي
الله عنه .
ثم تزوج جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار
المصطلقية ، و ذلك أنه لما غزا قومها في سنة ست ،
بالماء الذي يقال له : المريسيع
،
وقعت
في
سهم
ثابت بن قيس بن شماس ، و كاتبها ، فجاءت رسول
الله صلى الله عليه و سلم تستعينه في كتابتها
فاشتراها وأعتقها و تزوجها . فقيل : إنها توفيت سنة
خمسين . و قال الواقدي : سنة ست و خمسين
.
ثم تزوج صفية بنت حيي بن أخطب الإسرائيلية
الهارونية النضرية ثم الخيبرية رضي الله تعالى
عنها ،
و ذلك أنه صلى الله عليه
و
سلم
اصطفاها
من
مغانم خيبر ، و قد كانت في أوائل سنة سبع ،
فأعتقها و جعل ذلك صداقها ، فلما حلت في أثناء
الطريق بنى بها ، و حجبها ، فعلموا أنها من أمهات
المؤمنين . قال الواقدي : توفيت سنة خمسين ،
و
قال غيره : سنة ست و ثلاثين ، و الله أعلم .
و في هذه السنة ، و قيل : في التي قبلها ـ سنة
ست ـ تزوج أم حبيبة ، و اسمها رملة بنت أبي
سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس
الأموية . خطبها عليه عمرو بن أمية الضمري ، و
كانت بالحبشة ، و ذلك حين توفي عنها زوجها
عبيد الله بن جحش ، فولي عقدها منه خالد بن
سعيد بن العاص ، و قيل : النجاشي ، و الصحيح
الأول . و لكن أمهرها النجاشي عن رسول الله
صلى الله عليه و سلم أربعمائة دينار ، و جهزها ،
و أرسل بها إليه رضي الله عنه .
فأما ما رواه مسلم في صحيحه من حديث
عكرمة بن عمار اليماني " عن أبي زميل سماك بن
الوليد
عن ابن عباس أن أبا سفيان لما أسلم قال
في
حديث
لرسول الله صلى الله عليه و سلم : عندي أحسن
العرب وأجمله ، أم حبيبة بنت
أبي
سفيان
أزوجكما
.. " الحديث . و الصحيح أن أبا سفيان لما رأى
صهر
رسول الله صلى الله عليه و سلم شرفاً أحب أن
يزوجه ابنته الأخرى وهي عزة ، و استعان على ذلك
بأختها أم حبيبة ، كما أخرجا في الصحيحين "عن أم
حبيبة أنها قالت : يا رسول الله انكح أختي بنت
أبي سفيان ، قال : أوتحبين ذلك ؟ قالت : نعم .. "
الحديث . و في صحيح مسلم أنها قالت : يا
رسول
الله ، انكح أختي عزة بنت أبي سفيان ..
الحديث . و على هذا فيصح الحديث الأول ، و
يكون قد وقع الوهم من بعض الرواة في قوله : و
عندي أحسن العرب و أجمله : أم حبيبة . و إنما قال :
عزة . فاشتبه على الراوي ، أو أنه قال الشيخ : يعني
ابنته ، فتوهم السامع أنها أم حبيبة ، إذ لم يعرف
سواها . و لهذا النوع من الغلط شواهد كثيرة قد
أفردت سرد ذلك في جزء مفرد لهذا الحديث و
لله الحمد و المنة . و توفيت أم حبيبة رضي
الله
عنها سنة أربع و أربعين فيما قاله أبو عبيد ، و قال أبو
بكر بن
أبي خيثمة : سنة تسع و خمسين قبل أخيها معاوية
بسنة .
ثم تزوج في ذي القعدة من هذه السنة ميمونة بنت
الحارث الهلالية و اختلف هل كان محرماً أو لا ؟
فأخرج صاحبا الصحيح عن ابن عباس أنه كان محرماً .
فقيل : كان ذلك من خصائصه صلى الله عليه و
سلم
لما رواه مسلم " عن عثمان أن رسول الله صلى
الله عليه و سلم قال : لا ينكح المحرم و لا
ينكح
و
لا يخطب " و اعتمد أبو حنيفة
على
الأول
،
و
حمل حديث عثمان على الكراهة ، و قيل : بل كان
حلالاً كما رواه مسلم عن ميمونة أنها قالت :
تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو
حلال ، و بنى بها و هو حلال . و قد قدم
جمهور العلماء هذا الحديث على قول ابن عباس ،
لأنها صاحبة القصة فهي أعلم . و كذا أبو رافع
أخبر بذلك كما رواه الترمذي عنه ، و قد كان هو
السفير بينهما . و قد أجيب عن حديث ابن عباس
بأجوبة ليس هذا موضعها . و ماتت بسرف حيث بنى
بها رسول الله صلى الله عليه و سلم منصرفه
من
عمرة القضاء ، و كان موتها سنة إحدى و خمسين ،
و قيل سنة ثلاث ، و قيل : ست و ستين ، و صلى
عليها ابن أختها عبد الله بن عباس رضي الله
عنهما . فهؤلاء التسع بعد خديجة اللواتي جاء في
الصحيحين أنه صلى الله عليه و سلم مات عنهن و
في رواية في الصحيح أنه مات عن إحدى
عشرة ، و الأول أصح
و قد كان له من السراري اثنتان . و هما : مارية بنت
شمعون القبطية ، أم إبراهيم ولد رسول الله صلى
الله عليه و سلم ،
أهداها
له
المقوقس
صاحب
إسكندرية و مصر ، و معها أختها شيرين و خصي يقال
له مابور و بغلة يقال لها : الدلدل ، فوهب صلى الله عليه و سلم شيرين إلى حسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن . و توفيت مارية في محرم سنة ست عشرة ، و كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحشر الناس لجنازتها بنفسه ، و صلى عليها و دفنها بالبقيع رضي الله عنها .
و أما الثانية فريحانة بنت عمرو ، و قيل : بنت زيد ،
اصطفاها من بني قريظة و تسرى بها ، و يقال : إنه
تزوجها ، و قيل : بل تسرى بها ، ثم أعتقها فلحقت
بأهلها . و ذكر بعض المتأخرين أنه تسرى أمتين
أخريين ، و الله تعالى أعلم .
=====
صفته الظاهرة
في صفته الظاهرة ذكر الشيخ أبو زكريا النووي في
تهذيبه فصلاً مختصراً فيه قال : كان صلى الله
عليه و سلم ليس بالطويل البائن و لا
القصير
،
و
لا الأبيض الأمهق ، و لا الآدم ، ولا الجعد
القطط و لا السبط .
و توفي و ليس في رأسه عشرون شعرة بيضاء ، و
كان حسن الجسم بعيد ما بين المنكبين ، له شعر
إلى
منكبيه ، و في وقت إلى شحمة أذنيه .
و
في
وقت
إلى نصف أذنيه ، كث اللحية ، شثن الكفين ، أي
غليظ الأصابع ، ضخم الرأس و الكراديس ، في
وجهه تدوير ، أدعج العينين طويل أهدابهما ، أحمر
المآقي ذا مشربة ، و هي الشعر الدقيق من الصدر
إلى
السرة ، كالقضيب ، إذا مشى تقلع كأنما ينحط من
صبب أي يمشي بقوة ، و الصبب : الحدور .
يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، كان وجهه
كالقمر ، حسن الصوت ، سهل الخدين ، ضليع الفم
، سواء الصدر و البطن ، أشعر المنكبين و الذراعين
و
أعالي الصدر ، طويل الزندين رحب الراحة ، أشكل
العينين ، أي طويل شقهما ، منهوس العقبين ، أي
قليل لحم
العقب ، بين كتفيه خاتم النبوة ،
كزر
الحجلة
و
كبيضة الحمامة . و كان إذا مشى كأنما تطوى له
الأرض ، و يجدون في لحاقه و هو غير
مكترث .
و كان يسدل شعر رأسه ، ثم فرقه ، و كان يرجله ، و
يسرح لحيته و يكتحل بالإثمد كل ليلة ، في كل
عين ثلاثة أطراف عند النوم .
و قال أنس بن مالك رضي الله عنه : ما مسست
ديباجاً و لا حريراً ألين من كف رسول الله صلى
الله عليه و سلم ، و لا شممت رائحة قط أطيب
من
رائحة رسول الله صلى الله عليه و سلم و لقد
خدمت رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر
سنين فما قال لي أف قط . و لا قال لشيء فعلته :
لم فعلته ؟ و لا لشيء لم أفعله : ألا فعلت كذا ؟
رواه مسلم . و قال عبد الله بن سلام : لما قدم
النبي صلى الله عليه و سلم المدينة انجفل الناس
إليه ، فلما نظرت إليه عرفت أن و جهه ليس بوجه
كذاب ، صلى الله عليه و سلم صلاة دائمة إلى
يوم الدين و سلم تسليماً كثيراً .
==============
فصل ـ أخلاقه الطاهرة
و أما أخلاقه الطاهرة ، فقد قال الله سبحانه : " ن
والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون *
وإن لك لأجرا غير ممنون *
وإنك
لعلى
خلق
عظيم
" ، و في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها
قالت : كان خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم القرآن . و معنى هذا أنه صلى الله عليه و سلم قد ألزم نفسه ألا يفعل إلا ما أمره به القرآن ، و لا يترك إلا ما نهاه عنه القرآن ، فصار امتثال أمر ربه خلقاً له و سجية ، صلوات الله و سلامه عليه إلى يوم الدين . و قد قال الله تعالى : " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " فكانت أخلاقه صلى الله عليه و سلم أشرف الأخلاق و أكرمها و أبرها وأعظمها :
فكان أشجع الناس و أشجع ما يكون عند شدة الحروب
.
و كان أكرم الناس ، و أكرم ما يكون في رمضان .
و كان أعلم الخلق بالله ، و أفصح الخلق نطقاً ، و
أنصح الخلق للخلق ، و أحلم الناس .
و كان صلى الله عليه و سلم أشد الناس تواضعاً في
وقار ، صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين .
قالت قيلة بنت مخرمة في حديثها عند أبي داود :
فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم
المتخشع في جلسته أرعدت من الفرق . و في
السيرة أنه صلى الله عليه و سلم لما دخل مكة يوم
الفتح جعل يطأطئ رأسه من التواضع ، حتى إن مقدم
رحله ليصيب عثنونه ، وهو من شعر اللحية .
و كان أشد حياء من العذراء في خدرها ، و مع ذلك
فأشد الناس بأساً في أمر الله ، و روي عنه أنه قال
صلى الله عليه و سلم : " أنا الضحوك القتال "
. و هكذا مدح الله عز و جل أصحابه حيث قال
تبارك و تعالى : " محمد رسول الله والذين معه
أشداء على
الكفار رحماء بينهم " .