السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،
أنقل لكن هده القصة الحقيقية و التي يجب أن نضعها أمام ناظرينا ، وننقلها لتكون أمام أنظار الزوجات ، والبنات ، والأخوات ؛ بل و الأمهات ليكون في ذلك نشر للخير و الفضيلة .
و لتعرف الفتيات أن الجمال و السعادة ليست و الله بالنقوش و الزينة، و لا بحسن الملبس و المظهر، أو بكثرة المال والبنيان ، أو بآخر موضة من الأزياء ، أو بمتابعة آخر صرخة في عالم العطور و آخر قصة في عالم الشعر..
كما أن القصة تؤكد ذلك المعنى العظيم للرجال الذي بينه الرسول صلى الله عليه و سلم حيث قال :
" الدنيا متاع و خيرها المرأة الصالحة " [رواه الإمام مسلم]
أترككم الآن مع القصة مستعيناً بالله تعالى :جاء ذلك اليوم.. الذي وقع فيه قضاء الله تعالى من فوق سبع سماوات..
تقدم إليها من يطلب يدها.. قالوا محافظ.. مصلٍ.. وافقت على ذلك بعد الاستخارة والالتجاء إلى ربها..
وكان مما اعتاد عليه أهل مدينتها أن ليلة الفرح تبدأ في الساعة الثانية عشر ليلا وتنتهي مع أذان الفجر!
لكن تلك الفتاة اشترطت في إقامة حفل زواجها: "بأن لا تدق الساعة الثانية عشر إلا وهي في منزل زوجها". ولا يعرف سر ذلك إلا والدتها.. الكل يتساءل.. تدور حولهم علامات الاستفهام و التعجب من تلك الفتاة!! حاول أهلها تغيير رأيها فهذه ليلة فرحها التي لا تتكرر و قبل هذا يجب مجاراة عادات وتقاليد أهل بلدتها..
لكنها أصرت على ذلك كثيرا هاتفة : إذا لم تلبوا الطلب، فلن أقيم حفل زفاف ! فوافق الأهل على مضض..
(... وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ..) [البقرة:216]
مرت الشهور والأيام.. تم تحديد موعد الزواج.. وتلك الفتاة ما زادت إلا إيمانا و تقوى، تناجي ربها في ظلمات الليل البهيم.. أنسها و سعادتها كله في الوقوف بين يدي الله.. لذة الأوقات و بهجتها في ذلك الوقت، الذي تهبّ فيه نسمات الثلث الأخير، لتصافح كفيها المخضبتين بالدموع.. لتنطلق دعوات صادقة بالغة عنان السماء.. طالبة التوفيق من الله تعالى..
توالت الأيام.. وذات مساء جميل.. كان القمر بدرًا.. دقت ساعة المنبه معلنة عن تمام الساعة التاسعة مساء.. انتشر العبير ليعطّر الأجواء.. بدأت أصوات الزغاريد وضاربات الدفوف ترتفع.. زفت العروس إلى عريسها مع أهازيج الأنس و زغاريد الفرح.. الكل يردد:
بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما على خير.. فنِعم العروس ونعم ذلك الوجه المشرق الذي يفيض بنور الطاعة و حلاوة المحبة..
دخل الزوج.. فإذا به يُبهر.. نور يشع.. و ضوء يتلألأ.. فتاة أجمل من القمر كساها الله جمال الطاعة و نضارة المحبة و بهاء الصدق و الإخلاص..
هنيئاً لك أيها الزوج امرأة عفيفة مؤمنة صالحة.. هنيئًا لكِ أيتها الزوجة ذلك القلب الذي أسلم لله عز وجل و تعبد له طاعة وقربة..
قاربت الساعة من الثانية عشر.. مسك الزوج بيد زوجه.. ركبا جميعًا في السيارة.. و تقوده كل المشاعر و الأحاسيس المختلطة.. إحساس بالبهجة و الفرح ، مع ما تغمره من موجة قوية تنقض على أسوار قلبه بشدة.. يشعر بإحساس قوي يخبره بأن هناك أمرًا عظيمًا سيقع!
كأن نورًا شاركهم في الركوب.. فلم يرَ بهاء و لا نضارة كمثل هذه الزوجة.. هناك شي ما أسر قلبه و حبه.. يُشعره بأنه حاز الدنيا و ما فيها..
اتجها العروسين إلى منزلهما.. أي منزل يضم قلباً كقلب تلك الفتاة! أي بيت يضم جسدًا كجسد تلك الفتاة؟! جسم يمشي على الأرض و روح تطوف حول العرش.. فهنيئا لذلك البيت.. و هنيئًا لذلك الزوج..
دخلا المنزل.. الخجل يلفّها و الحياء يذيبها.. لم يطل الوقت.. دخلت غرفتها التي لطالما رسمت لها كل أحلامها.. كل سعادتها.. كل أمنياتها.. فمنها و بها ستكون الانطلاقة فهي مأوى لها ولحبيبها يصليان ويتهجدان معا.. هنا سيكون مصلاها.. مصحفها.. فكم ستبلل سجادتها ساكبة دموع الخشية و التقى.. كم ستهتز أرجاءها من دعواتها و قراءتها.. كم سيجملها عطر مسواكها الذي لا يفتر من ثغرها.. هكذا أمنيتها و أي أمنية كهذه!
التفتت.. انتقلت نظراتها السريعة بين أرجاء غرفتها.. رفعت بصرها..
فجأة شد انتباهها شي ما.. تسمّرت في مكانها.. كأن سهماً اخترق حناياها حين رأت ما في أحد زوايا غرفتها..
هل حقًا ما أرى.. ما هذا؟ أين أنا؟ كيف؟ لم؟ أين قولهم عنه؟
زاغت نظراتها.. تاهت أفكارها.. قلبت نظرتها المكذبة و المصدقة لما يحدث.. يا إلهي.. قدماها لم تعودا قادرتين على حملها.. أهو حقًا أم سرابًا!
ها هو ( العود ) يتربّع في غرفتها.. يا إلهي.. إنه الغناء.. بل إنها آلة موسيقية.. قطع ذلك كل حبل أمنياتها التي رسمت لها في مخيلتها.. اغتمَّت لذلك غمًا.. لا.. أستغفر الله العظيم.. اختلست نظراتها إلى زوجها.. هيئته هي الإجابة الشافية !
كان السكون مخيمًا على المكان.. يا إلهي لم أعد أحتمل.. أمسكت دمعة كادت أن تفلت من عقالها ثم هتفت بحسرة: الحمد لله على كل حال لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى.. أحنت رأسها و قد اضطرم وجهها خجلا وحزنًا..
استدارت إلى زوجها متحاشية النظر إلى ذلك.. مشت بخطى قد أثقلتها المخاوف و كبّلتها الشك! فلازمت الصمت و كتمت غيظها.. كان الصبر حليفها.. و الحكمة مسلكها.. و حسن التبعل منهجها..
(... وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة:156]
و بعيدًا عن العاطفة أخذ يحدثها عقلها قائلا: مهلاً.. و رويدكِ أيتها العروس.. عليك بالصبر و الحكمة و حسن التبعل لهذا الزوج مهما فعل و مهما كان.. فما يدريكِ لعل هدايته تكون بين يديك!! إذا صبرتي و كنتِ له أحسن زوجة؟!
تبادلا أطراف الحديث وهي تبادله بنظرات كسيرة منخفضة.. بادية عليها علامات الارتباك بين قسمات وجهها ما بين خجلها و حيائها و هول صدمتها و تأثرها.. مضى الوقت يتلكأ حتى أوشك الليل على الانتهاء..
دقت ساعة الثلث الأخير من الليل، حن الحبيب لحبيبه، فأرسل الله نعاسًا على الزوج، لم يستطع أمامه المقاومة، فغط في سبات عميق... لزمت الهدوء.. سمعت أنفاسه تنتظم.. إنه دليل مؤكد على نومه.. انزوت الزوجة عنه جانبًا واشتد بها الشوق إلى حبيبها.. هرعت لمصلاها.. و كأن روحها ترفرف إلى السماء..
يقول الزوج واصفًا لحالته: في تلك الليلة أحسست برغبة شديدة للنوم على الرغم من الرغبة في إكمال السهرة، إلا أن الله تعالى شاء و غلبني النوم رغمًا عني..
و سبحان الله تعالى ما سبق أن استغرقت في النوم وشعرت براحة إلا في تلك الليلة..
استغرقت في نومي.. تنبهت فجأة.. فتحت عيني.. لم أجد زوجتي بجانبي.. تلفت في أرجاء الغرفة.. لم أجدها.. نهضت أجر خطواتي.. و تشاركني العديد من الاستفهامات: ربما غلبها الحياء و فضلت النوم في مكان آخر.. هكذا خُيّل لي..
فتحت الباب.. سكون مطلق.. ظلام دامس يكسو المكان.. مشيت على أطراف أصابعي خشية استيقاظها..
فجأة.. ها هو وجهها يتلألأ في الظلام.. أوقفني روعة جمالها الذي ليس بجمال الجسد والمظهر.. إنها في مصلاها.. عجبًا منها.. لا تترك القيام حتى في ليلة زواجها ! بقيت أرمق كل شيء من بعيد.. اقتربت منها.. ها هي راكعة ساجدة.. تطيل القراءة وتتبعها بركوع ثم سجود طويل.. واقفة أمام ربها.. رافعة يديها.... يا إلهي.. إنه أجمل منظر رأته عيناي.. إنها أجمل من صورتها بثياب زفافها.. جمال أسر عيناي و قلبي..
أحببتها حبًا كاملا ملك عليَّ كل كياني.. لحظات.. رفعت من سجودها ثم أتبعته سلام يمنة و يسرة..
عرفت زوجتي ما يدور في خلدي.. بادلتني بنظرات محبة و هي متلفعة بجلبابها، و هي مبتسمة و مجتهدة ألا تظهر شيئا ما يختلج في صدرها.. و هتفت في أذني و هي تعبث بالسجادة بأطراف أصابعها بيدها الأخرى: أحببت أن لا يشغلني شيء عن حبيبي (تقصد ربها تبارك وتعالى).
عجبت و الله من هذا الكلام الذي لامس قلبي.. فلما سمعت ذلك منها لم أستطع و الله أن أرفع بصري خجلا وذلة مما أنا فيه..
يواصل زوجها قائلا: على الرغم أنها ما زالت عروسًًا و تبلغ الثلاثة أشهر من زواجها بعد.. و لكن كعادتها، أنسها بين ثنايا الليل و في غسق الدجى.. كنت في حينها في غاية البعد عن الله أقضي الليالي السهرات و الطرب والغناء.. و كانت لي كأحسن زوجة، تعامل لطيف و نفس رقيقة و مشاعر دافئة..
تتفانى في خدمتي و رسم البسمة على شفتي و كأنها تقول لي بلسان حالها: ها أنا أقدم لك ما أستطيعه.. فما قدمت أنت لي؟!
لم تتفوّه بكلمة واحدة على الرغم من معرفتها ذلك.. تستقبلني مرحبة بأجمل عبارات الشوق.. و كأن الحبيب عائد من سفر سنوات و ليس فراق ساعات.. أسرتني بحلاوة و طيب كلماتها و هدوء و حسن أخلاقها و تعاملها الطيب و حسن عشرتها.. أحببتها حبًا ملك عليَّ كل كياني و قلبي..
في إحدى الأيام.. عدت في ساعة متأخرة من الليل من إحدى سهراتي العابثة..
تلك الساعات التي ينزل فيها ربنا عز وجل فيقول: "هل من داعٍ فأستجيب له؟"
وصلت إلى غرفتي.. لم أجد زوجتي.. خرجت.. أغلقت الباب بهدوء.. تحسست طريقي المظلم متحاشيًا التعثر.. آه..
كأني أسمع همسًا.. صوت يطرق مسامعي و يتردد صداه في عقلي.. أضأت المصباح الخافت.. تابعت بخطواتٍ خافتة..
فجأة.. صوت جميل لتلاوة القرآن الكريم لم أسمع مثله في حياتي!
هزته تلاوتها للقرآن و ترنمها بآياته..
يبدو أن هذا الصوت جاء من الغرفة المجاورة..
استدرتُ بوجل.. توجه نظري إلى مكان خال مظلم و كأن نورًا ينبعث منه ليرتفع إلى السماء.. تسمّرت نظراتي..
إنها يديها المرفوعتين للسماء.. تسلّلتُ ببطء.. اقتربت كثيرًا.. ها هو نسيم الليل المنعش يصافح وجهها.. حدّقتُ بها.. تلمّست دعاءها..
يا إلهي.. خصتني فيه قبل نفسها.. رفعت حاجتي قبل حاجتها.. تبسمت.. بكيت.. اختلطت مشاعري.. لمحت في عينيها بريقًا.. دققت النظر إليها.. فإذا هي الدموع تتدحرج على وجنتيها كحبات لؤلؤٍ انفلتت من عقدها.. بشهقات متقطعة تطلب من الله تعالى و تدعو لي بصوت عالٍ و قد أخذها الحزن كل مأخذ.. كانت تكرر نداءها لربها.. ثم تعود لبكائها من جديد.. نشيجها و بكاؤها قطّع نياط قلبي.. خفقات قلبي تنبض بشدة.. ارتعشت يداي.. تسمَّرت قدماي.. خنقتني العبرة.. رحماك يا الله.. رحماك.. رحماك..
أين أنا طوال هذه الأيام.. بل الشهور عن هذه الزوجة " الحنون ".. المعطاء.. الصابرة..
تعطيني كل ما أريد في النهار وإذا جن الليل غادرتُ البيت و تركتها وحيدة يعتصر الألم قلبها.. ثم إذا عدت من سهري و فسقي فإذا بها واقفة تدعو الله لي؟!
فشتان و الله بين نفس تغالب النوم و تجاهدها لإرضاء الواحد القهار.. و بين نفس تغالب النوم و تجاهدها لمعصية الخالق العلام شتان بين قلوب تخفق بحب الرحمن و تتلذذ بلقائه و الوقوف بين يديه.. و بين قلوب تخفق بحب المنكرات وتتلذذ بسماع الملهيات..
شتان بين وجوه مشرقة تجللهم الهيبة والوقار.. و بين وجوه كالحة و نفوس يائسة و صدور ضيقة..
شتان بين قلوب حية تمتلئ بحب الله و تنبض بالإيمان بالله.. و بين قلوب ميتة تمتلئ بعدم الخوف من الرحمن و عدم استشعار عظمته جل جلاله..
يقول الزوج: في تلك اللحظة العصيبة.. لم أملك إلا دمعة سقطت من عيني.. أحنيت رأسي بين ركبتيّ.. أجمع دمعاتي الملتهبة وكأنها غسلت جميع خطاياي.. كأنها أخرجت كل ما في قلبي من الفساد و النفاق..
ترقرقت عيناي بالدموع بعد أن كانت تشكو الجفاف و الإعراض..
لا أدري هل هي حزنا و تأثرًا على حالي المشين و حالها أن ابتلاها الله بأمثالي..
أو فرحًا بحالي في هذا الموقف الذي إذا دلّ على شيء فإنما يدل على صلاحها و الخير المؤصل في أعماقها..
ربّاه لقد ضاقت عليّ الأرض بما رحبت! عجبًا لتلك المرأة.. ما دخلت المنزل إلا و استبشرَتْ و فرِحَت تقوم بخدمتي و تعمل على سعادتي ما زلت تحت تأثير سحر كلماتها و علو أخلاقها..
و لا خرجت من المنزل إلا بكت و حزنت تدعو لي ضارعة إلى ربها.. و و الله وفي تلك اللحظة و كأنها أهدتني كنوز الدنيا أحببتها حباً كاملاً ملك عليَّ كل كياني و قلبي.. كل ضميري.. كل أحاسيسي و مشاعري..
و صدق من قال: جعل الإسلام الزوجة الصالحة للرجل أفضل ثروة يكتنزها من دنياه - بعد الإيمان بالله وتقواه - و عدها أحد أسباب السعادة..
لحظات يسيرة.. ودقائق معدودة.. نادى المنادي من جنبات بيوت الله.. حي على الصلاة حي على الفلاح..
انسللتُ – بعد ترددٍ - وصورتها الجميلة لا تزال تضيء لي الطريق..
صليت خلالها الفجر كما لم أصلِ مثل تلك الصلاة في حياتي..
أخذت ظلمات الليل في الانحسار.. ظهرت تباشير الصباح.. أشرقت الشمس شيئا فشيئا.. وأشرقت معها روح و نفس جديدة.
فكان هذا الموقف.. بداية الانطلاقة.. و عاد الزوج إلى رشده و صوابه.. و استغفر الله ورجع إليه تائباً منيباً بفضل الله ثم بفضل هذه " الزوجة الصالحة " التي دعته إلى التوبة و الصلاح بفعلها لا بقولها.. وحسن تبعلها له.. حتى امتلكت قلبه وأخذت بلبّه بجميل خلقها ولطف تعاملها..
عندها ندم و شعر بالتقصير تجاه خالقه أولاً ثم تجاه زوجته التي لم تحرمه من عطفها و حنانها لحظة واحدة.. بينما هو حرمها الكثير!!
رجع الزوج رجوعًاً صادقًا إلى الله تعالى وأقبل على طلب العلم وحضر الدروس والمحاضرات.. و قراءة القرآن..
و بعد سنوات بسيطة.. و بتشجيع من تلك الزوجة المباركة.. حيث رؤى النور قد بدأ ينشر أجنحته في صفحة الأفق.. من محاضراته ودعواته ودروسه.. فأصبح من أكبر الدعاة في المدينة النبوية ولله الحمد..
و كان يقول وي ردد في محاضراته عندما سُئل عن سبب هدايته: لي كل الفخر أني اهتديت على يد زوجتي ولي كل العز في ذلك..
منقول للعبرة
أنقل لكن هده القصة الحقيقية و التي يجب أن نضعها أمام ناظرينا ، وننقلها لتكون أمام أنظار الزوجات ، والبنات ، والأخوات ؛ بل و الأمهات ليكون في ذلك نشر للخير و الفضيلة .
و لتعرف الفتيات أن الجمال و السعادة ليست و الله بالنقوش و الزينة، و لا بحسن الملبس و المظهر، أو بكثرة المال والبنيان ، أو بآخر موضة من الأزياء ، أو بمتابعة آخر صرخة في عالم العطور و آخر قصة في عالم الشعر..
كما أن القصة تؤكد ذلك المعنى العظيم للرجال الذي بينه الرسول صلى الله عليه و سلم حيث قال :
" الدنيا متاع و خيرها المرأة الصالحة " [رواه الإمام مسلم]
أترككم الآن مع القصة مستعيناً بالله تعالى :جاء ذلك اليوم.. الذي وقع فيه قضاء الله تعالى من فوق سبع سماوات..
تقدم إليها من يطلب يدها.. قالوا محافظ.. مصلٍ.. وافقت على ذلك بعد الاستخارة والالتجاء إلى ربها..
وكان مما اعتاد عليه أهل مدينتها أن ليلة الفرح تبدأ في الساعة الثانية عشر ليلا وتنتهي مع أذان الفجر!
لكن تلك الفتاة اشترطت في إقامة حفل زواجها: "بأن لا تدق الساعة الثانية عشر إلا وهي في منزل زوجها". ولا يعرف سر ذلك إلا والدتها.. الكل يتساءل.. تدور حولهم علامات الاستفهام و التعجب من تلك الفتاة!! حاول أهلها تغيير رأيها فهذه ليلة فرحها التي لا تتكرر و قبل هذا يجب مجاراة عادات وتقاليد أهل بلدتها..
لكنها أصرت على ذلك كثيرا هاتفة : إذا لم تلبوا الطلب، فلن أقيم حفل زفاف ! فوافق الأهل على مضض..
(... وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ..) [البقرة:216]
مرت الشهور والأيام.. تم تحديد موعد الزواج.. وتلك الفتاة ما زادت إلا إيمانا و تقوى، تناجي ربها في ظلمات الليل البهيم.. أنسها و سعادتها كله في الوقوف بين يدي الله.. لذة الأوقات و بهجتها في ذلك الوقت، الذي تهبّ فيه نسمات الثلث الأخير، لتصافح كفيها المخضبتين بالدموع.. لتنطلق دعوات صادقة بالغة عنان السماء.. طالبة التوفيق من الله تعالى..
توالت الأيام.. وذات مساء جميل.. كان القمر بدرًا.. دقت ساعة المنبه معلنة عن تمام الساعة التاسعة مساء.. انتشر العبير ليعطّر الأجواء.. بدأت أصوات الزغاريد وضاربات الدفوف ترتفع.. زفت العروس إلى عريسها مع أهازيج الأنس و زغاريد الفرح.. الكل يردد:
بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما على خير.. فنِعم العروس ونعم ذلك الوجه المشرق الذي يفيض بنور الطاعة و حلاوة المحبة..
دخل الزوج.. فإذا به يُبهر.. نور يشع.. و ضوء يتلألأ.. فتاة أجمل من القمر كساها الله جمال الطاعة و نضارة المحبة و بهاء الصدق و الإخلاص..
هنيئاً لك أيها الزوج امرأة عفيفة مؤمنة صالحة.. هنيئًا لكِ أيتها الزوجة ذلك القلب الذي أسلم لله عز وجل و تعبد له طاعة وقربة..
قاربت الساعة من الثانية عشر.. مسك الزوج بيد زوجه.. ركبا جميعًا في السيارة.. و تقوده كل المشاعر و الأحاسيس المختلطة.. إحساس بالبهجة و الفرح ، مع ما تغمره من موجة قوية تنقض على أسوار قلبه بشدة.. يشعر بإحساس قوي يخبره بأن هناك أمرًا عظيمًا سيقع!
كأن نورًا شاركهم في الركوب.. فلم يرَ بهاء و لا نضارة كمثل هذه الزوجة.. هناك شي ما أسر قلبه و حبه.. يُشعره بأنه حاز الدنيا و ما فيها..
اتجها العروسين إلى منزلهما.. أي منزل يضم قلباً كقلب تلك الفتاة! أي بيت يضم جسدًا كجسد تلك الفتاة؟! جسم يمشي على الأرض و روح تطوف حول العرش.. فهنيئا لذلك البيت.. و هنيئًا لذلك الزوج..
دخلا المنزل.. الخجل يلفّها و الحياء يذيبها.. لم يطل الوقت.. دخلت غرفتها التي لطالما رسمت لها كل أحلامها.. كل سعادتها.. كل أمنياتها.. فمنها و بها ستكون الانطلاقة فهي مأوى لها ولحبيبها يصليان ويتهجدان معا.. هنا سيكون مصلاها.. مصحفها.. فكم ستبلل سجادتها ساكبة دموع الخشية و التقى.. كم ستهتز أرجاءها من دعواتها و قراءتها.. كم سيجملها عطر مسواكها الذي لا يفتر من ثغرها.. هكذا أمنيتها و أي أمنية كهذه!
التفتت.. انتقلت نظراتها السريعة بين أرجاء غرفتها.. رفعت بصرها..
فجأة شد انتباهها شي ما.. تسمّرت في مكانها.. كأن سهماً اخترق حناياها حين رأت ما في أحد زوايا غرفتها..
هل حقًا ما أرى.. ما هذا؟ أين أنا؟ كيف؟ لم؟ أين قولهم عنه؟
زاغت نظراتها.. تاهت أفكارها.. قلبت نظرتها المكذبة و المصدقة لما يحدث.. يا إلهي.. قدماها لم تعودا قادرتين على حملها.. أهو حقًا أم سرابًا!
ها هو ( العود ) يتربّع في غرفتها.. يا إلهي.. إنه الغناء.. بل إنها آلة موسيقية.. قطع ذلك كل حبل أمنياتها التي رسمت لها في مخيلتها.. اغتمَّت لذلك غمًا.. لا.. أستغفر الله العظيم.. اختلست نظراتها إلى زوجها.. هيئته هي الإجابة الشافية !
كان السكون مخيمًا على المكان.. يا إلهي لم أعد أحتمل.. أمسكت دمعة كادت أن تفلت من عقالها ثم هتفت بحسرة: الحمد لله على كل حال لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى.. أحنت رأسها و قد اضطرم وجهها خجلا وحزنًا..
استدارت إلى زوجها متحاشية النظر إلى ذلك.. مشت بخطى قد أثقلتها المخاوف و كبّلتها الشك! فلازمت الصمت و كتمت غيظها.. كان الصبر حليفها.. و الحكمة مسلكها.. و حسن التبعل منهجها..
(... وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة:156]
و بعيدًا عن العاطفة أخذ يحدثها عقلها قائلا: مهلاً.. و رويدكِ أيتها العروس.. عليك بالصبر و الحكمة و حسن التبعل لهذا الزوج مهما فعل و مهما كان.. فما يدريكِ لعل هدايته تكون بين يديك!! إذا صبرتي و كنتِ له أحسن زوجة؟!
تبادلا أطراف الحديث وهي تبادله بنظرات كسيرة منخفضة.. بادية عليها علامات الارتباك بين قسمات وجهها ما بين خجلها و حيائها و هول صدمتها و تأثرها.. مضى الوقت يتلكأ حتى أوشك الليل على الانتهاء..
دقت ساعة الثلث الأخير من الليل، حن الحبيب لحبيبه، فأرسل الله نعاسًا على الزوج، لم يستطع أمامه المقاومة، فغط في سبات عميق... لزمت الهدوء.. سمعت أنفاسه تنتظم.. إنه دليل مؤكد على نومه.. انزوت الزوجة عنه جانبًا واشتد بها الشوق إلى حبيبها.. هرعت لمصلاها.. و كأن روحها ترفرف إلى السماء..
يقول الزوج واصفًا لحالته: في تلك الليلة أحسست برغبة شديدة للنوم على الرغم من الرغبة في إكمال السهرة، إلا أن الله تعالى شاء و غلبني النوم رغمًا عني..
و سبحان الله تعالى ما سبق أن استغرقت في النوم وشعرت براحة إلا في تلك الليلة..
استغرقت في نومي.. تنبهت فجأة.. فتحت عيني.. لم أجد زوجتي بجانبي.. تلفت في أرجاء الغرفة.. لم أجدها.. نهضت أجر خطواتي.. و تشاركني العديد من الاستفهامات: ربما غلبها الحياء و فضلت النوم في مكان آخر.. هكذا خُيّل لي..
فتحت الباب.. سكون مطلق.. ظلام دامس يكسو المكان.. مشيت على أطراف أصابعي خشية استيقاظها..
فجأة.. ها هو وجهها يتلألأ في الظلام.. أوقفني روعة جمالها الذي ليس بجمال الجسد والمظهر.. إنها في مصلاها.. عجبًا منها.. لا تترك القيام حتى في ليلة زواجها ! بقيت أرمق كل شيء من بعيد.. اقتربت منها.. ها هي راكعة ساجدة.. تطيل القراءة وتتبعها بركوع ثم سجود طويل.. واقفة أمام ربها.. رافعة يديها.... يا إلهي.. إنه أجمل منظر رأته عيناي.. إنها أجمل من صورتها بثياب زفافها.. جمال أسر عيناي و قلبي..
أحببتها حبًا كاملا ملك عليَّ كل كياني.. لحظات.. رفعت من سجودها ثم أتبعته سلام يمنة و يسرة..
عرفت زوجتي ما يدور في خلدي.. بادلتني بنظرات محبة و هي متلفعة بجلبابها، و هي مبتسمة و مجتهدة ألا تظهر شيئا ما يختلج في صدرها.. و هتفت في أذني و هي تعبث بالسجادة بأطراف أصابعها بيدها الأخرى: أحببت أن لا يشغلني شيء عن حبيبي (تقصد ربها تبارك وتعالى).
عجبت و الله من هذا الكلام الذي لامس قلبي.. فلما سمعت ذلك منها لم أستطع و الله أن أرفع بصري خجلا وذلة مما أنا فيه..
يواصل زوجها قائلا: على الرغم أنها ما زالت عروسًًا و تبلغ الثلاثة أشهر من زواجها بعد.. و لكن كعادتها، أنسها بين ثنايا الليل و في غسق الدجى.. كنت في حينها في غاية البعد عن الله أقضي الليالي السهرات و الطرب والغناء.. و كانت لي كأحسن زوجة، تعامل لطيف و نفس رقيقة و مشاعر دافئة..
تتفانى في خدمتي و رسم البسمة على شفتي و كأنها تقول لي بلسان حالها: ها أنا أقدم لك ما أستطيعه.. فما قدمت أنت لي؟!
لم تتفوّه بكلمة واحدة على الرغم من معرفتها ذلك.. تستقبلني مرحبة بأجمل عبارات الشوق.. و كأن الحبيب عائد من سفر سنوات و ليس فراق ساعات.. أسرتني بحلاوة و طيب كلماتها و هدوء و حسن أخلاقها و تعاملها الطيب و حسن عشرتها.. أحببتها حبًا ملك عليَّ كل كياني و قلبي..
في إحدى الأيام.. عدت في ساعة متأخرة من الليل من إحدى سهراتي العابثة..
تلك الساعات التي ينزل فيها ربنا عز وجل فيقول: "هل من داعٍ فأستجيب له؟"
وصلت إلى غرفتي.. لم أجد زوجتي.. خرجت.. أغلقت الباب بهدوء.. تحسست طريقي المظلم متحاشيًا التعثر.. آه..
كأني أسمع همسًا.. صوت يطرق مسامعي و يتردد صداه في عقلي.. أضأت المصباح الخافت.. تابعت بخطواتٍ خافتة..
فجأة.. صوت جميل لتلاوة القرآن الكريم لم أسمع مثله في حياتي!
هزته تلاوتها للقرآن و ترنمها بآياته..
يبدو أن هذا الصوت جاء من الغرفة المجاورة..
استدرتُ بوجل.. توجه نظري إلى مكان خال مظلم و كأن نورًا ينبعث منه ليرتفع إلى السماء.. تسمّرت نظراتي..
إنها يديها المرفوعتين للسماء.. تسلّلتُ ببطء.. اقتربت كثيرًا.. ها هو نسيم الليل المنعش يصافح وجهها.. حدّقتُ بها.. تلمّست دعاءها..
يا إلهي.. خصتني فيه قبل نفسها.. رفعت حاجتي قبل حاجتها.. تبسمت.. بكيت.. اختلطت مشاعري.. لمحت في عينيها بريقًا.. دققت النظر إليها.. فإذا هي الدموع تتدحرج على وجنتيها كحبات لؤلؤٍ انفلتت من عقدها.. بشهقات متقطعة تطلب من الله تعالى و تدعو لي بصوت عالٍ و قد أخذها الحزن كل مأخذ.. كانت تكرر نداءها لربها.. ثم تعود لبكائها من جديد.. نشيجها و بكاؤها قطّع نياط قلبي.. خفقات قلبي تنبض بشدة.. ارتعشت يداي.. تسمَّرت قدماي.. خنقتني العبرة.. رحماك يا الله.. رحماك.. رحماك..
أين أنا طوال هذه الأيام.. بل الشهور عن هذه الزوجة " الحنون ".. المعطاء.. الصابرة..
تعطيني كل ما أريد في النهار وإذا جن الليل غادرتُ البيت و تركتها وحيدة يعتصر الألم قلبها.. ثم إذا عدت من سهري و فسقي فإذا بها واقفة تدعو الله لي؟!
فشتان و الله بين نفس تغالب النوم و تجاهدها لإرضاء الواحد القهار.. و بين نفس تغالب النوم و تجاهدها لمعصية الخالق العلام شتان بين قلوب تخفق بحب الرحمن و تتلذذ بلقائه و الوقوف بين يديه.. و بين قلوب تخفق بحب المنكرات وتتلذذ بسماع الملهيات..
شتان بين وجوه مشرقة تجللهم الهيبة والوقار.. و بين وجوه كالحة و نفوس يائسة و صدور ضيقة..
شتان بين قلوب حية تمتلئ بحب الله و تنبض بالإيمان بالله.. و بين قلوب ميتة تمتلئ بعدم الخوف من الرحمن و عدم استشعار عظمته جل جلاله..
يقول الزوج: في تلك اللحظة العصيبة.. لم أملك إلا دمعة سقطت من عيني.. أحنيت رأسي بين ركبتيّ.. أجمع دمعاتي الملتهبة وكأنها غسلت جميع خطاياي.. كأنها أخرجت كل ما في قلبي من الفساد و النفاق..
ترقرقت عيناي بالدموع بعد أن كانت تشكو الجفاف و الإعراض..
لا أدري هل هي حزنا و تأثرًا على حالي المشين و حالها أن ابتلاها الله بأمثالي..
أو فرحًا بحالي في هذا الموقف الذي إذا دلّ على شيء فإنما يدل على صلاحها و الخير المؤصل في أعماقها..
ربّاه لقد ضاقت عليّ الأرض بما رحبت! عجبًا لتلك المرأة.. ما دخلت المنزل إلا و استبشرَتْ و فرِحَت تقوم بخدمتي و تعمل على سعادتي ما زلت تحت تأثير سحر كلماتها و علو أخلاقها..
و لا خرجت من المنزل إلا بكت و حزنت تدعو لي ضارعة إلى ربها.. و و الله وفي تلك اللحظة و كأنها أهدتني كنوز الدنيا أحببتها حباً كاملاً ملك عليَّ كل كياني و قلبي.. كل ضميري.. كل أحاسيسي و مشاعري..
و صدق من قال: جعل الإسلام الزوجة الصالحة للرجل أفضل ثروة يكتنزها من دنياه - بعد الإيمان بالله وتقواه - و عدها أحد أسباب السعادة..
لحظات يسيرة.. ودقائق معدودة.. نادى المنادي من جنبات بيوت الله.. حي على الصلاة حي على الفلاح..
انسللتُ – بعد ترددٍ - وصورتها الجميلة لا تزال تضيء لي الطريق..
صليت خلالها الفجر كما لم أصلِ مثل تلك الصلاة في حياتي..
أخذت ظلمات الليل في الانحسار.. ظهرت تباشير الصباح.. أشرقت الشمس شيئا فشيئا.. وأشرقت معها روح و نفس جديدة.
فكان هذا الموقف.. بداية الانطلاقة.. و عاد الزوج إلى رشده و صوابه.. و استغفر الله ورجع إليه تائباً منيباً بفضل الله ثم بفضل هذه " الزوجة الصالحة " التي دعته إلى التوبة و الصلاح بفعلها لا بقولها.. وحسن تبعلها له.. حتى امتلكت قلبه وأخذت بلبّه بجميل خلقها ولطف تعاملها..
عندها ندم و شعر بالتقصير تجاه خالقه أولاً ثم تجاه زوجته التي لم تحرمه من عطفها و حنانها لحظة واحدة.. بينما هو حرمها الكثير!!
رجع الزوج رجوعًاً صادقًا إلى الله تعالى وأقبل على طلب العلم وحضر الدروس والمحاضرات.. و قراءة القرآن..
و بعد سنوات بسيطة.. و بتشجيع من تلك الزوجة المباركة.. حيث رؤى النور قد بدأ ينشر أجنحته في صفحة الأفق.. من محاضراته ودعواته ودروسه.. فأصبح من أكبر الدعاة في المدينة النبوية ولله الحمد..
و كان يقول وي ردد في محاضراته عندما سُئل عن سبب هدايته: لي كل الفخر أني اهتديت على يد زوجتي ولي كل العز في ذلك..