الحمد لله الرزاق ذو القوة المتين،جعل السعادة جزاء من تمسك بعرى وآداب الدين أحمده جل شأنه وأشكره جعل التوسط في الإنفاق طريق الوقاية من الدَيِن،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله صادق الوعد الأمين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين،أمابعد:فاتقوا الله عباد الله تفوزوا بأمان نفسي وأمان معيشي وعدكم بذلكم من لا يخلف الميعاد بقوله:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا()وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً}(الطلاق:2-3). داءٌ بدأ يستفحل وينتشر،وظاهرة أقلقت العقلاء،وكبلت أيدي الكرماء،وأذلت طائفة من الأعزاء:إنها الديون؛تكاثرت الديون على بعض الناس حتى انتهى بهم الأمر إلى المحاكم أو للسجون أو إلى لجنة تبيع ممتلكاته التي أفنى حياته في جمعها أمام عينيه لتُعيد للدائنين أموالهم أو بعضها.وحتى لا تقع أخي الحبيب في مصيدة الديون هاك بعض الوصايا،أنصح بها نفسي وإياك:
الوصية الأولى: استشعرعاقبة الديون المفزعة؛أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَيْهِ فَقُلْنَا تُصَلِّي عَلَيْهِ فَخَطَا خُطًى ثُمَّ قَالَ أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟.قُلْنَا دِينَارَانِ فَانْصَرَفَ فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُوقَتَادَةَ فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الدِّينَارَانِ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((أُحِقَّ الْغَرِيمُ وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ؟))قَالَ:نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ(مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟)) فَقَالَ إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ قَالَ فَعَادَ إِلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ))(أحمد،باقي مسند المكثرين،(14009)).وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ)) (الترمذي،الجنائز،(998))، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ(يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ))(مسلم،الإمارة،ح(3498)).وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ(سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا نُزِّلَ مِنْ التَّشْدِيدِ))فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ سَأَلْتُهُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ فَقَالَ(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ ثُمَّ قُتِلَ ثُمَّ أُحْيِيَ ثُمَّ قُتِلَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ))(النسائي،البيوع،ح(4605)}إسناده حسن]).
الوصية الثانية: لا تقترض إلا مضطراً واتق الله قبل الدَّين ومعه فإن العبد إذا أخذ مالاً ليرفع ضيقاً عن نفسه وأهله واتقى الله،وصدق العزم في رده،لقي العون من الله وكان الفرج بعد الشدة واليسر بعد العسر؛قال الله تعالى:{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً }(الطلاق:4).وقال جل جلاله:{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً()وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب }(الطلاق:2- 3).أخرج الإمام أحمد بسند صحيح أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنه كَانَتْ تَدَّانُ فَقِيلَ لَهَا مَا يَحْمِلُكِ عَلَى الدَّيْنِ وَلَكِ عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ؟.قَالَتْ:إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ يُدَانُ وَفِي نَفْسِهِ أَدَاؤُهُ إِلَّا كَانَ مَعَهُ مِنْ اللَّهِ عَوْنٌ فَأَنَا أَلْتَمِسُ ذَلِكَ الْعَوْنَ))(أحمد،باقي مسند الأنصار ح(24758)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ))(البخاري،كتاب في الاستقراض..،ح(2212)). قال ابن حجر في الفتح:"أتلفه الله:ظاهره أن الإتلاف يقع له في الدنيا وذلك في معاشه أو في نفسه،وقيل المراد بالإتلاف عذاب الآخرة".وعند الإمام ابن ماجة بإسناد فيه ضعف أن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ(أَيُّمَا رَجُلٍ يَدِينُ دَيْنًا وَهُوَ مُجْمِعٌ أَنْ لَا يُوَفِّيَهُ إِيَّاهُ لَقِيَ اللَّهَ سَارِقًا))(ابن ماجة، الأحكام،ح(2401)).
الوصية الثالثة: تذكر بأن الديون همّ بالليل وذل بالنهار:فكم من الرجال اختفى عن أعين الناس خوفاً من عتاب الدائنين وهروباً من مطالباتهم؛قال القرطبي:قال علماؤنا:وإنماكان شيناً ومذلة لما فيه من شُغلِ القلبِ والبال والهمِّ اللازم في قضائه والتذللِ للغريم عند لقائه،وتحمُّلِ مِنَّته بالتأخير إلى حين أوانه.
الوصية الرابعة: إياك وخداع البنوك:تطالعنا بين الحين والآخر إعلانات من البنوك تشجع على الاقتراض،ويزعمون أنها تجعل حياتك أكثر رفاهية،وإنما هي تجارة تدر عليهم أموالاً طائلة فالقرض عليه فوائد ربويه تتضاعف بمرور الزمن،وهذا الأسلوب الاستغلالي القذر مما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ()فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } (البقرة:278-279).أخرج الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ:لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ (مسلم،المساقاة،ح(2995). وهذا القرض المالي الذي يفرح به المقترض لأيام معدودة يسبب له ضعفاً في إيمانه واضطراباً في قلبه ومحقاً لبركة حياته وماله ورزقه،مع ما ينتظره من أليم العذاب في قبره ويوم بعثه.
الوصية الخامسة: احذر أغلال البطاقات الإئتمانية:بطاقات تحت مسميات مختلفة يحصل المشترك فيها على خدمة خلاصتها أن حامل البطاقة يشتري ما يريد حاضراً وتقوم الجهةُ المُمولة للبطاقة بتسديد قيمة الفاتورة لصاحب المتجر بعد حين وظاهرُ هذه الخدمة التسهيل وتقديم السيولة؛بيد أن للمشترك زمن محدد للسداد فإذا انقضى هذا الزمن تضاعف عليه المبلغ بزيادة ربوية كلما تأخر،عندها يتبين للمشترك خطورتها،وأن تلك البطاقات شجعته على الإسراف ومن ثم الغرق في مستنقع الديون.
الوصية السادسة: فِرَّ من التقسيط فرارك من الأسد:إن مرارة التقسيط تُعلم قطعاً بعد الخوض في تجربته،والمشتري لا يدرك للوهلة الأولى حجم البلية فيخوض مع الخائضين؛بيد أنه مع سدد الأقساط يشعروكأن شركة التقسيط قد وضعت خرطومها في قلبه لتسحب من دمه.
الوصية السابعة: دراسة الجدوى قبل الوقوع في البلوى:فلمجرد أن فلاناً من الناس نجح في مشروع تجاري أو ربح في الأسهم مثلاً تجد آخرين يجمعون الأموال من هنا وهناك ثم يتسابقون للقيام بنفس الشيء؛وغالباً ما تكون العاقبة الخسارة ومن ثمَّ الغرق في الديون،ولاشك أن التوفيق بيد الله إلا أن عدم دراسة للجدوى الاقتصادية سببٌ من أسباب الفشل،فينبغي النظر إلى الأمور من جميع الجوانب ومن أهمها الشرعية منها.
الوصية الثامنة: لا تكلف نفسك مالا تطيق:يتردد في المجالس أن رجلاً استدان الآلاف من الريالات لقضاء الإجازة،أولعمل مناسبة كبيرة أولشراء بعض الكماليات أو للترف الزائف والمفاخرة ونحو ذلك دونما حاجة ماسة لذلك؛ وهؤلاء وأمثالهم في الحقيقة يكلفون أنفسهم مالا يطيقون ومن ثم يغرقون في الديون من حيث لا يشعرون،ولو أنهم رفقوا بأنفسهم ما حصلت لهم هذه المشقة ،وقد أمرنا الله بما نطيق.قال تعالى:{ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرً} (الطلاق:7).
الخطبة الثانية : الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له يرتجى ولا ند له يبتغى وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله النبي المجتبى والحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله الأطهار الحنفاء.أمابعد:
فاتقوا الله عباد الله وفروا من الديون فراركم من الأسد وإن كان لا بد منها فلتكن في أضيق الحدود،ويا من اقترضت ليكن تسديد الديون همك الأول واعلم أن مما يساعدك على السداد التخطيط لسدادها بتجزئتها على مراحل وجدولة ذلك.عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ لَا يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا شَيْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ))(البخاري،كتاب في استقراض..،ح(2214)).ويجب أن تشارك الزوجة زوجها وتساعده وتقف لجانبه في هذه المرحلة وتراعي وضعه المالي وظروفه،وتدرك أن عليها أن تقوم بترشيد المصروفات وتقليل الإنفاق والبذخ،وعلى أفراد الأسرة جميعاً أن يتعاونوا على الخروج من هذا الحرج العظيم.ومن الوسائل الإلحاح في الدعاء فقد كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يُكثرُ من الدعاء ويطلب السلامة من ضلع الدين؛فعن أنس رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ))(البخاري،الدعوات،ح(5892)).وعن عَائِشَة رضي الله عنهاأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ)) فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ:مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ الْمَغْرَمِ!.قَالَ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ))(البخاري،كتاب في الاستقراض،ح(2222)).فحري بمن أصيب ببلاء الديون أن يعتصم بالله ويلجئ إليه ويدعوه.
الوصية الأولى: استشعرعاقبة الديون المفزعة؛أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَيْهِ فَقُلْنَا تُصَلِّي عَلَيْهِ فَخَطَا خُطًى ثُمَّ قَالَ أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟.قُلْنَا دِينَارَانِ فَانْصَرَفَ فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُوقَتَادَةَ فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الدِّينَارَانِ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((أُحِقَّ الْغَرِيمُ وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ؟))قَالَ:نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ(مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟)) فَقَالَ إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ قَالَ فَعَادَ إِلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ))(أحمد،باقي مسند المكثرين،(14009)).وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ)) (الترمذي،الجنائز،(998))، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ(يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ))(مسلم،الإمارة،ح(3498)).وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ(سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا نُزِّلَ مِنْ التَّشْدِيدِ))فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ سَأَلْتُهُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ فَقَالَ(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ ثُمَّ قُتِلَ ثُمَّ أُحْيِيَ ثُمَّ قُتِلَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ))(النسائي،البيوع،ح(4605)}إسناده حسن]).
الوصية الثانية: لا تقترض إلا مضطراً واتق الله قبل الدَّين ومعه فإن العبد إذا أخذ مالاً ليرفع ضيقاً عن نفسه وأهله واتقى الله،وصدق العزم في رده،لقي العون من الله وكان الفرج بعد الشدة واليسر بعد العسر؛قال الله تعالى:{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً }(الطلاق:4).وقال جل جلاله:{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً()وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب }(الطلاق:2- 3).أخرج الإمام أحمد بسند صحيح أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنه كَانَتْ تَدَّانُ فَقِيلَ لَهَا مَا يَحْمِلُكِ عَلَى الدَّيْنِ وَلَكِ عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ؟.قَالَتْ:إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ يُدَانُ وَفِي نَفْسِهِ أَدَاؤُهُ إِلَّا كَانَ مَعَهُ مِنْ اللَّهِ عَوْنٌ فَأَنَا أَلْتَمِسُ ذَلِكَ الْعَوْنَ))(أحمد،باقي مسند الأنصار ح(24758)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ))(البخاري،كتاب في الاستقراض..،ح(2212)). قال ابن حجر في الفتح:"أتلفه الله:ظاهره أن الإتلاف يقع له في الدنيا وذلك في معاشه أو في نفسه،وقيل المراد بالإتلاف عذاب الآخرة".وعند الإمام ابن ماجة بإسناد فيه ضعف أن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ(أَيُّمَا رَجُلٍ يَدِينُ دَيْنًا وَهُوَ مُجْمِعٌ أَنْ لَا يُوَفِّيَهُ إِيَّاهُ لَقِيَ اللَّهَ سَارِقًا))(ابن ماجة، الأحكام،ح(2401)).
الوصية الثالثة: تذكر بأن الديون همّ بالليل وذل بالنهار:فكم من الرجال اختفى عن أعين الناس خوفاً من عتاب الدائنين وهروباً من مطالباتهم؛قال القرطبي:قال علماؤنا:وإنماكان شيناً ومذلة لما فيه من شُغلِ القلبِ والبال والهمِّ اللازم في قضائه والتذللِ للغريم عند لقائه،وتحمُّلِ مِنَّته بالتأخير إلى حين أوانه.
الوصية الرابعة: إياك وخداع البنوك:تطالعنا بين الحين والآخر إعلانات من البنوك تشجع على الاقتراض،ويزعمون أنها تجعل حياتك أكثر رفاهية،وإنما هي تجارة تدر عليهم أموالاً طائلة فالقرض عليه فوائد ربويه تتضاعف بمرور الزمن،وهذا الأسلوب الاستغلالي القذر مما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ()فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } (البقرة:278-279).أخرج الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ:لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ (مسلم،المساقاة،ح(2995). وهذا القرض المالي الذي يفرح به المقترض لأيام معدودة يسبب له ضعفاً في إيمانه واضطراباً في قلبه ومحقاً لبركة حياته وماله ورزقه،مع ما ينتظره من أليم العذاب في قبره ويوم بعثه.
الوصية الخامسة: احذر أغلال البطاقات الإئتمانية:بطاقات تحت مسميات مختلفة يحصل المشترك فيها على خدمة خلاصتها أن حامل البطاقة يشتري ما يريد حاضراً وتقوم الجهةُ المُمولة للبطاقة بتسديد قيمة الفاتورة لصاحب المتجر بعد حين وظاهرُ هذه الخدمة التسهيل وتقديم السيولة؛بيد أن للمشترك زمن محدد للسداد فإذا انقضى هذا الزمن تضاعف عليه المبلغ بزيادة ربوية كلما تأخر،عندها يتبين للمشترك خطورتها،وأن تلك البطاقات شجعته على الإسراف ومن ثم الغرق في مستنقع الديون.
الوصية السادسة: فِرَّ من التقسيط فرارك من الأسد:إن مرارة التقسيط تُعلم قطعاً بعد الخوض في تجربته،والمشتري لا يدرك للوهلة الأولى حجم البلية فيخوض مع الخائضين؛بيد أنه مع سدد الأقساط يشعروكأن شركة التقسيط قد وضعت خرطومها في قلبه لتسحب من دمه.
الوصية السابعة: دراسة الجدوى قبل الوقوع في البلوى:فلمجرد أن فلاناً من الناس نجح في مشروع تجاري أو ربح في الأسهم مثلاً تجد آخرين يجمعون الأموال من هنا وهناك ثم يتسابقون للقيام بنفس الشيء؛وغالباً ما تكون العاقبة الخسارة ومن ثمَّ الغرق في الديون،ولاشك أن التوفيق بيد الله إلا أن عدم دراسة للجدوى الاقتصادية سببٌ من أسباب الفشل،فينبغي النظر إلى الأمور من جميع الجوانب ومن أهمها الشرعية منها.
الوصية الثامنة: لا تكلف نفسك مالا تطيق:يتردد في المجالس أن رجلاً استدان الآلاف من الريالات لقضاء الإجازة،أولعمل مناسبة كبيرة أولشراء بعض الكماليات أو للترف الزائف والمفاخرة ونحو ذلك دونما حاجة ماسة لذلك؛ وهؤلاء وأمثالهم في الحقيقة يكلفون أنفسهم مالا يطيقون ومن ثم يغرقون في الديون من حيث لا يشعرون،ولو أنهم رفقوا بأنفسهم ما حصلت لهم هذه المشقة ،وقد أمرنا الله بما نطيق.قال تعالى:{ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرً} (الطلاق:7).
الخطبة الثانية : الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له يرتجى ولا ند له يبتغى وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله النبي المجتبى والحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله الأطهار الحنفاء.أمابعد:
فاتقوا الله عباد الله وفروا من الديون فراركم من الأسد وإن كان لا بد منها فلتكن في أضيق الحدود،ويا من اقترضت ليكن تسديد الديون همك الأول واعلم أن مما يساعدك على السداد التخطيط لسدادها بتجزئتها على مراحل وجدولة ذلك.عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ لَا يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا شَيْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ))(البخاري،كتاب في استقراض..،ح(2214)).ويجب أن تشارك الزوجة زوجها وتساعده وتقف لجانبه في هذه المرحلة وتراعي وضعه المالي وظروفه،وتدرك أن عليها أن تقوم بترشيد المصروفات وتقليل الإنفاق والبذخ،وعلى أفراد الأسرة جميعاً أن يتعاونوا على الخروج من هذا الحرج العظيم.ومن الوسائل الإلحاح في الدعاء فقد كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يُكثرُ من الدعاء ويطلب السلامة من ضلع الدين؛فعن أنس رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ))(البخاري،الدعوات،ح(5892)).وعن عَائِشَة رضي الله عنهاأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ)) فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ:مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ الْمَغْرَمِ!.قَالَ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ))(البخاري،كتاب في الاستقراض،ح(2222)).فحري بمن أصيب ببلاء الديون أن يعتصم بالله ويلجئ إليه ويدعوه.