قال سبحانه وتعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً)) :الأحقاف: 15
وقال تعالى : ((وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ)) :لقمان: 14
ما إن تغيب العادة الشهرية عند المرأة ، ويقع الحمل لديها ، حتى ينقلب كيان المرأة بأكمله ، ويبدأ الوهن والآلام والأوجاع كاضطراب جهازها الهضمي ، حيث يبدأ الحمل عندها عادة بالغثيان والقيء وغير ذلك من الأمراض التي تصيب معظم الجسم .
وفي أثناء الحمل يأخذ الجنين من أمه كل ما يحتاجه من غذاء وهواء ومناعة ، ويعطيها إفرازاته من المواد السامة لتطردها بدلاً عنه إلى خارج الجسم .
ولا تعاني الأم هذه المصاعب فحسب ، ولكن حالتها النفسية تضطرب أيما اضطراب ، فهي بين الخوف والرجاء ، والفرح والقلق ، والكآبة والضعف ، تعاني كل هذه المكاره من جراء طفلها منذ حمله إلى ولادته ..فإذا وضعته تواصلت المتاعب عليها بتربيته ورعايته ، ومصاحبتها لنشأته وترعرعه .
ولذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله سائل من أحق الناس بحسن صحبتي يا رسول الله ؟ قال : ((أمك)) فقال الرجل ثم من ؟ قال : ((أمك)) قال ثم من ؟ قال : ((أبوك)) ثم أدناك فأدناك . ـ المسلم والبخاري وغيرهما ـ . فذكّره بصحبة أمّه له .
مدة الحمل:
جاء في كتاب خلق الإنسان قول المؤلف :
((وأما أقل مدة الحمل فقد تظاهرت الشريعة والطبيعة على أنها ستة أشهر .. ويتفق فيه الطب والشرع وكلام الفقهاء تمام الاتفاق ، فالطب يقرر أن أقل الحمل الذي يمكنه العيش بعده ستة أشهر ، وفي الواقع ما يعيش هذا المولود)) .
وجاء في تفسير المنتخب :
((أقل مدة الحمل ستة أشهر لقوله تعالى : ((وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً)) وقوله تعالى ))وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ)) وقوله تعالى :
((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)) :البقرة: 233
فبإسقاط مدة الفصال عن مدة الحمل والفصال ، يبقى ستة أشهر ، وهذا يتفق مع ما ثبت علمياً من أن الطفل إذا ولد لستة أشهر فإنه قابل للحياة)) .
وتعتبر مدة الحمل الطبيعية 280 يوماً تحسب من بدأ آخر حيضة حاضتها المرأة ، وبما أن الحمل يحدث في العادة في اليوم الرابع عشر من بدء الحيضة تقريباً فإن مدة الحمل الحقيقية هي : 280- 14= 266 يوماً .
وبما أن الحساب قد يخطئ وخاصة إذا كانت العادة غير منتظمة فإن بعض الأمهات يتحدثن عن فترة حمل طويلة جداً .
والدكتور البار يرى عدم صحة ما يقوله بعض أهل الفقه من أنّ الحمل قد يمتد إلى سنتين أو أكثر ، وذلك لأن مدة الحمل عند الأطباء لا تزيد عن شهر بعد موعده ، وإلا لمات الجنين في بطن أمّه .. ويعتبرون ما زاد عن ذلك نتيجة خطأ في الحساب ، أو نتيجة الحمل الكاذب ؛ وهو حالة تصيب النساء اللاتي يبحثن عن الإنجاب دون أن ينجبن ، فتنتفخ البطن بالغازات وتتوقف العادة الشهرية ، وتعتقد المرأة اعتقاداُ جازماً بأنها حامل .. وقد يحدث لإحدى هؤلاء الواهمات بالحمل الكاذب الذي تتصور المرأة فيه أن الجنين بقي في بطنها سنيناً ... قد يحدث أنّها تحمل فعلاً ، فتضع طفلاُ طبيعياً في فترة حمله ؛ ولكنها نتيجة وهمها وإيهامها من حولها من قبل ، تتصور أنّها قد حملته لمدة ثلاث أو أربع سنوات .
أما الحمل الممتد سنيناً فإنه مستحيل في الحالة الطبيعية)) .
أقول: ولعل ما ورد في بعض الكتب عن مثل هذا الحمل إن صح فهو من قبيل خرق العادة ، كآية على قدرة الله عزّ وجلّ ..والله تعالى أعلم .
تحريض وتسهيل الولادة :
معلوم أنّ الولادة أحياناً تكون عملية صعبة وشاقة ، تصاب المرأة خلالها بالخوف والذعر مع ما يصيبها من الآلام والأوجاع ، وما قد يتهددها من المخاطر .. ومن روائع اللطف الإلهي أن نرى القرآن الكريم يوجه المرأة في حالة المخاض إلى مجموعة أمور تساعدها على تيسير الولادة وتؤمن لها الاطمئنان والراحة أثناء الوضع .
فقد قصّ القرآن الكريم علينا قصة السيدة مريم العذراء أم سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام .. عندما حملت به ؛ فجاءها المخاض وهي خائفة حيث واساها الوحي الأمين ، وزوّدها بعدّة أمور تساعدها على الوضع .
قال الله تعالى في سورة مريم :
((فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً{23} فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً{24} وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً{25} فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً)) :مريم
يقول الدكتور مصطفى محمود : ونتساءل هنا لماذا الرطب ؟
إن أحدث بحث علمي عن الرطب يقول إن فيه مادة قابضة للرحم تساعد على الولادة وتساعد على منع النزيف بعد الولادة ، وإنّ فيه مادة مليّنة .. ومعلوم طبياً أن المليّنات النباتية تفيد في تسهيل وتأمين عملية الولادة بتنظيفها للقولون .
إن الحكمة الطبية العلمية لوصف الرطب ، وتوقيتها وتوقيت تناول الرطب مع مخاض الولادة فيه دقة علمية واضحة .
ويقول الدكتور البار : ((أظهرت العلوم الحديثة أنّ للرطب خاصة فوائد عديدة في حال المخاض .. منها أن الرطب تحتوي على مادة مقبضة للرحم فتنقبض العضلات الرحميّة مما يساعد على إتمام الولادة ... ومنع النزيف بعدها فيكون دم النفاس قليلاً .
ومن المعلوم أنه لولا رحمة الله التي جعلت الرحم ينقبض انقباضاً شديداً بعد الولادة حتى يصير مثل الكرة لنزفت النفساء حتى تموت .
ذلك لأن فوهات دموية عديدة تنفتح بعد نزول المشيمة ، وتبقى الأوعية الدموية التي كانت تصل ما بين الرحم والمشيمة منفتحة ولكأنها الجداول والأنهار ..ولولا هذه الانقباضات الرحمية الشديدة لجرت الدماء من النفساء جريان الجداول والأنهار .
والرطب بذلك يساعد مساعدة قوية على تسهيل الولادة وعلى منع المضاعفات بعدها من نزيف يؤدي إلى الموت ومن حمى النفاس ... لأن الرحم التي لا تنقبض انقباضاً شديداً تكون أشد عرضة لهجوم الميكروبات .
وكذلك يحوي الرطب أنواعاً من السكر مثل الفركتوز والجلوكوز والمعادن والبروتين ، فإذا أخذتها المرأة في المخاض كان ذلك من أحسن الأغذية لها ؛ ذلك أن عملية الولادة عملية شاقة وتستهلك كمية كبيرة من الطاقة .
والرطب يعطي المرأة مواد مسهلة فتنظف الأمعاء ، وذلك مما يساعد على الولادة لأن الأمعاء الغليظة والمستقيم الممتلئ بالنفايات يعيق حركة الرحم وانقباضه .
ولذا يحرص أطباء التوليد والمولدات على إعطاء الأم عند بداية المخاض حقنة شرجية لتنظيف المستقيم والأمعاء الغليظة .
وتحتاج المرأة في حالة المخاض أيضاً إلى السوائل .. لذا قال الله تعالى : ((فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً)) .
وفيها عدة حكم ... فقد أمرها بالأكل من الرطب الجني الذي ذكرنا آنفاً شيئاً من فوائده ، وأمرها بالشرب من الماء الجاري تحتها لحاجة الجسم ؛ وخاصة أثناء بذل مجهود شاق مثل الولادة إلى السوائل ... ولكون الماء مذيباً للمواد الموجودة في الرطب فيسهل امتصاصها من الأمعاء الدقيقة ، كما أمرها أن تقرَّ عينها .. وتأثير الحالة النفسيّة على الولادة أمر بالغ الأهميّة ؛ إذ أنّ الخوف والقلق من أهم أسباب تعسر الولادة ..والرضا والاطمئنان من أهم أسباب تيسير الولادة .
وهذه الآيات القليلات إعجاز كامل لأنها وضّحت أهم ما وصل إليه الطب في علم الولادة وبأسلوب بليغ رفيع ، ومع ذلك يفهمه كل إنسان سواء كان بدوياً أم حضرياً .. عالماً أم جاهلاً .. وسواء عاش في القرن الأول للميلاد أو القرن العشرين .
وقد فعلت مريم العذراء ما أخبرها به الملك فكانت ولادتها ميسّرة وكان نفاسها قصيراً ((فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ)) :27 بعد سويعات من ولادتها ؛ لا تحس ألماً ولا تشتكي وجعاً ولا وهناً .
وإلى تيسير سبيل الولادة وإخراج هذا المولود من الرحم إلى الدنيا بهذه الطريقة العجيبة ، وعبر هذا السبيل والممر الضيق الذي يسلكه الجنين من أجل خروجه ؛ وتوسع هذا الممر بعمليات مقدرة ومعقدة لإتاحة الفرصة للجنين حتى يخرج بعد أن تم خلقه وانتهت فترة حمله ..
تشير الآيات القرآنية من قول الله عزّ وجلّ :
((قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ{17} مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ{18} مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ{19} ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ{20})) :عبس
إنه تقدير عظيم قدّره الله عزّ وجلّ وقال عنه :
((أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ{20} فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ{21} إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ{22} فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ{23})) :المرسلات
النفاس:
يحتاج رحم المرأة والجهاز التناسلي للمرأة ليعود إلى ما كان عليه قبل الحمل إلى مدة تتراوح بين ستة وثمانية أسابيع ، وفي نهايتها يعود الرحم إلى حجمه الطبيعي ويخرج دم النفاس وما يتبعه من إفرازات من الرحم ويستمر خروجه لمدة ثلاثة إلى أربعة أسابيع ، وقد تطول المدة إلى ستة أسابيع .
ومعدل المدة لدى أغلب النساء هي 24 يوماً كما يراه الأطباء .. وتزيد المدة إذا لم ترضع الأم ولدها .
وأقل النفاس لحظة كما قرره الفقهاء والأطباء وغالبه أربعون يوماُ وقد يصل إلى السنتين .
والجدير بالذكر أن بعض النساء قد يطهرن بعد ساعات أو أيام من الولادة ، ولكنهن ينتظرن إلى مضي أربعين يوماً حتى يطهرن ويعدن إلى الصلاة والعبادات ، بينما ينبغي عليهن أن يتطهّرن ويباشرن الصلاة والعبادة بعد انقطاع دم النفاس مباشرة ودون انتظار إلى مضي أربعين يوماً .
الرضاعة :
بعد أن يخرج المولود من بطن أمه يتحول رزقه وطعامه بإذن الله من الحبل السري الذي في سرته إلى ثدي أمه ، وتجب له الرضاعة ... فالرضاعة في الإسلام حق المولود .
قال تعالى :
((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)) :البقرة: 233
وقال :
((وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ)) :لقمان: 14
وعلى المولود له ((الأب)) واجب النفقة على الرضيع والمرضع حتى لو قدر بينهما الفراق والطلاق ..قال تعالى :
((أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ)) :الطلاق: 6
فكيف تتم الرضاعة ؟ ... جاء في كتاب : معجزة القرآن :
الثدي غدة تفرز اللبن بعد الوضع مباشرة لتغذي المولود ، ومن عجيب صنع الله تعالى وحكمته أن يفرز الثدي في أول يوم بعد الولادة سائلاً مليناً لينظف أمعاء المولود مما فيه ويقيه عدوى الأمراض .. وفي اليوم التالي يبدأ اللبن في التكوّن ، وكلما تقدم الطفل في سنّه وزادت حاجته إلى كمية أكبر وغذاء أكثر ؛ كلما زاد مقدار اللبن الذي يفرزه الثدي ، وكلما زاد كذلك مقدار الغذاء والدسم الذي يحتويه ... ولذلك لا يلائم الطفل ولا يحفظ صحته لبنُ كلبن أمّه الذي صنع له خصيصاً ، والذي ينزل في فمه دافئاً حلواً طاهراً خالياً من الجراثيم بل إن اللبن يحتوي على مواد واقية من عدوى الأمراض ؛ فهو غذاء ووقاء معاً .
وقد خلق الله في طرف هذا المصنع ((اللبني)) أي الثدي ، حلمة بارزة تدخل بين شفتي الطفل ليمتص منها غذاءه .. وعلّم وألهم الطفل كيف يرضع فينزل من بطن أمه وهو يبحث عن شيء يرضعه ، فإذا لم يجد حلمة الثدي وضع إصبعه في فمه وظل يمصّه حتى يجد حلمة الثدي .
وقد خلق الحكيم الخبير للمرأة ثديين ليساعد كل منهما الآخر ، فإذا ما نفد اللبن من أحدهما أرضعت الأم وليدها من الثاني .. فسبحان من أتقن كل شيء .
وجاء في تفسير المنتخب :
((ويجوز أن يفطم الصغير لأقل من عامين من ولادته إذا كانت صحته تعاونه على ذلك ، أما إذا كانت صحته لا تعاونه ولا يستسيغ الطعام الخارجي فإنه يستمر حولين كاملين ، وبعدهما يمكن أن يستغني الطفل استغناءً كاملاً عن لبن الأم)) .
وأهم ما في لبن الأم أنه معقم وذو حرارة ملائمة لأمعاء الطفل وقلّما يتوفر ذلك في استعمال القارورة ، واستعمال القارورة لإرضاع الطفل يؤدي إلى كثير من النزلات المعوية الخطيرة نتيجة عدم التعقيم .. ولذلك ينبغي على الأم أن تحرص على إرضاع ولدها من لبنها حفاظاً على صحته وعافيته .
المصدر
كتاب الكون والإنسان بين العلم والقرآن
للمؤلف بسّام دِفضع