لم يحتل جزء في الجسد الإنساني مثلما احتلت العين في التراث العربي
من شعر ونثر، ولقد كان لطبيعة الحياة العربية القديمة أثر كبير في ظهور ما يسمى
بسلوك العين سواء على مستوى اللغة أو الإشارة.
_____________________________
وجاءت أشعار العرب تعبر عن هذه اللغة الخاصة بدلالاتها النفسية الاجتماعية، وقد
تعددت الشواهد التي تنقل كلام العين فى التراث العربي، وتباينت أشكالها بين الشعر
و النثر، وكثر قول العين حتى غدت معها مرادفة للفم فى العمل و التواصل.
______________________________
فقال ابن الأعرابي :
العين تبدي الذي في نفس صاحبها ******** من الشـــناءة أو ود إذا كانــــا
إن البغيض له عين يصـد بهــا ******** لا يستطيع لما في الصــدر كتمانـــا
العين تنطق والأفواه ســاكنة ******** حتى تـــرى من ضمير القلب تبيانــا
_____________________
والعين تخبر بطريقتها، وتقول على سجيتها، وتتجاوز اللسان فى صدق خبرها:
متى تك في عدو أو صديق تخبرك العيون عن القلوب
والعين تنادي العين، فتتعدى التعبير الانفعالي :
دعا طرفه طرفي فأقبل مسـرعا******* فأَثر فى خديه فاقتص من قلبي
شكوت إليه ما ألاقي من الهوى****** فقال على رغم فُتنت فما ذنبي
___________________________
وعمر ابن ربيعة تكلم كثيرا بعينيه بدلا من لسانه، وفي الساعات العصيبة تزل عينه
فى كلامها كما يزل اللسان، فيفتضح حاله:
أيــام هند لاتطيع مُحرشا ****** خطِل المقال وسرنا لا يعـلمُ
وعشية حَبَسَت فلم تفتح فما ***** بكلامها من كاشح يتنمـمُ
نَظَرَتْ إليك وذو شبام دونها ***** نظرا يكاد بسرها يتكلـمُ
____________________________
وفي أجمل ما قيل عن كلام العين، حيث امتزاج الإشارة بالكلمة بالصوت، فتبدو لغة
العين وكأنها لغة حقيقية تسمع وترى، كما في قول عمر ابن أبي ربيعة:
أشارت بطرف العين خيفة أهلهـا ***** إشارة محزون ولـم تتـكلم
فأيقنت أن الطرف قد قال: مرحبا **** وأهلا وسهلا بالحبيب المُتيم