Almoslemon
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المسلمون لكل المسلمين

يا جماعة ياريت نزود من مشاركاتنا فى المنتدى سواء بمواضيع او بردود علشان نزود من رتبة المنتدى فى محركات البحث
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» بيان من حزب التحرير – سوريا إلى علماء المسلمين
سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين Emptyالخميس فبراير 16, 2012 6:25 pm من طرف محمد صالح

» أهلاً بالعضوة الجديدة مسلمة
سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين Emptyالإثنين مارس 21, 2011 1:06 am من طرف Mostafa.M

» لماذا نرسم الخرائط والشمال نحو الأعلى؟!
سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين Emptyالجمعة مارس 18, 2011 10:57 pm من طرف Mostafa.M

» قل نعم للتعديلات الدستورية
سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين Emptyالجمعة مارس 18, 2011 10:47 pm من طرف Mostafa.M

» الأمن الغذائي للمسلمين
سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين Emptyالجمعة مارس 18, 2011 10:42 pm من طرف Mostafa.M

» أردوغان...كفى...إرحمنا أرجوك!؟
سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين Emptyالجمعة مارس 18, 2011 10:41 pm من طرف Mostafa.M

» طوف وشوف فى اليمن الشقيق
سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين Emptyالجمعة مارس 18, 2011 10:39 pm من طرف Mostafa.M

»  تحقيق التوازن
سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين Emptyالسبت سبتمبر 11, 2010 5:48 pm من طرف Mostafa.M

» ساعة الأرض اقتربت!
سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين Emptyالثلاثاء أغسطس 17, 2010 3:14 pm من طرف elzedy83

نوفمبر 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
    123
45678910
11121314151617
18192021222324
252627282930 

اليومية اليومية

تصويت
تدفق ال RSS

Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 


احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 94 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو معمري بشير فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 1527 مساهمة في هذا المنتدى في 716 موضوع

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

خامسا : مقرئين
الشيخ أبو العينين شعيشع



سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16283






ولادته
: ولد القارىء الشيخ أبو العينين شعيشع قارىء مسجد السيدة زينب رضي الله
عنها ونقيب قراء جمهورية مصر العربية , وعضو المجلس الأعلى للشئون
الإسلامية , وعميد المعهد الدولي لتحفيظ القرآن الكريم و عضو لجنة إختبار
القراء بالإذاعة والتليفزيون وعضو اللجنة العليا للقرآن الكريم بوزارة
الأوقاف وعضو لجنة عمارة المسجد بالقاهرة يوم 12/8/1922م بمدينة بيلا
محافظة كفر الشيخ في أسرة كبيرة العدد متوسطة الدخل بعد أن رزق الله
عائلها وربها بأحد عشر مولودا وكأن إرادة السماء ودت أن تجعلها دستة كاملة
ولكن كان الختام مسكا وكأن البيت يحتاج إلى لبنة أو تاج على رؤوس هؤلاء .
وحقا لقد جاد المولى على هذه العائلة بالمولود الثاني عشر ليكون لهم سندا
وسببا في تهيئة الرزق المقدر من الرزاق العليم جلت قدرته .




لم يكن الوالدان مشتاقين لإنجاب مولود ليصبح العبء ثقيلاً على كاهل الوالد
الذي يفكر ليل نهار: ماذا يفعل هؤلاء وكيف يلاطمون أمواج الدنيا العاتية
إذا فاضت روحه وترك هذه الكتيبة بلا قائد يحمل همومها ويقوم بالإنفاق
عليها. الإيمان قوي بالله والصلة بالرزّاق لا تنقطع وشائجها بل كانت تزداد
رباطاً وتقربا ً ليعينه ربه على تربية هذا الطابور البشري. لم يعلم الوالد
أن الرزق سيتدفق على هذه الأسرة بسبب قدوم هذا الوليد , وجل الخالق الرازق
الذي قال عن نفسه (( هوالرزاق العليم )) حقاً هناك أمور لا يلام عليها
العبد إذا عمل لها حسابا كالرزق الذي لم يأمن الرزاق العليم أحداً عليه
إلاهو, لأنه لا يمكن أن ينسى أياً من مخلوقاته صغيرها وكبيرها.



رحل الوالد كما توقع قبل أن يطمئن على مستقبل أبنائه , وتركهم صغارا في
مراحل مختلفة تحتاج إلى ولي أمر يتولى المسئولية كاملة. وهكذا كان هذا
الطفل غير المرغوب في إنجابه من الوالد والوالدة , العائل لهذه الأسرة مع
أنه أصغرهم , وكما يقولون آخر العنقود . كانت الوالدة تحاول أن تتخلص من
الجنين ولكن كيف يكون لها هذا وقد كتب الله لهذا الجنين أن يكون أمنا
وطمأنينة للأسرة كلها وبرداً وسلاماً على قلب أمه التي وجدت نفسها فجأة
تربي اثني عشر يتيماً . يقول الشيخ أبوالعينين شعيشع : (( كانت ولادتي غير
مرغوب فيها لأنني كنت الأبن رقم 12 , ووالدتي كانت تفعل المستحيل للتخلص
مني ولكني تشبثت بها حتى وضعتني .. وذلك لحكمة يعلمها الله حيث كنت فيما
بعد مسئولاً وسبباً في إطعام كل هذه الأفواه في ذلك الحين )) .


إلتحق فضيلته بالكتاب (( ببيلا )) وهو في سن السادسة وحفظ القرآن قبل سن
العاشرة . ألحقته والدته بالمدرسة الإبتدائية لكي يحصل على شهادة كبقية
المتعلمين من أبناء القرية ولكن الموهبة تغلبت على رغبة الوالدة , كان
الشيخ أبوالعينين يخرج من المدرسة ويحمل المصحف إلى الكتّاب , ولكنه كان
حريصا على متابعة مشاهير القراء فكان يقلدهم , ساعده على ذلك جمال صوته
وقوته ورقة قلبه ومشاعره , وحبه الجارف لكتاب الله وكلماته فشجعه ذلك
وساعده على القراءة بالمدرسة أمام المدرسين والتلاميذ كل صباح , وخاصة في
المناسبات الدينية والرسمية التي يحضرها ضيوف أو مسئولون من مديرية
التربية والتعليم فنال إعجاب وإحترام كل من يستمع إليه. وكان ناظر المدرسة
أول الفخورين به , و بنبوغه القرآني , ولاحظ الناظر أن هذا الطفل يعتز
بنفسه كثيراً ويتصرف وكأنه رجل كبير , ولا تظهر عليه ميول اللهو واللعب
والمزاح كغيره من أبناء جيله , فاشار على والدته بأن تذهب به إلى أحد
علماء القراءات والتجويد لعل ذلك يأتي بالخير والنعمة التي يتمناها كل أب
لأبنه وكل أم لأبنها.



وفي عام 1936 دخل الشيخ أبو العينين دائرة الضوء والشهرة من أوسع أبوابه
عندما أرسل إليه من قبل مدير مديرية الدقهلية أي المحافظ يدعون لافتتاح
حفل ذكرى الشهداء بمدينة المنصورة وذلك عن طريق أحد كبار الموظفين من ((
بيلا )) والذي قال لمدير مديرية الدقهلية آنذاك : فيه ولد عندنا في ((
بيلا )) يضارع كبار القراء وفلته من فلتات الزمن وبيلبس بدلة وطربوش ومفيش
بعده كده حلاوة. وذهب إلى المنصورة . وكانت المفاجأة التي لم أتوقعها في
حياتي وجدت أكثر من 4 آلاف نفس في مكان الإحتفال فقلت : معقول أقرأ أمام
هذا الجمع ؟ ! كان سني وقتها 14 سنة وخفت وزاد من هيبتي للموقف أنني رأيت
التلاميذ في مثل سني يتغامزون ويتلامزون لأنني في نظرهم ما زلت طفلاً فكيف
أستطيع أن أقرأ وهو حفل لتكريم الشهداء . وقرأت الافتتاح والختام وفوجئت
بعد الختام بالطلبة يلتفون حولي يحملونني على الأعناق يقدمون لي عبارات
الثناء . فلم أستطع السيطرة على دموعي التي تدفقت قطرة دمع للفرحة تدفعها
أخرى لأن والدي مات ولم يرني في مثل هذا الموقف , وتوالت الدموع دمعة
الحزن تدفع دمعة الفرح وهكذا حتى جف الدمع لكي أبدأ رحلة على طريق الأمل
والكفاح الشريف متسلحاً بسيف الحياء والرجاء آملاً في كرم الكريم الذي لا
يرد من لجأ إليه .



نقطة التحول : هذا الموقف كان نقطة تحول في حياة طفل الرابعة عشرة ونقله
من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضوج والمسئولية الكبرى التي من خلالها
سيواجه عمالقة كان يطير فرحاً عندما يستمع إليهم في السهرات والآن أوشك أن
يكون واحداً منهم لأنه اصبح حديث الناس. وبعدها حدثت حالة وفاة تهم أحد
أبناء بلدته بيلا وكان المتوفى هو الشيخ الخضري شيخ الجامع الأزهر آنذاك
فأشار أحد علماء بيلا على الشيخ أن يذهب معه إلى القاهرة ليقرأ في هذا
العزاء الذي أقيم بحدائق القبة . وجاء دوره وقرأ وكان موفقاً فازدحم
السرادق بالمارة في الشوارع المؤدية إلى الميدان وتساءل الجميع من صاحب
هذا الصوت الجميل ؟ ! وبعد أكثر من ساعة صدّق الشيخ أبوالعينين ليجد نفسه
وسط جبل بشري تكوّم أمامه لرؤيته ومصافحته إعجاباً بتلاوته وبعد هدوء
عاصفة الحب جاءه شيخ جليل وقبّله وهو الشيخ عبدالله عفيفي رحمه الله وقال
له: لا بد أن تتقدم للإذاعة لأنك لا تقل عن قرائها بل سيكون لك مستقبل
عظيم بإذن الله . وكان الشيخ عبدالله عفيفي وقتها إماماً بالقصر الملكي
وله علاقات طيبة بالمسئولين .


إلتحاقه بالإذاعة : يقول الشيخ أبوالعينين شعيشع : ولما طلب مني المرحوم
الشيخ عبدالله عفيفي أن اذهب معه إلى مدير الإذاعة لم أتردد احتراما
لرغبته لأننا أيامها لم يحدث أننا حرصنا على الإلتحاق بالإذاعة , لأن
القارىء زمان كان نجماَ بجمهوره ومستمعيه وحسن أدائه وقوة شخصيته وجمال
صوته وكنا مشغولين بشيء واحد وهو كيف يقرأ الواحد منا بجوار زميله ويستطيع
أن يؤدي بقوة لمدة طويلة قد تصل إلى أكثر من ساعتين متواصلتين من غير أن
يدخل الملل في نفس المستمع , لأننا كنا نحترم المستمع والجمهور , كما لو
أننا نقرأ أمام الكعبة أو بالروضة الشريفة وكان القارىء منا عندما يستمع
إلى أصحاب الفضيلة بالراديو أمثال الشيخ رفعت والشيخ الصيفي والشيخ علي
محمود والشعشاعي , كان يسعد سعادة لا حدود لها , ويحلم بأن يكون مثلهم
وعلى قدر التزامهم بأحكام وفن التلاوة . وكان هذا هو الهدف وقابلت الشيخ
عفيفي رحمه الله بمكتب سعيد باشا لطفي مدير الإذاعة وحدد لي موعداً
للإختبار. وجئت حسب الموعد ودخلت الاستوديو وكانت اللجنة مكونة من المرحوم
الشيخ مأمون الشناوي والمرحوم الشيخ المغربي والشيخ إبراهيم مصطفى عميد
دار العلوم وقتها, والشيخ أحمد شربت والإذاعي الكبير الأستاذ علي خليل
والأستاذ مصطفى رضا عميد معهد الموسيقى آنذاك. وكنا أكثر من قارىء وكانت
اللجنة تجعل لكل قارىء خمس دقائق وفوجئت بأنني قرأت لأكثر من نصف ساعة دون
إعطائي إشارة لأختم التلاوة فكنت أنظر إلى وجوههم لأرى التعبيرات عليها
لأطمئن نفسي . وكان للإذاعة مديران مدير إنجليزي والآخر مصري. ورأيت
علامات الإعجاب على وجه المدير الإنجليزي مستر فرجسون الذي جاء ليسمعني
بناء على رغبة أحد المعجبين بتلاوتي من المسئولين . وبعد عدة أيام جاءني
خطاب اعتمادي قارئاً بالإذاعة وموعد أول قراءة لي على الهواء وكنا نقرأ
ونؤذن على الهواء وبدأت شهرتي تعم الأقطار العربية والأجنبية عن طريق
الإذاعة التي التحقت بها عام 1939م. وتحقق ما كنت أتمناه والحلم الذي
يراودني نائماً ويقظاناً منذ أن كنت طفلاً في الكتاب ومن المفارقات
العجيبة أنني كنت زميلاً للمرحوم الدكتور عبدالرحمن النجار وكيل وزارة
الأوقاف السابق وكان يتمنى أن يكون عالماً ونحن في الكتاب وكنت أتمنى أن
أكون قارئاً بالإذاعة لي نفس شهرة المرحوم الشيخ رفعت والمرحوم الشيخ
الشعشاعي رحمهما الله .



إذاعة الشرق الأدنى : يقول الشيخ أبوالعينين شعيشع: بعد إلتحاقي بالإذاعة
تدفقت علي الدعوات من الدول العربية الإسلامية , لإحياء ليالي شهر رمضان
بها ووجهت لي دعوة من فلسطين , لأكون قارائاً بإذاعة الشرق الأدنى , والتي
كان مقرها (( يافا )) وذلك لمدة 6 شهور والإتفاق كان عن طريق المدير
الإنجليزي للإذاعة المصرية , وقبل السفر قالوا يجب أن يسافر مع الشيخ مذيع
ليقدمه هناك , فاستشار مدير إذاعة الشرق الأدنى الدكتور طه حسين في المذيع
الذي سيسافر معي فاختار الدكتور طه حسين لهم أحد الإخوة المسيحين وكان
اسمه الأستاذ سامي داود لأنه كان مقرباً جداً من الدكتور طه حسين. وسافرنا
عام 1940م وبدأت القراءة كل يوم أفتتح إذاعة الشرق الأدنى وأختتم إرسالها
بتلاوة القرآن وأنتقل كل يوم جمعة من (( يافا )) إلى القدس لأتلو السورة
(( قرآن الجمعة )) بالمسجد الأقصى . ولأنني كنت صغيراً (( 19 سنة )) كنت
مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بأسرتي نظراً لحبي لأمي وإخوتي حباً لا يوصف
وحبهم لي كذلك , لأنني كنت العائل لهم بعد رحيل والدي رحمه الله , ولذلك
لم أحتمل الغربة أكثر من شهر وفكرت في العودة إلى الوطن الغالي الذي به
أغلى ما في الوجود – أمي وإخوتي – ولكن وثيقة السفر مع المسئولين عن
الإذاعة بفلسطين فاستأذنت من رئيس الإذاعة في أن أسافر إلى القاهرة لأرى
أهلي فوعدني أكثر من مرة ولم يوف بوعده فحزنت حزناً شديداً , وكان لي صديق
من يافا اسمه يوسف بك باميه فقال لي سوف أتدخل لأساعدك على السفر وصدق في
وعده وأحضر لي الوثيقة ومعها تذكرة قطار من محطة اللد إلى القاهرة ولم
يشعر أحداً بهذا ووصلت إلى القاهرة وكنا مقيمين بشقة بحي العباسية ودخلت
على والدتي والأسرة وجلست بين أحضان الحبايب وفتحت الراديو على إذاعة
الشرق الأدنى فسمعت المفاجأة المذيع يقول سوف نستمع بعد قليل إلى الشيخ
أبوالعينين شعيشع أيها السادة بعد لحظات سنستمع إلى الشيخ أبو العينين
شعيشع وما تيسر من القرآن الكريم . قالها المذيع أكثر من مرة وبعدها قال
لعل المانع خير ثم قال المذيع ربما يكون قد حدث للشيخ حادث تسبب في تأخره.
كل هذا يحدث وأنا أضحك. ولكن قلبي يدق وعقلي يفكر بصورة سريعة جداً ,
لأنها مسئولية وتعقاد بيني وبين إذاعة الشرق الأدنى . ولكن بعد أسبوع طرق
الباب طارق ففتحنا له وكانت المفاجأة أن الطارق هو المدير الإنجليزي
لإذاعة الشرق الأدنى وجلس الرجل وقال لي معاتباً : أنت سافرت بدون إذننا
فجأة خوفاً من عدم موافقتنا لك على العودة إلى القاهرة لترى أهلك ؟ قلت له
: نعم قال: لا إننا لم ولن نحرم رجلاً مثلك من الإطمئنان على إخوته
ووالدته خوفاً من عقاب الله لأنك تحفظ القرآن وتتلوه . وبدبلوماسية قال لي
مدير إذاعة الشرق الأدنى : يا شيخ ممكن نأكل عندكم (( ملوخية )) ؟ قلت له
ممكن طبعاً وطبخت والدتي الملوخية وأكلنا أنا والرجل الذي أراد أن يجعل
شيئاً من الود بيني وبينه وهذا ما كان يقصده من الغذاء البسيط معي في
بيتنا وبعدها رجعت إلى فلسطين بصحبة المدير الإنجليزي لإذاعة الشرق الأدنى
وأكملت مدة العقد هناك. بعدها عدت إلى القاهرة لأقرأ القرآن مع نوابغ
القراء كالشيخ رفعت والشيخ محمد سلامه والشيخ علي محمود والشيخ مصطفى
إسماعيل وغيرهم.



إحياء مأتم الملكة (( عاليا )) بالعراق : يقول الشيخ أبوالعينين شعيشع :
ثم جاءتني دعوة عاجلة من السفير العراقي بالقاهرة لإحياء مأتم الملكة ((
عالية )) ملكة العراق بناء على رغبة من القصر الملكي الذي أرسل إلى
السفارة بطلب القارىء الشيخ أبوالعينين شعيشع والقارىء الشيخ مصطفى
إسماعيل فوافقت وبحثت عن الشيخ مصطفى كثيراً فلم أجده . والوقت لا يسمح
بالتأخير فاتصلت بالسفير العراقي وأخبرته بصعوبة الحصول على الشيخ مصطفى
اليوم , فقال السفير إختر قارئاً من القراء الكبار معك, فاخترت المرحوم
الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي وعلى الرغم من أن العلاقة كانت مقطوعة بيننا
وبينهم لكن السيد فؤاد سراج الدين وزير الداخلية آنذاك سهل لنا الإجراءات
وأنهينا إجراءات السفر بسرعة ووصلنا مطار بغداد وإذا بمفاجأة لم تنوقعها
.. إستقبال رسمي لنا بالمطار كاستقبال المعزين من الملوك والرؤساء ولكن
المفاجأة أصبحت مفاجأتين قالوا: وين الشيخ مصطفى ؟ وين الشيخ مصطفى ؟ فقلت
لهم: إنه غير موجود بالقاهرة ولم نعرف مكانه. والوقت كان ضيقا فأحضرت معي
فضيلة الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي وهو أستاذنا ومن مشاهير قراء مصر وشيخ
القراء وفوجئت بأن وجه الشيخ عبدالفتاح تغير تماماً وظهرت عليه علامات
الغضب لأنه كان يعتز بنفسه جداً وقال: لو كنت قلت لي ونحن بالقاهرة إنني
لست مطلوبا بالإسم من القصر ما كنت وافقت أبدا ولكنني الآن سأعود إلى
القاهرة كل هذا في مطار بغداد .


وأصر الشيخ عبدالفتاح على العودة إلى مصر وبمساعدة المسئولين العراقيين ,
إستطعنا أن نثني الشيخ الشعشاعي عن قراره الصعب وخرجنا من المطار وسط
جمهور محتشد لاستقبالنا لا حصر له ونزلنا بأكبر فنادق بغداد واسترحنا بعض
الوقت وتوجهنا بعد ذلك إلى القصر الملكي حيث العزاء .وكانت الليلة الأولى
على مستوى الملوك والرؤساء والأمراء والثانية على مستوى كبار رجال الدولة
والضيوف والثالثة على المستوى الشعبي ووفقنا في الليلة الأولى ولكن أثر
الموقف مازال عالقاً بكيان الشيخ الشعشاعي فلما رجعنا إلى مقر الإقامة
بالفندق قال لي الشيخ عبدالفتاح أنا انتظرت الليلة علشان خاطرك وباكراً
سأتجه إلى القاهرة فحاولت أن أقنعه ولكنه كان مصراً إصراراً لم أره على
أحد من قبل فقلت له نم يا شيخنا وفي الصباح تسافر أو كما تحب . وقضيت
الليل في التفكير كيف أثني الشيخ الشعشاعي عن قراره. وجاءتني فكرة وذهبت
إليه في الجناح المقيم به بالفندق وقلت له: هل يرضيك أن يقال عنك إنك ذهبت
إلى العراق لإحياء مأتم الملكة ورجعت لأنك لم توفق في القراءة وإنك لم
تعجب العراقيين ؟ فسكت لحظات ونظر إلي وربت على كتفي بحنان الأبوة وسماحة
أهل القرآن وقال لي: يا (( أبوالعينين )) كيف يصدر هذا التفكير منك رغم
حداثة سنك وأنا أكبرك سناً ولم أفكر مثل تفكيرك ؟ !! ووافق على البقاء
لإستكمال العزاء ومدة الدعوة التي كان مقررا لها سبعة أيام وقرأ في المساء
قراءة وكأنه في الجنة وتجلى عليه ربنا وكان موفقاً توفيقاً لا حدود له .
وعاد إلى الفندق في حالة نفسية ممتازة وفي نهاية الأسبوع حصلنا على وسام
الرافدين وبعض الهدايا التذ كارية وودعنا المسئولون بالبلاط الملكي
العراقي كما استقبلونا رسميا وعدنا بسلامة الله إلى مصرنا الغالية.


لم يكن هذا الوسام هو الأول ولا الأخير في حياة الشيخ أبوالعينين ولكنه
حصل على عدة أوسمة ونياشين وشهادات تقدير وهدايا متنوعة الشكل والحجم
والخامة والمضمون وكلها تحمل معاني الإعتزاز والتقدير والاعتراف بقدر هذا
الرجل وتاريخه الحافل . يقول الشيخ أبوالعينين (( .. حصلت على وسام
الرافدين من العراق ووسام الأرز من لبنان ووسام الإستحقاق من سوريا
وفلسطين وأوسمة من تركيا والصومال وباكستان والإمارات وبعض الدول
الإسلامية .. ووسام لا يقدر ثمنه وهو أعظم الأوسمة وسام الحب من كل الناس
الذي يتطلعون إلى منحة تكريم من السيد الرئيس محمد حسن مبارك لهذا القارىء
التاريخ بإصدار قرار بأن يظل الشيخ أبوالعينين شعيشع نقيباً لمحفظي وقراء
القرآن الكريم مدى حياته وكذلك إطلالق اسمه على أحد الشوارع بالقاهرة وكفر
الشيخ مسقط رأسه .


السفر إلى معظم دول العالم : سافر الشيخ أبوالعينين شعيشع إلى معظم دول
العالم وقرأ بأكبر وأشهر المساجد في العالم أشهرها المسجد الحرام بمكة
والمسجد الأقصى بفلسطين والأموي بسوريا ومسجد المركز الإسلامي بلندن ,
وأسلم عدد غير قليل تأثراً بتلاوته ولم يترك دولة عربية ولا إسلامية إلا
وقرأ بها أكثر من عشرات المرات على مدى مشوار يزيد على ستين عاما قارئاً
بالإذاعة . يقول الشيخ أبو العينين : وسافرت بعد العراق إلى سوريا واليمن
والسعودية والمغرب وتونس وفلسطين والسودان وتركيا وإمريكا وانجلترا وفرنسا
ويوغسلافيا وموسكو وهولندا وإسبانيا وإيطاليا ومعظم دول شرق آسيا وكثير من
الدول التي يطول ذكرها .

***********

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي



سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16284





ولد
الشيخ عبدالفتاح يوم 20/3/1890م .ذاع صيت الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي من
الرعيل الأول للإخوان المسلمين, ثم دعي للقراءة في الإذاعة المصرية عام
1936م وكان ثاني اثنين مع الشيخ محمد رفعت رحمهما الله, فكانا أول من
تبادل قراءة القرآن في الإذاعة. عين الشيخ عبدالفتاح مقرئاً لمسجد السيدة
زينب رضي الله عنها بالقاهرة ما يقرب من خمسين عاماً قارئاً للسورة وفي
عام 1925م سعي لتجميع قراءة القرآن الكريم في شكل رابطة تضمهم فاختاروه
رئيساً لرابطة القراء المصرية وكان أول اقتراح له هو إقامة حفل ديني أول
كل شهر عربي يذاع من الإذاعة ويشارك فيه كبار القراء حتي يناهض ما تفعله
حفلات أم كلثوم الشهرية. اشتهر عنه تواضعه الجد والتزامه بكتاب الله قولاً
وعملاً. بعد وفاته منح وسام الجمهورية في عام 1990م ورحل عن دنيانا في 11
نوفمبر عام 1962م عن عمر يناهز 72 سنة.


_________________

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ أحمد الرزيقي




سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16285




ولادته
ونسبه: الاسم أحمد الشحات أحمد الرزيقي .. نسبة إلى بلدته (( الرزيقات
قبلي )) أمين عام نقابة القراء , وقارىء مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة , ولد
يوم 21/2/1938م بقرية الرزيقات قبلي مركز أرمنت قنا ألحقه والده المرحوم
الحاج الشحات بالمدرسة الابتدائية بالقرية . رضي الطفل بهذا لأنه هو
الأسلوب المتبع لدى الناس جميعاً وذات يوم خرج الشيخ أحمد من البيت قاصداً
المدرسة فرأى حشداً من الناس أمام بيت المرحوم الحاج الأمير داود التاجر
المعروف بالمنطقة والذي كان هو الوحيد الذي يمتلك (( راديو )) في القرية
فسأل الطفل الصغير عن سر ذلك التجمهر اللافت للنظر, وكأن عناية السماء
تدخلت في حياته لتنبىء عما كتبه الله له فساقته الأقدار إلى البحث عن سبب
تجمع الناس في جو شديد البرودة في هذا التوقيت بالذات قبل السادسة صباحاً
– فقيل له لأن ابن بلدنا الشيخ عبدالباسط عبدالصمد , دخل الإذاعة وسوف
يقرأ الآن بالراديو فجلس معهم الطفل الصغير صاحب العقل الكبير , ليس
ليشاركهم الفرحة فقط, ولكن لأشياء سيطرت على كيانه. وبينما الجميع في
الانتظار, مشغولين بإذاعة اسم ابن بلدهم بالراديو , وانطلاق صوته العذب
الجميل عبر جهاز لا حول له ولا قوة من وجهة نظرهم مع علمهم بأنه سينطق
بقدرة الله الذي أنطق كل شيء. ولكن الطفل تدور الأمور برأسه دوراناً
خالصا, لسان حاله يقول بصوت داخلي يهز المشاعر: إذا كان هذا الحب, وهذا
التفاني, وهذا الانتظار من أجل الشيخ عبدالباسط الذي وصل إلى قمة المجد,
فما هو المانع من أن أكون مثله؟ إذا كان قد حفظ القرآن فإن شاء الله سأحفظ
القرآن مثله! وإذا كان صوته جميل فهذا ليس على الله بعزيز. لحظات وانطلق
صوت المذيع معلنا عن اسم القارىء الشيخ عبدالباسط عبدالصمد, إذا بالجميع
وكأن الطير على رءوسهم , لا ينطق اللسان, ولكن القلوب تهتف وتتراقص طرباً
واستحساناً لابن بلدهم حسن الصوت. وبعد انتهاء التلاوة تبادل الحاضرون
فيما بينهم عبارات التهاني والفخر والسرور, وانصرف الشيخ أحمد من بينهم
دون أن يشعر به أحد, ليغير طريق حياته كلها قبل أن يغير طريق الوصول إلى
المدرسة. واتجه إلى الكتّاب مباشرة, وألقى السلام على الشيخ واستأذنه في
الجلوس بين أقرانه. وبدأ معهم الحفظ وظل يتردد على الكتّاب لمدة أسبوع دون
أن يعلم أحد من البيت. ولكن المدرسة أرسلت خطاباً يحمل مدة الغياب عن
المدرسة, فتعجب والده لأن الابن يخرج من البيت إلى المدرسة في الموعد
المحدد ويعود بعد انتهاء اليوم الدراسي . فانتظر الحاج الشحات ابنه أحمد
ليعرف منه سبب الإنذار. لم يخطر على بال الوالد أن الابن قد تغيب, ولما
عاد الشيخ أحمد إلى المنزل ككل يوم سأله والده أين كنت الآن ؟ وهل كنت
بالمدرسة أم لا ؟ فرد الشيخ أحمد على والده بفلسفة وأسلوب لا يصدق أحد أن
طفلاً يتحدث به ورد قائلاً لوالده: ولماذا لم تسألني منذ تغيبت إلا اليوم
؟ فقال له والده: لأنني كنت معتقداً إنك رايح المدرسة وجاي من المدرسة !
فقص عليه ما حدث فاحتضنه أبوه وقبّله وقال له: يعني أنت اتخذت القرار من
نفسك قال: نعم فشجعه على ذلك وفرح جداً. وسأله عما حفظ من القرآن , فقرأ
عليه , فدعى له بالتوفيق وأقره في ذلك .


كان الشيخ أحمد حريصاً على متابعة مشاهير القراء عن طريق الإذاعة ,
وبالأماكن التي يسهرون فيها في الصعيد ليتعلم منهم ويقتدي بهم. وبعد أن
حفظ القرآن كاملاً وهو ابن العاشرة, كافأه الوالد بأن اشترى راديو ليستمتع
الشيخ أحمد بالاستماع إلى قراءة الرعيل الأول بالإذاعة. وكان الشيخ أحمد
يحاول تقليدهم فيحضر زجاجة لمبة الجاز نمرة (( 5 )) ويضعها على فمه ويقرأ
بها لتكون كالميكرفون وتحدث صوتاً يساعده على القراءة. يقول الشيخ أحمد
الرزيقي : مثلاً كنت أضع للشيخ أبوالعينين شعيشع صورة معينة في خيالي,
ولكنني لما رأيته تعجبت لأنني كنت متخيلاً أن هؤلاء الكواكب والنجوم
الزاهرة ليسوا كمثلنا, ولكن كالملائكة, ولما قابلت الشيخ أبوالعينين قلت
له الحقيقة غير الخيال, كنت متخيلاً أنك في جمال سيدنا يوسف عليه السلام
وضحكنا أنا والقمر الذي يضيء دنيا القراءة السيد النقيب صاحب الفضيلة
الشيخ أبوالعينين شعيشع. وشاءت الأقدار بفضل الله وبفضل القرآن أن أكون
الأمين العام لنقابة القراء في ظل رئاسة الشيخ أبوالعينين للنقابة أي ((
النقيب )) وانتقل الشيخ الرزيقي من كتّاب الشيخ محمود إبراهيم كريّم الذي
حفّظه القرآن وعلمه حكايات من القصص الديني الذي يروي حياة الصحابة رضوان
الله عليهم, وعلمه بعضاً من الفقه والسنة والتاريخ الإسلامي, وجزءاً من
حياة النبي (ص) . إنتقل إلى معهد تعليم القراءات ببلدة أصفون المطاعنة
القريبة من قريته الرزيقات قبلي. حيث تعلم التجويد والقراءات السبع وعلوم
القرآن. يقول الشيخ أحمد الرزيقي: (( وتخيلت أنني لو سلكت طريق القرآن
فسأكون قارئاً مشهوراً للقرآن الكريم. فرافقت القرآن مرافقة الخادم لسيده
.. لأن شيخي علمني الكثير والكثير, وكانت رعايته ترقبني لأنه توسم فيّ
خيراً كما قال لي. ولذلك فضله عليّ كبير, لأنه علمني أشياء أفادتني في
حياتي كلها. علمني الكياسة والفطانة وكيفية التعامل مع الناس, وكيف أفكر
قبل إصدار القرار, حتى في نطق الكلمة, أتذوقها أولاً فإذا كان طعمها
مستساغاً أنطقها, ولكنها إذا كانت مرة المذاق , فسوف تكون أكثر مرارة إذا
خرجت من لساني. وعلمني متى أتحدث, وفي أي وقت أتحدث, وكيفية احترام الكبير
والصغير, فكان الكتاب جامعة داخل كتاب.


كان الشيخ محمد سليم المنشاوي أحد علماء القراءات في مصر والوجه القبلي,
لقد علّم الشيخ عبدالباسط القراءات وذلك بمعهد أصفون المطاعنة , وكان هو
شيخ المعهد في ذلك الحين. ولثقة الجميع بالشيخ سليم وخاصة بعدما تخرج
الشيخ عبدالباسط على يده, لم يتردد الشيخ أحمد الرزيقي في الذهاب إلى
الشيخ سليم. وبأصفون تلقى علم القراءات وعلوم القرآن ساعده على ذلك
القرابة التي كانت تربطه بأهل أصفون يقول الشيخ أحمد : (( .. ولم أشعر
بالغربة داخل بلدتي الثانية أصفون نظراً لأنهم أبناء عمومتنا, وتربطنا بهم
علاقة الدم والنسب والأرحام, وكان أهل المطاعنة يطلبون من الشيخ محمد سليم
زيارتي لهم, فكان يوافق الشيخ رحمه الله.


وبعد ذلك ذاع صيت الشيخ أحمد الرزيقي في كل مدن وقرى الوجه القبلي فانهالت
عليه الدعوات ليسهر رمضان, ويحي المآتم والمناسبات الدينية, وأصبح محل ثقة
وحب الجميع في صعيد مصر. ولم تتوقف الموهبة الفذة عند هذا الحد, ولكنها
حملت صاحبها إلى القاهرة على أجنحة الإلتزام والتقدير والاعتزاز بكتاب
الله عز وجل : فاشتهر في القاهرة بين كوكبة من القراء يتنافسون بحب في
لقاءات وسهرات من الصعب أن يحدد المستمع من هو أقوى طرفيها أو أطرافها,
لأنها كانت سهرات جامعة شاملة, في مناسبات معروفة ومحدد الزمان والمكان,
يقيمها كبار تجار القاهرة في كل المناسبات وخاصة في المولد النبوي الشريف,
ومولد السيدة زينب والإمام الحسين. وكان يصادف أن يدعى اثنان أو ثلاثة في
سرادق واحد وربما كان من هذه الأسماء الشيخ رفعت والشعشاعي وشعيشع
والمنشاوي ومصطفى إسماعيل وعبدالباسط وغيرهم: فكان من الصعب أني يأتي
قارىء من الأقاليم ليفرض نفسه على الساحة بين قمم جبال راسخة, ولكن الحظ
وحده جعل الشيخ أحمد يسلك الطريق, وينحت في صخور ليخط له اسماً بفضل الله
تعالى, ثم بفضل شيخ مخلص هو المرحوم الشيخ عبدالباسط عبدالصمد, الذي ساعد
الشيخ أحمد الرزيقي وشجعه على القراءة بين هؤلاء العمالقة داخل مدينة
القاهرة التي وقع مستموعها تحت سيطرة محكمة من كتيبة القراء التي فتحت
دنيا القراءة أما أجيال ستظل تنهل من بحر عطاء لا ينضب ومجد لا ينتهي صنعه
أصحاب المدارس الفريدة رحمهم الله , ونفعهم بما قدموا للمسلمين والإسلام.


كان الشيخ الرزيقي ينزل القاهرة قبل الاستقرار بها وأول شيء يفعله يتجه
إلى عترة رسول الله (ص) وخاصة الإمام الحسين والسيدة زينب. وبعد ذلك يتجه
إلى الشيخ عبدالباسط يتدارس معه شئونه القرآنية, وليستفيد من توجيهاته
الذكية الرشيدة, وتعليماته الدقيقة. يقول الشيخ الرزيقي: وذات مرة جئت إلى
القاهرة وكالعادة ذهبت إلى الشيخ عبدالباسط فقال لي: خلاص لن تعود إلى
الصعيد: فقلت له : لماذا يا فضيلة الشيخ قال : لأنك ستسهر معي وتقرأ معي
حتى تشتهر وتدخل الإذاعة إن شاء الله . وأخذني معه في كل مكان, وقرأت معه
في كل المحافظات حتى ذاعت شهرتي , واستمع إليّ كبار المسئولين بالدولة .
وأذكر أنني قرأت أمام الفريق سعد الدين الشريف و د.حسن عباس زكي وفريد
باشا زعلوك والأستاذ نبيل فتح الباب , فأعجبوا بتلاوتي وأدائي , وقالوا
حتماً ستكون قارئاً بالإذاعة. وكتب لي فريد باشا زعلوك خطاباً إلى صديقه
الأستاذ الشاعر محمود حسن إسماعيل مراقب الشئون الدينية والثقافية
بالإذاعة وقتذاك. ولكنني لم أذهب بالخطاب إلى الإذاعة وإنما سافرت إلى
الصعيد. وفي عام 1967م وكنت محتفظاً بالخطاب – جئت إلى القاهرة وذهبت إلى
الإذاعة لأقابل الأستاذ محمود حسن إسماعيل , وقلت له: حضرت إليك برسالة من
رجل عزيز عليك, وصاحب فضل عليك. فقال من فريد باشا زعلوك ؟ فقلت له نعم:
فتلقف الرسالة بشغف وتأملها, ولكنه قال: يا أستاذ فيه قرار بعدم انعقاد
اللجنة إلا بعد إزالة آثار العدوان. فقلت له أدعو الله أن يزيل آثار
العدوان, وأن ينصر مصر, وقلت له عندما – يأذن الله سأحضر إلى الإذاعة .
وعدت إلى البلد , أقرأ القرآن في كل بلاد الوجه القبلي , وبعض محافظات
الوجه البحري.


الرسالة التي كتبها إلى الرئيس السادات وردّ الرئيس عليها : يقول الشيخ
أحمد الرزيقي : (( .. جلست تحت شجرة فمسني نسيم الهواء الطاهر , فحرك
مرواح القلب وأنعش روحي التي استوت على حروف القرآن , لأكتب رسالة حددت
مستقبلي القرآني إلى الرئيس الراحل أنور السادات قلت فيها: الأخ العزيز
الرئيس محمد أنور السادات تحية طيبة وبعد .. إني أكتب إليك هذه الرسالة لا
لأنك رئيس الجمهورية ولا على أنك الحاكم , وإنما على أنّك شقيق يشعر بآلام
أخيه وأما قصتي فهي أنني أتلو القرآن الكريم , وأتقي الله في ذلك, وأصاحب
القرآن منذ طفولتي, وجعلت نفسي خادماً له. فلم يأل القرآن جهداً في إسداء
النصح إليّ, وإني قد ذهبت إلى المسئولين بالإذاعة فقالوا لي: لن تنعقد
لجنة اختبار القراء إلى بعد إزالة آثار العدوان. وها نحن الآن وقد تفضل
الله علينا بإزالة آثار العدوان, وانتصرنا في حرب أكتوبر, التي كنت أنت
قائدها: فأرجو سيادتكم التفضل باتخاذ ما ترونه من إخطار الإذاعة أن تبعث
لي بموعد اختباري كقارىء بها .. وبعد أيام قلائل جاءني رد الرئيس السادات
على رسالتي برسالة تقول: الأخ العزيز القارىء الشيخ أحمد الرزيقي تحية
طيبة وبعد – لقد وصلتنا رسالتكم الرقيقة والتي حملت بين سطورها معاني
المحبة والإخلاص .. وقد اتصلنا بالإذاعة فوجدنا طلبكم موجوداً, وسترسل
الإذاعة لاستدعائكم للإختبار , فأدعو الله لكم بالتوفيق, وأرجو لكم
النجاح, وإخطاري بنجاحكم حتى أستمتع بالإستماع إليكم .. محمد أنور السادات
.

وكانت فرحة الشيخ أحمد الرزيقي لا توصف باهتمام الرئيس السادات بخطابه
والرد عليه.وركب أول قطار بعد وصول الرسالة إليه من الرئيس السادات ووصل
إلى القاهرة واتجه إلى الإذاعة, وحدد المسئولون له موعداً لاختباره, ودخل
اللجنة في الموعد المحدد. ولكن اللجنة رأت أنه يستحق مهلة 6 شهور عاد
بعدها واعتمد قارئاً بالإذاعة بعد أن أثنى عليه كل أعضاء اللجنة, وحصل على
تقدير الامتياز, ليصبح واحداً من أشهر قراء القرآن الكريم بالإذاعة
المصرية والإذاعات العالمية كلها.


ذكريات الشيخ الرزيقي مع الشيخ عبدالباسط عبدالصمد : يقول الشيخ الرزيقي :
لي مع المرحوم الشيخ عبدالباسط ذكريات كثيرة جداً : سافرت معه إلى معظم
دول العالم. وكان بمثابة التابع لي ولست أنا التابع له . وذلك من حسن خلقه
– فكان مهذباً ومتواضعاً وعلى خلق. فعلى سبيل المثال سافرت معه إلى جنوب
أفريقيا, وكانت مشاكل العنصرية هناك لا حدّ لها, ويصعب السفر والإقامة بها
آنذاك. ولما وصلنا جوهانسبرج وجدنا جماهير غفيرة في استقبالنا, وخاصة من
البيض, وكثير من رجال الصحافة. فقلت للمرحوم الشيخ عبدالباسط : خلي بالك
من نفسك فقال الحافظ هو الله وجلسنا بصالة كبار الزوار بالمطار , وأقبلت
علينا سيدة صحفية فقال لها الشيخ عبدالباسط تحدثي مع زميلي الشيخ الرزيقي
.. أنا تابع له فتحدثت معي وقلت لها: لقد جئنا إلى هنا في مهمة دينية وهي
تلاوة القرآن الكريم. فقالت لي : هل رأيت عنصرية هنا ؟ قلت لها: إنني جئت
إلى هنا لأقرأ القرآن , ولست باحثاً عن العنصرية ولا غيرها .. فجاء صحفي
يبدو أنه عنصري وقال : أنا أعرف أنكما شخصيتان مهمتان . فهل تعلمان ما أعد
لكما من تأمين على حياتكما قبل أن تأتيا إلى هنا ؟ .. فقلت له: يا أخي
لسنا في حاجة إلى تأمين لأننا جئنا لقضاء بعض الأيام الطيبة بين أشقائنا
من المسلمين هنا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وصفاتهم, ونحن بمثابة الآباء
لهم فهل يحتاج الأب إلى من يحميه من أبنائه ؟ كل هذا في حديث تليفزيوني
فلما سمع الناس ذلك قابلونا ونحن متجهون إلى المسجد وقالوا: ونحن حراس
عليكما.

وفي نيجيريا نزلنا عند رجل ثري جداً بأحد الفنادق فتركنا وقال هذا الجرس
تستخدموه عند الحاجة ولما جعنا ضغطت على الجرس فجاء رجل طوله متران ونصف
ولا يفقه كلمة عربية واحدة ولا حتى إنجليزية فأشرت له بإشارات عرف منها
أننا نتضور جوعاً, فأحضر كتاباً به قوائم للطعام بالإنجليزي , وزاد الموقف
صعوبة فقال لي الشيخ عبدالباسط : إصرفه فضحكت وقلت له: كيف أصرفه إقرأ
عليه قرآن يعني ؟ وضحكنا وبعد فترة من الوقت جاءنا الطعام.

السفر إلى دول العالم : لم يترك الشيخ الرزيقي بلداً عربياً ولا دولة
إسلامية ولا جالية إسلامية في دولة أجنبية ولا جزيرة في عرض بحر إلا وذهب
إلى المسلمين في شهر رمضان ليمتعهم بما أفاء الله عليه من نعمة حفظ كتاب
الله والحافظ عليه بتلاوته بما يرضي الله تعالى .. وسر تدفق الدعوات
الخاصة على الشيخ الرزيقي من الدول الشقيقة لإحياء شهر رمضان والمناسبات
الدينية المختلفة هو أنه يراعي الله في تلاوته ويتقيه ويؤدي أداءً محكماً
ليرضي الرب قبل إرضاء العبد ولا نظن أن ما يرضي الخالق لا يرضي المخلوق
وأنّ ما يرضي الحق جلت قدرته يجعل العباد في شوق إلى هذا الأداء الملتزم
الموزون بكل دقة.
مواقف طريفة لا ينساها الشيخ الرزيقي : حياة الشيخ أحمد الرزيقي حافلة
بالذكريات المختلفة عبر رحلة ممتدة عبر ما يقرب من أربعين عاماً قضاها في
رحاب هدى القرآن ونوره وخاصة الذكريات والمواقف مع مثله العليا من العلماء
والفقهاء والأدباء يقول الشيخ الرزيقي : (( .. وأثناء اختباري كقارىء
بلجنة إختبار القراء بالإذاعة والتي كان الشيخ الغزالي رحمه الله أحد
أعضائها .. طلب مني فضيلته أن أقرأ سورة التغابن تجويداً .. فقلت لفضيلته
: لم أعود نفسي على تجويدها , ولكنني أجيد أداءها ترتيلاً . فأصر وألح
عليّ لأجودها , ولكنني كنت أكثر إصراراً فقال له زميله باللجنة المرحوم
الدكتور عبدالله ماضي يا شيخ محمد الشيخ أحمد الرزيقي صادق وهذه تحسب له
.. فأود أن تجعله يقرأها مرتلاً .. وكان الشيخ محمد الغزالي سمحاً ما دام
الأمر لا يؤثر على أحكام الدين والقرآن فقال لي : رتلها يا شيخ أحمد فرتلت
سورة التغابن وسعد الشيخ الغزالي بالأداء لدرجة أنه شكرني وأثنى على أدائي
المحكم . ودارت الأيام ومرت مر السحاب , صنع الله الذي أتقن كل شيء وبعد
أن أصبحت قارائاً مشهوراً بالإذاعات العالمية جائتي دعوة لإحياء شهر رمضان
بدولة قطر عام 1985م وشرفت بصحبة الشيخ محمد الغزالي الذي دعي لإلقاء دروس
العلم .. وفي ليلة بدر وكان مقرراً أن أبدأ الإحتفال بتلاوة القرآن ويقوم
فضيلة الشيخ الغزالي بالتعليق على ما أتلوه .. فطلب مني أن أقرأ من سورة
آل عمران : (( .. ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة )) فقلت له إنني سأقرأ
(( التغابن )) فابتسم ابتسامة عريضة ولأنه صاحب مكانة جليلة وأخلاق كريمة
قال إقرأ آيتين من آل عمران ثم إقرأ التغابن حتى نتحدث في المناسبة ثم
أقوم بتفسير ما تقرأه من التغابن .. لم أقصد من وراء قولي هذا لفضيلة
الشيخ الغزالي إلا لأذكره فقط بما حدث بلجنة الاختبار.





ولن أنسى موقفاً حدث لي ببريطانيا في مدينة شفيلد : وهذا الموقف مهم جداً
أذكره لبعض المدعين أنهم مسلمون وهم يقتلون الأبرياء ويهددون ضيوف مصر
القادمين لرؤية حضارة مصر والإستمتاع بجوها الساحر !! نزلت في منزل الشيخ
زهران إمام المسلمين هناك وكنت أستيقظ متأخراً بعد ما يخرج الشيخ زهران
إلى عمله. ولأنني بمفردي بالمنزل. دق الجرس ففتحت الباب فوجدتهم مجموعة من
الأطفال فقالوا: لي صباح الخير بالإنجليزية ورديت التحية عليهم, ولم أعرف
منهم ماذا يريدون, وكانت هناك سيدة ترقب الموقف من أمام منزلها فجاءت
مسرعة لتعتذر لي وصرفتهم وانصرفت السيدة ومعها الأطفال, ونسيت ما حدث لأنه
شيء عادي من وجهة نظرنا هنا, ولكن في المساء فجأة دق جرس الباب ففتح الشيخ
زهران, وقال لهم: ماذا تريدون ؟ قالوا نريد الشيخ. قال لهم: لماذا ؟
فقالوا لنشرح له ما حدث من الأطفال في الصباح, ونعتذر له. وجلست مع الوفد
الذي جاء تقديراً واحتراماً لي, وقالوا لقد جاء الأطفال ظنّا منهم أن
أبناء الشيخ زهران بالمنزل, لأن الأطفال هنا تعودوا على الخروج إلى
الجناين ليتنزهوا, ولقضاء يوم السبت بالمنتزهات, وكذلك يوم الأحد والأطفال
الذين حضروا إلى هنا وأزعجوك هم أعضاء إحدى جمعيات الأطفال , ونحن جميعاً
المسئولين عن الجمعية, فجئنا ومعنا الأطفال حتى نعتذر لك عما بدر منهم,
لأنك ضيف عزيز, ويجب أن نعمل على راحتك. فقلت في نفسي ياليتنا في مصر نعرف
حق الضيف كما يعرف هؤلاء.





تكريم الدولة للشيخ أحمد الرزيقي : حصل الشيخ أحمد الرزيقي على وسام
الجمهورية من الطبقة الأولى تقديراً لدوره في خدمة القرآن الكريم كما حصل
على العديد من الميداليات وشهادات التقدير ولكن أغلى شهادة وأعظم وسام حصل
عليه كما يقول هو حب الناس إليه.

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ السيد متولي عبدالعال




سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16286

ولادته
: ولد القارىء الشيخ سيد متولي بقرية الفدادنة مركز فاقوس بمحافظة الشرقية
يوم 26 إبريل عام 1947م. في أسرة يعمل عائلها بالزراعة كبقية أهل القرية.


كان والده يتطلع إلى السماء داعياً رب العزة أن يرزقه ولداً بعد البنات
الأربع ليكون لهم رجلاً وملاذاً بعد وفاته. وكانت الأم في شوق إلى ابن يقف
بجوار شقيقاته الأربع بعد رحيلها حتى تطمئن على بناتها بوجود أخ لهن يأوين
إليه عند الشدائد والملمات ويجدنه بجوارهن دائماً. وتأكيداً لرغبة الأم
الشديدة في إنجاب غلام حليم دعت الله أن يرزقها الولد لتهبه لحفظ القرآن
الكريم ليكون أحد رجال الدين وخادماً لكتاب الله عز وجل وعاملاً بحقل
الدعوة الإسلامية. استجاب المولى لرجاء الوالدين ورزقهما بطفل ليبعث في
نفسيهما الأمل ويبث في قلبيهما السكينة والإطمئنان. عم الخير أرجاء البيت
بمقدم الوليد وسهرت الأم ليلها ونهارها ترقب نمو ابنها متمنية أن تراه
رجلاً بين عشية أو ضحاها .. مرت الأيام مر السحاب وتعاقب الليل والنهار
وتوالت الشهور وبلغ الابن الخامسة من عمره فأخذه أبوه وذهب به إلى كتّاب
الفدادنة وقدمه إلى الشيخة (( مريم السيد رزيق )) التي ستقوم بتلقينه
الآيات والذكر الحكيم . وتعاهد الإثنان والوالد والشيخة مريم على الإهتمام
بالإبن سيد متولي أدق ما يكون الإهتمام, ورعايته أفضل ما تكون الرعاية
فتعاون البيت مع الكتاب وقدما العون للطفل ابن الرابعة حتى يتفرغ لحفظ
القرآن ومراجعته وإجادة نطقه. وجدت الشيخ مريم علامات النبوغ ومؤشرات
الموهبة لدى تلميذها فانصب اهتمامها عليه وعاملته معاملة متميزة لتصل به
إلى حيث تضعه الموهبة دون تقصير ولا يأس, فهي المحفّظة التي تخرج على
يديها وفي كتّابها مئات من الحفظة مما مكنها من معرفة إمكانات الموهوب
وكيف تثقل موهبته كملقنة لها خبرتها ونظرتها الثاقبة.

يقول الشيخ سيد متولي عن مرحلة الطفولة : (( .. ولولا الشيخة مريم وفضلها
عليّ ما استطعت أن أحفظ القرآن بهذا الإتقان. ومازلت أذكر محاسنها
وإمكاناتها وأمانتها في التحفيظ والتلقين والصبر على تلاميذها وكيفية
تعاملها مع الحفظة بطريقة تميزها على بقية المحفّظين بالإضافة إلى قناعتها
بما كتبه الله , ولأنها كفيفة اعتبرت عملها رسالة ودعوة إلى الله وكانت
تردد لنا قول النبي (ص) : (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )) وعندما يتخرج
في كتابها حافظ للقرآن كاملاً كنت تجدها أسعد من في الوجود وكأنها ملكت
الدنيا في قبضتها واقتربت من أبواب الجنة باعتبارها من ورثة كتاب الله عزل
وجل .. وهي الآن ما زالت تحفظ القرآن متمتعة بالقبول والرضا ويكفيها من
الخير أنها تستضيف وفود الملائكة كل يوم بكتّابها يزفون إليها البشرى من
ربهم بأن لها من الله أجراً عظيماً )). ولما بلغ الفتى القرآني سيد متولي
السادسة من عمره ألحقه والده بالمدرسة الابتدائية بالقرية فلم ينشغل
بالدراسة عن الكتّاب لأن القرآن كنز الدنيا والآخرة.

عرف الشيخ سيد متولي بين زملاء المدرسة واشتهر بأنه قارىء للقرآن وسعد به
المدرسون والتلاميذ الذين قدموه لتلاوة القرآن كل صباح بالمدرسة وكثيراً
ما افتتح الحفلات التي كانت تقام في المناسبات المختلفة. ظل التلميذ
الموهوب سيد متولي يتردد على كتّاب الشيخة مريم حتى أتم حفظ القرآن كاملاً
وهو في سن الثانية عشرة. أصبح الشيخ سيد متولي قارىء القرية في المناسبات
والمآتم البسيطة وأحيا ليلة الخميس والأربعين فنجح في ذلك بتفوق لأنه نال
إعجاب الناس جميعاً فأشار بعضهم على والده أن يذهب به إلى الشيخ (( الصاوي
عبدالمعطي )) مأذون القرية ليتلقى عليه علم القراءات وأحكام التجويد,
وخاصة أنه يجيد حفظ القرآن وتلاوته بصوت قوي وجميل ولا ينقصه إلا دراسة
الأحكام .. استجاب الوالد لتوجيه المقربين إليه وذهب بابنه إلى الشيخ ((
الصاوي )) حزن عليه تلميذه الشيخ سيد متولي لأنه كان صاحب فضل عليه حيث
علمه أحكام التجويد بروايةحفص باتقان مكنه من تلاوة القرآن بجوار عمالقة
القراء.

ولم يتقصر هذا العطاء وهذا الفضل عند هذا الحد, ولكن شاء القدر أن يبقى
ذكر الشيخ (( الصاوي )) محفوراً بذاكرة الشيخ سيد متولي وكيانه .. وخاصة
بعدما حصل الشيخ سيد متولي على المأذونية خلفاً لأستاذه الشيخ (( الصاوي
)) ليصبح الشيخ سيد قارئاً للقرآن ومأذوناً لقريته (( الفدادنه )) وحباً
في تحصيل علوم القرآن وحرصاً على التمكن من كتاب الله ذهب طموح الشيخ سيد
به إلى قرية العرين المجاورة للفدادنة ليتعلم علوم القرآن والقراءات على
يد الشيخ طه الوكيل فوجد اهتماماً ورعاية وأمانة واتقاناً وحرصاً من الشيخ
الوكيل شجعه على الإغتراف من علمه وأثقل موهبته بما تلقاه من علوم قرآنية
على يد هذا العالم الجليل .. بعد ذلك ذاع صيته في محافظة الشرقية وانهالت
عليه الدعوات من كل أنحاء الشرقية وبدأ يغزو المحافظات الأخرى المجاورة
لإحياء المآتم وكثيراً ما قرأ بجوار مشاهير القراء الإذاعيين أمثال الشيخ
مصطفى إسماعيل والشيخ البنا والشيخ عبدالباسط والشيخ حمدي الزامل والشيخ
السعيد عبدالصمد الزناتي .

يقول الشيخ سيد متولي : (( .. ولما بلغت العشرين عاماً ذاع صيتي ووصلت
شهرتي إلى كل المحافظات المجاورة لمحافظة الشرقية ودعيت لإحياء المآتم
الكبرى بجانب مشاهير القراء فلم تأخذني الرهبة لأنني تعلمت على يد واحدة
من أفضل محفظي القرآن وهي الشيخة مريم التي مازلت أذكر بالفخار أنها
أستاذتي ومعلمتي, وفي البداية لم أنظر إلى الأجر الذي لم يتعد جنيهاً
واحداً عام 1961م وعام 1962م. وفي عام 1970 دعيت لإحياء مأتم كبير ففوجئت
بوجود المرحوم الشيخ محمود علي البنا, فسعدت بأنني سأقرأ بجواره في سهرة
واحدة ولو لم أحصل على أجر فإن سعادتي كانت أعظم, وبعدها قرأت مع المرحوم
الشيخ عبدالباسط والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ الطبلاوي )).

بعد عام 1980م وصلت شهرة الشيخ سيد متولي إلى المحافظات وامتدت في نفس
العام إلى خارج مصر .. فذاع صيته في بعض الدول العربية والإسلامية من خلال
تسجيلاته على شرائط الكاسيت التي جعلته أشهر قارىء خارج الإذاعة وتفوق على
كثير من قراء الإذاعة من حيث الشهرة وحب الناس له. ويرجع سبب هذا التفوق
إلى إمكاناته المتعددة (( صحياً )) ما شاء الله لا قوة إلا بالله ,
وصوتياً متمتعاً بأحبال صوتية قوية جداً وطول في النفس بغير شهيق – كما
يفعل بعض القراء – وصوت رخيم عريض جميل, وقدرته على التلوين وفهمه لمعاني
كلمات القرآن. متميزاً على كل القراء بارتدائه الطربوش (( المغربي )) الذي
كان يرتديه الشيخ أبوالعينين شعيشع في بداية حياته مع القرآن.

قارىء الإذاعات العربية والإسلامية والسفر إلى الخارج : بعد شهور سيبلغ
الشيخ متولي الخمسين عاماً ولم يلتحق بالإذاعة المصرية حتى الآن ولكنه قام
بتسجيل القرآن لبعض الإذاعات العربية والإسلامية وله تسجيلات تذاع بالأردن
وإيران وبعض دول الخليج. وهو الآن أصبح منافساً بقوة لمشاهير القراء
الإذاعيين وخاصة بعدما دخلت تسجيلاته كل بيت وفي متناول كل يد وخاصة
السيارات والمحلات المنتشرة في أكبر ميادين المدن الكبرى .. ويقول عن سبب
شهرته وانتشاره بقوة : (( .. والسبب الحقيقي في شهرتي وذيوع صيتي هو أنني
أراعي الله في تلاوتي لكتابه .. والقارىء إذا كان مخلصاً لربه وللقرآن
وللناس فلن يجد إلا القبول والتوفيق .. وعن علاقاتي فهي طيبة مع كل الناس
وخاصة زملائي القراء ولكن في حدود , لأني دائماً أراجع القرآن في أوقات
الفراغ. وأما عن التقليد فلست من مؤيديه لأن المقلد سرعان ما ينتهي لأن
الناس دائماً يحنون إلى الأصل, وهذا لا ينفي التقليد في البداية فكل قارىء
يبدأ مقلداً ولكن في الوقت المناسب يجب أن يستقل بشخصيته وتكون له طريقته
التي تميزه )) .. ولأن القرآن هو الثروة التي لا تعادلها ثروة في الحياة,
حرص الشيخ سيد على أن يكون له ابن من حفظة القرآن ليكون امتداداً له..
فوجد إقبالاً شديداً من ابنه (( صلاح )) على حفظ القرآن فأرسله إلى كتّاب
الشيخة مريم وهو الآن يحفظ ما يقرب من عشرين جزءاً حفظاً جيداً بجانب
دراسته بالصف الرابع الثانوي بمعهد السلاطنة الديني.

سافر الشيخ سيد متولي إلى كثير من الدول العربية والإسلامية والأفريقية
لإحياء ليالي شهر رمضان وتلاوة القرآن الكريم بأشهر المساجد هناك وله
جمهوره المحب لصوته وأدائه في كل دولة ذهب إليها وهذا الحب والقبول أعز ما
حصل عليه الشيخ سيد متولي على حد قوله. وخاصة إيران والأردن ودول الخليج
العربي.

الإذاعة .. ورحلة كفاحه حتى وصل إلى هذه الشهرة : وعن التحاقه بالإذاعة
يقول: الآن حان الوقت للتقدم للإذاعة والله أدعو أن يوفقني حتى أستطيع أن
أخدم القرآن الكريم من خلال الإذاعة التي تدخل كل بيت داخل مصر وخارجها.
والإذاعة صاحبة فضل على كل قارىء مشهور. ويعتبر الشيخ سيد متولي واحداً من
أشهر القراء الذين دخلوا قلوب الناس وكتبوا لأنفسهم تاريخاً بالجهد والعرق
والكفاح كالشيخ جودة أبوالسعود والشيخ عبدالحق القاضي وغيرهما من القراء
الموهوبين الذين قرأوا القرآن على أنه رسالة ولكن حظهم من الشهرة لم يبلغ
قدرهم, ولكنهم كانوا يعلمون أن ما عند الله خير وأبقى.

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ الشحات محمد أنور




سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16287





ولادته
: ولد القارىء الشيخ الشحات محمد أنور قارىء مسجد الإمام الرفاعي, يوم 1
يوليو, عام 1950م في قرية كفر الوزير – مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية في
أسرة صغيرة العدد .. وبعد ثلاثة أشهر من ولادته, مات أبوه فلم يتمكن الطفل
من تمييز ملامح أبيه الذي ترك طفلاً يتيماً يواجه أمواج الحياة وتقلبات
الأيام بحلوها ومرها. ولأن حنان الأم لا يعادله حنان, احتضنت الأم وليدها
وانتقلت به للإقامة بمنزل جده ليعيش مع أخواله حيث الرعاية الطيبة التي قد
تعوضه بعض الشيء وتضمد جراح اليتيم التي أصابته قبل أن تنبت له الأسنان.


قامل خاله برعايته, وتبناه فكان خير أمين عليه لأنه قام بتحفيظه القرآن.
كان لنشأته في بيت قرآن الأثر الكبير في إتمامه لحفظ القرآن وهو في
الثامنة من عمره, وبواسطة خاله الشيخ حلمي محمد مصطفى رحمه الله راجع
القرآن أكثر من مرة.. ولما بلغ العاشرة ذهب به خاله إلى إحدى القرى
المجاورة وهي قرية (( كفر المقدام )) ليجود القرآن على يد المرحوم الشيخ
علي سيد أحمد ((الفرارجي)) الذي أولاه رعاية واهتماماً خاصاً, لأنه لديه
الموهبة التي تؤهله لأن يكون واحداً من أشهر قراء القرآن في مصر والعالم
كله.


يقول الشيخ الشحات مسترجعاً أيام الطفولة : (( ... في تلك الفترة كنت
سعيداً بحفظ القرآن سعادة لا توصف, وخاصة أثناء تجويدي للقرآن بعد ما
أتممت حفظه .. ولأن صوتي كان جميلاً , وأدائي للقرآن يشبه أداء كبار
القراء, تميزت على أقراني وعرفت بينهم بالشيخ الصغير, وهذا كان يسعدهم
جميعاً وكان زملائي بالكتّاب ينتهزون أي فرصة ينشغل فيها الشيخ عنا
ويطلبون مني أن أتلو عليهم بعض الآيات بالتجويد ويشجعونني وكأنني قارىء
كبير. وذات مرة سمعني الشيخ من بعيد فوقف ينصت إليّ حتى انتهيت من التلاوة
فزاد اهتمامه بي فكان يركز عليّ دون الزملاء لأنه توقع لي أن أكون ذا
مستقبل كبير على حد قوله رحمه الله ... واذكر أنني أثناء تجويدي للقرآن
كنت كثيراً ما أتلو على زملائي ففكر أحدهم أن يحضر علبة كبريت (( درج ))
ويأخذ منها الصندوق ويضع به خيطاً طويلاً ويوصله بالعلبة فأضع أحد أجزاء
العلبة على فمي وأقرأ به كأنه ميكرفون وكل واحد من الزملاء يضع الجزء
الآخر من العلبة على أذنه حتى يسمع رنيناً للصوت فيزداد جمالاً وقوة.. كل
هذا حدد هدفي وطريقي وأنا طفل صغير وجعلني أبحث جاهداً عن كل السبل
والوسائل التي من خلالها أثقل موهبتي وأتمكن من القرآن حتى لا يفر مني
وخاصة بعد ماصرت شاباً مطالباً بأن أعول نفسي ووالدتي وجدتي بعد وفاة خالي
الذي كان يعول الأسرة, فكنت لما أسمع أن أحد كبار العائلات توفي وتم
استدعاء أحد مشاهير القراء لإحياء ليلة المأتم كنت أذهب وأنا طفل في
الثانية عشرة وحتى الخامسة عشرة. إلى مكان العزاء لأستمع إلى القرآن
وأتعلم من القارىء وأعيش جو المناسبة حتى أكون مثل هؤلاء المشاهير إذا ما
دعيت لمثل هذه المناسبة.



المنافسة : الشيخ جوده أبوالسعود والسعيد عبدالصمد الزناتي والشيخ حمدي
الزامل الذين أشعلوا المنافسة في المنطقة بظهورهم دفعة واحدة ولكن والحق
يقال – ظهرت موهبة الفتى الموهوب فجأة لتدفعه بين عشية أو ضحاها ليكون
نداً للجميع واحتل مكانة لا تنكر بينهم رغم صغر سنه فتألق كقارىء كبير
يشار إليه بالبنان وهو دون العشرين عاماً.

كانت بداية الشيخ الشحات بداية قاسية بكل معايير القسوة لم ترحم تقلبات
الحياة المرة طفلاً يحتاج إلى من يأخذ بيده وينشر له من رحمته ويحيطه
بسياج من العطف والحنان وبدلاً من هذا عرف الأرق طريق الوصول إليه فكيف
ينام أو تقر له عين ويسكن له جفن أو يهدأ له بال وهو مطالب بالإنفاق
علىأسرة كاملة فبدأ بتلبية الدعوات التي انهالت عليه من كل مكان وهو ابن
الخامسة عشرة فقرأ القرآن في كل قرى الوجه البحري بأجر بسيط آنذاك لا
يتعدى ثلاثة أرباع الجنيه إذ كانت السهرة بمركز ميت غمر تحتاج إلى سيارة
وقد تصل إلى 7 جنيهات إذا لزم تأجير سيارة مهما يكن نوعها. فكان يعود من
السهرة بما تبقى معه من الأجر ليسلمه إلى جدته ووالدته فتنهال عليه
الدعوات مما يشجعه على تحمل الصعاب في سبيل التطلع إلى إلى حياة كريمة
شريفة يتوجها بتاج العزة والكرامة وهو تلاوة كتاب الله عز وجل .

استطاع الشيخ الشحات في فترة وجيزة أن يكّون لنفسه شخصية قوية ساعده على
ذلك ما أودعه الله إيّاه من عزة النفس وبعد النظر واتساع الأفق والذكاء
الحاد والحفاظ على مظهره والتمسك بقيم وأصالة الريف مع التطلع بعض الشيء
إلى الشياكة في المعاملة التي تغلفها رقة تجعل المتعامل معه يفكر ثم يفكر
أبها تكلف أم أنها طبيعية وهذا ما سنجيب عنه قادماً. في تلك الفترة لم يكن
الشيخ الشحات قد ارتدى زياً رسمياً للقراء ولكنه كان يلبس جلباباً أبيض
والطاقية البيضاء وذات يوم ذهب ليقرأ مجاملة بمأتم خال القارىء الشيخ محمد
أحمد شبيب بقرية دنديط المجاورة لكفر الوزير مباشرة, ولم يكن يتوقع أن
ينال إعجاب الجمهور من الحاضرين بصورة لافتة للأنظار وخاصة الحاج محمد
أبوإسماعيل معلم القرآن بالمنطقة وكان التوفيق حليفه والفتوح الرباني
ملازمه بقوة وكان أحد الحاضرين خاله المرحوم الشيخ محمد عبدالباقي والذي
كان مقيماً بمدينة بورسعيد وأبناؤه موجودون بها حتى الآن. فلما رأى
المرحوم الشيخ محمد عبدالباقي إعجاب الناس الشديد بالشيخ الشحات فرح جداً
وأحضر للشيخ الشحات زياً كاملاً من جملة ما عنده وقام بضبط الزي على مقاس
الشيخ الشحات لأنه كان أطول منه قليلاً , وقام بلف العمامة البيضاء ((
الشال )) على الطربوش وقال له بحنان الخال العامر قلبه بالقرآن .. مبسوط
يا شحات أنت كده أصبحت شيخاً كبيراً وضحك الجميع سروراً وتمنى الموجودون
للشيخ الشحات أن يكون أحد كبار ومشاهير القراء.


الموهبة وبداية الشهرة : وبعد أن تخطى العشرين عاماً بقليل صار للشيخ
الشحات اسماً يتردد في كل مكان وانهالت عليه الدعوات من كل محافظات مصر
وأصبح القارىء المفضل لمناطق كثيرة ظلت آمنة ساكنة لم يستطع أحد غزوها
بسهولة لوجود المرحوم الشيخ حمدي الزامل والشيخ شكري البرعي وتربعهما على
عرش التلاوة بها لدرجة أنها عرفت بأنها مناطق الشيخ حمدي الزامل رحمه
الله. ولكن الموهبة القديرة لا تعرف حدوداً ولا قوانين حتى ولو كانت
القوانين قوانين قلبية مغلقة.. فكانت الموهبة لدى الشيخ الشحات هي المفتاح
السحري الذي يتطاير أمامه كل باب.


وبعد عام 1970م انتشرت أجهزة التسجيل في كل المدن والقرى بطريقة ملحوظة
وخاصة بعد الإنفتاح وكثرة السفر للعمل خارج مصر. لدرجة أن كثيرين تمنوا
السفر ليس لجمع المال ولكن ليكون لديهم جهاز تسجيل يسجلوا ويسمعوا عليه
المشاهير أمثال الشيخ الشحات. وكان ذلك سبباً في شهرة الشيخ الشحات عن
طريق تسجيلاته التي انتشرت بسرعة البرق, ولو تم حصر تسجيلاته في تلك
الفترة لزادت على عشرة آلاف ساعة من التلاوات الباهرة الفريدة التي جعلت
الملايين من الناس يتوقعون لهذا القارىء الموهوب أنه سيكون أحد النجوم
المضيئة في الإذاعة لأنه كان يتمتع بمزايا شخصية وإمكانات صوتية لا تقل عن
إمكانات عمالقة القراء من الرعيل الأول لقراء الإذاعة.


واقعة طريفة : حدثت عام 1978م بقرية (( التمد الحجر )) مركز السنبلاوين
بمحافظة الدقهلية وكان طرفاها الشيخ الشحات والمرحوم الشيخ حمدي الزامل
وفي الحقيقة كان الشيخ حمدي الزامل هو القارىء الأول والأخير لهذه القرية
إلى أن ظهر الفتى الموهوب الشيخ الشحات على حد تعبير أهل القرية فتقاسم
النصيب من الحب مع الشيخ حمدي وتفوق بذكائه فتملك القلوب وحدث أن توفي
اثنان من أهل القرية في يوم واحد بينهما ساعات.. فالذي توفي أولا ارتبط
أهله مع الشيخ الشحات والثاني مع الشيخ حمدي الزامل وكان الشيخ الزامل
وقتها مخضرم وقديم من حيث الشهرة وكان سنه 47 سنة والشيخ الشحات كان سنه
28 سنة والأول إذاعي والثاني غير إذاعي في زهرة شبابه ولكنه أظهر موقفاً
لن ينسى حكّم عقله رغم أن القرية يومها كانت بمثابة مقر لمؤتمر عالمي كبير
جاءتها الوفود من كل مكان لتستمع إلى قطبين في مجال التلاوة ولكن الشيخ
الشحات كان حكيماً فالسرادقان متجاوران والصوت يدخل إليهما بسهولة فلم
يستخدم الشيخ الشحات قوة صوته وصغر سنه ليجهد الشيخ حمدي لكنه كان يكتفي
بأن يقرأ عندما يصدّق الشيخ حمدي الزامل تقديراً للزمالة وحفاظاًَ على
جلال القرآن واحتراماً للموقف العظيم .

الإلتحاق بالإذاعة : كان لا بد لهذا الفتى المتألق دائماً الذي كان يتدفق
القرآن من حنجرته كجدول الماء الجاري العذب أن يشق طريقه نحو الإذاعة,
ولأن شهرته سبقت سنه بكثير وجّه إليه رئيس مركز مدينة ميت غمر في
السبعينات المستشار حسن الحفناوي دعوة في إحدى المناسبات الدينية التي كان
سيحضرها المرحوم د. كامل البوهي أول رئيس لإذاعة القرآن الكريم وذلك عام
1975 – 1976م يقول الشيخ الشحات : (( ... وكان لي صديق موظف بمجلس مدينة
ميت غمر فقال لي رئيس المركز يدعوك لافتتاح احتفال ديني سيحضره كبار
المسئولين ورئيس إذاعة القرآن والحفل سيقام بمسجد الزنفلي بمدينة ميت غمر
فقبلت الدعوة وذهبت لافتتاح الحفل وسمعني المرحوم د. البوهي وقال لي لماذا
لم تتقدم لتكون قارئاً بالإذاعة وأنت صاحب مثل هذه الموهبة والإمكانات
وشجعني على الإلتحاق بالإذاعة فتقدمت بطلب وجائني خطاب للإختبار عام 1976م
ولكن اللجنة رغم شدة إعجاب أعضائها بأدائي قالوا لي أنت محتاج إلى مهلة
لدارسة التلوين النغمي فسألت الأستاذ محمود كامل والأستاذ أحمد صدقي عن
كيفية الدراسة فدلني الأستاذ محمود كامل على الإلتحاق بالمعهد الحر
للموسيقى فالتحقت به ودرست لمدة عامين حتى صرت متمكناً من كل المقامات
الموسيقية بكفاءة عالية. وفي عام 1979م تقدمت بطلب.. للإختبار مرة ثانية
أمام لجنة اختبار القراء بالإذاعة.. طلب مني أحد أعضاء اللجنة أن أقرأ 10
دقائق أنتقل خلالها من مقام إلى مقام آخر مع الحفاظ على الأحكام ومخارج
الألفاظ والتجويد والإلتزام في كل شيء خاصة التلوين النغمي وبعدها أثنى
أعضاء اللجنة على أدائي وقدموا لي بعض النصائح التي بها أحافظ على صوتي
وانهالت عليّ عبارات الثناء والتهاني من الأعضاء وتم اعتمادي كقارىء
بالإذاعة عام 1979م.

وتم تحديد موعد لي لتسجيل بعض التلاوات القصيرة حتى تذاع على موجات إذاعة
القرآن الكريم بالإضافة إلى الأذان وعدة تلاوات منها خمس دقائق وعشر دقائق
وخمس عشرة دقيقة وبعد اعتمادي كقارىء بالإذاعة بحوالي شهر فقط كنت موجوداً
باستوديو

((41)) إذاعة للتسجيل يوم 16/12/1979م اتصل بي الأستاذ أحمد الملاح
المسئول عن الإذاعات الخارجية والتخطيط الديني آنذاك وقال لي: أنت جاهز
لقراءة قرآن الفجر لأن القارىء اعتذر لظروف خاصة؟ فقلت طبعاً أنا جاهز
وكانت مفاجاة لي وفرحتي لا توصف فاسرعت إلى القرية وقطعت المسافة بين ميت
غمر والقاهرة في أقل من ساعة لكي أخبر الأسرة وأهل القرية بأنني سأقرأ
الفجر الليلة فعمّت الفرحة أرجاء القرية ولم ينم أحد من أبناء قريتي حتى
قرأت الفجر وعدت فوجدت مئات من المحبين والأهل والأقارب والأصدقاء في
انتظاري لتهنئتي ليس على قراءة الفجر على الهواء فحسب وإنما على التوفيق
كذلك لأن الله وفقني جداّ وبعدها جاءتني وفود من جميع محافظات مصر لتهنئتي
لأنني كنت مشهوراً جداً في جميع المحافظات قبل الإلتحاق بالإذاعة وكانت
دائرة علاقاتي كبيرة على مستوى الجمهورية.

نجح الشيخ الشحات في الاستقلال بنفسه وجعل له مدرسة في فن التلاوة وحسن
الأداء. وأصبح يوم 16/12/1979م يوماً لا ينسى في حياة الشيخ الشحات وفي
ذكريات عشاق صوته وفن أدائه إذ كان اليوم التاريخي الذي وصل فيه صوته إلى
كل أقطار الدنيا عن طريق الإذاعة أثناء قراءة قرآن الفجر على الهواء, وبعد
ذلك اليوم أصبح الشيخ الشحات حديث الناس جميعاً وخاصة مشاهير القراء ..
وذات يوم قابله المرحوم الشيخ محمود علي البنا وهنأه على حسن أدائه وجمال
صوته ونصحه بالحفاظ صوته لأنه سيكون أحد مشاهير القراء البارزين .. وقبل
وفاته بأيام قال الشيخ البنا للأستاذ عصمت الهواري وهو يسمعه في قراءة
الجمعة على الهواء: (( الشيخ الشحات سيكون من أعلام مصر في التلاوة )).


في الفترة من 1980م إلى 1984م تربع الشيخ الشحات على الساحة مع أعلام
القراء واستطاع أن يحقق إنجازاً كبيراً وشهرة واسعة في فترة عزّ فيها
العمالقة واختلطت فيها الأمور وماجت الساحة بكثير من الأصوات القرآنية
التي تشابهت واختلطت لدرجة أن السامع تاه وفكر في الإنصراف إلى كل ما هو
قديم. كان قرآن الفجر عبر موجات الإذاعة هو البوابة الرئيسية التي دخل
منها الشيخ الشحات إلى قلوب الملايين من المستمعين بلا اقتحام وبلا تسلق
ساعده على ذلك بقاؤه بمصر خلال شهر رمضان لمدة خمس سنوات بعد التحاقه
بالإذاعة ولأن قرآن الفجر آنذاك كان مسموعاً جداً لأن شهر رمضان كان يأتي
في فصل الصيف خلال تلك الفترة وكان الناس جميعاً يسهرون حتى مطلع الفجر,
نجد أن هذا كان عاملاً مهماً من العوامل التي ساعدت الشيخ الشحات على
الانتشار والشهرة التي كان مقابلها جهد وعرق وكفاح والتزام من جانب الشيخ
الشحات. وكان هذا القارىء الموهوب يقرأ أربع مرات في شهر رمضان على الهواء
في الفجر وأربع مرات في سرادق قصر عابدين بانتظام مما جعل جماهيره وعشاق
صوته يتوافدون من كل المحافظات ليستمعوا إليه ثقة منهم في قدراته
وإمكاناته التي تمكنه وتساعده على إشباع شوقهم بما لا يقل عن ثلاثين
جواباً أثناء التلاوة الواحدة وأحيانا يصل جواب الجواب إلى أكثر من عشر
مرات باتقان وتجديد والتزام شهد به المتخصصون في علوم القرآن.


في عام 1984م قرأ الشيخ الشحات في الفجر : أول (( غافر )) ثم قرأ في الفجر
الذي يليه بعد أسبوع من سورة (( فاطر )) { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى
الله } ووفق لدرجة جعلت شهرته تزداد أضعافاً مضاعفة على المستويين المحلي
والعالمي .. وخاصة تلاوة سورة فاطر التي لما سمعها الشيخ فرج الله الشاذلي
وهو يمشي في مدينة إيتاي البارود يجري في الشارع مسرعاً ليتمكن من تسجيل
بقيتها (( وهذا ما قاله الشيخ فرج الله للشيخ الشحات )) .. وهذه شهادة من
قارىء عالم لقارىء موهوب .. وهكذا فرض الشيخ الشحات موهبته على الساحة
ليكون أحد القراء الموهوبين الذين دوّن التاريخ أسماءهم على صفحة
المشاهير. وكان أهم ما يميز الشيخ الشحات في تلك الفترة, الحيوية ..
والرشاقة في الأداء والقدرة على التلوين أسفر ذلك كله عن أكثر من ثلاثمائة
قارىء بمحافظات مصر يدعون إلى مآتم ومناسبات كبرى لأنهم يقلدون هذا
القارىء الموهوب.

مدرسة الشيخ الشحات: أشهرهم على سبيل المثال. القارىء الشيخ ناصر الزيات,
والشيخ (( شعبان الحداد )) والشيخ عبداللطيف وهدان (( بكفر طنبول القديم
)) السنبلاوين , والشيخ محمود بدران بالشرقية, والشيخ إسماعيل الطنطاوي
المنصورة والشيخ ((محمد المريجي )) حدائق القبة والمحامي (( علاء الدين
أحمد علي )) شبرا الخيمة وغيرهم من القراء الذين يقدر عددهم بحوالي ألف
قارىء بمصر والدول الأخرى الذين قلدوا طريقته بخلاف ما لا يقل عن خمسة من
قراء الإذاعة يأخذون كثيراً من (( النغم )) الذي ابتكره هذا القارىء
الموهوب.. وأقرب الأصوات إلى خامة صوت الشيخ الشحات صوت نجله (( أنور
الشحات )) الذي حباه الله صوتاً جميلاً وأداءً , قوياً متأثراً بأبيه الذي
دائماً يقدم له النصائح الغالية.. أهمها تقوى الله في القراءة.. ولقد ظهرت
موهبته جلية واضحة عندما قرأ في احتفال المولد النبي الشريف (ص) عام 1994م
بالإسكندرية وكرّمه السيد الرئيس محمد حسني مبارك. والذي يشغل القارىء
الصغير أنور الشحات عن التلاوة في الحفلات.. حرصه الشديد على التركيز في
دراسته بجامعة الأزهر الشريف .. ويلي أنور في التلاوة الجيدة أخوه محمد
الشحات والذي يتمنى أن يكون داعية – وإن كان يحتاج إلى التدريب على مواجهة
الجمهور .. وأما محمود فصوته أكثر جمالاً إلا أنه يشعر بأنه صغير جداً
ولكن والده يقول له دائماً : (( يا شيخ محمود كلنا كنا أصغر منك سناّ
وبكره الصغير يكبر يا بني .. )) ودائماً يوجه الشيخ الشحات النصائح إلى
أبنائه بالمحافظة على القرآن ليشار إلى العائلة بأنها عائلة قرآنية ..
ولكنه يعطي الحرية الكاملة لبناته في الحفظ مما يساعدهم على المنافسة فيما
بينهم .. فالكبرى نجلاء الشحات تحفظ أكثر من نصف القرآن .. وهي حاصلة على
بكالوريوس زراعة وهي متزوجة من (( د. هاني الدّوّه )) . بكلية الزراعة
جامعة الزقازيق. وأمينة التي تدرس بكلية التجارة جامعة الأزهر وحسنات
بالثانوية وكريمة وأسماء وضحى يحفظن ما تيسر من القرآن الكريم .. ما شاء
الله.

السفر إلى دول العالم : وللشيخ الشحات كثير من المجبين بصوته وأدائه في كل
محافظات مصر, أشهرهم الرابطة التي كونها الحاج مصطفى غباشي بمحافظة
الغربية.

وبعد ذلك كله كان لا بد من نقلة إلى آفاق عالية في عالم التلاوة تنبأ
الناس له بمستقبل أكبر مما هو فيه, ولأنه يتمتع بذكاء وطموح ودبلوماسية في
المعاملة استطاع أن يرتل القرآن ويفتح باباً لجملة من القراء ليرتلوا
القرآن فأصبحوا كالمسبحة في عالم الترتيل.

بعد ما بنى الشيخ الشحات قاعدة شهرته العريضة اطمأن على أساسها المتين
أراد أن ينطلق ليتم البناء ويشيده بالإنتشار والبحث عن المزيد من المجد
والتاريخ في كل قارات الدنيا فلم يترك قارة إلا وذهب إليها قارئاً في شهر
رمضان منذ 1985م وحتى عام 1996م فكان يسافر مرات مكلفاً ومبعوثاً من قبل
وزارة الأوقاف المصرية ومرات بدعوات خاصة .. فتعلق به الملايين من محبي
سماع القرآن خارج مصر المستمعين بالمركز الإسلامي بلندن ولوس أنجلوس
والأرجنتين واسبانيا والنمسا وفرنسا والبرازيل ودول الخليج العربي
ونيجيريا وتنزانيا والمالديف وجزر القمر وزائير والكاميرون وكثير من دول
آسيا وخاصة إيران.

وعلى حد قوله لم يبغ من وراء كل هذه الأسفار إلا وجه الله وإسعاد المسلمين بسماع كتاب الله العظيم .

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ راغب مصطفى غلوش





سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16288




ولادته
: ولد القارىء الشيخ راغب مصطفى غلوش قارىء المسجد الدسوقي بدسوق, يوم
5/7/1938م بقرية (( برما )) مركز طنطا بمحافظة الغربية.. أراد والده أن
يلحقه بالتعليم الأساسي ليكون موظفاً كبيراً, ولكن تدبير الأمور بيد
الخالق جلت قدرته. فالكتاتيب كثيرة بالقرية والإقبال عليها ملحوظ وملموس,
وكان الناس في ذلك الوقت يهتمون بتحفيظ أبنائهم القرآن ليكونوا علماء
بالأزهر الشريف لأن كلمة ( عالم ) لا تطلق في نظرهم إلا على رجل الدين
وخاصة إمام المسجد الذي يلقي خطبة الجمعة, ولحكمة لا يعلمها إلا الله أشار
أحد الأقارب على الحاج مصطفى غلوش بأن يأخذ ولده راغب ويسلمه لأحد المشايخ
المحفظين لكي يحفظه القرآن ولأن النازع الديني موجود بقوة في قلوب أهل
الريف أمثال الحاج مصطفى جعلته يوافق على هذه الفكرة وصرح لابنه (( راغب
)) بالذهاب إلى الكتاب بعد انتهاء اليوم الدراسي ولكن الموهبة أعلنت عن
نفسها فكان الطفل الصغير ابن الثامنة حديث أهل القرية وخاصة المحفظين
والحفظة. وكان لجمال صوته الأثر الواضح في شدة اهتمام (( سيدنا )) به
وإسداء النصح له والمراقبة الدائمة لأنه توسم به الخير وتوقع له مستقبلاً
زاهراً بين مشاهير القراء وكان ذلك سبباً في تفوق الطفل راغب في حفظ
القرآن الكريم قبل سن العاشرة. وبعد حفظه التام للقرآن جوده بالأحكام على
يد الشيخ عبدالغني الشرقاوي بقريته برما.

في الرابعة عشرة من عمره ذاع صيته بالقرى المجاورة حتى وصلت مدينة طنطا
معقل العلماء. توالت الدعوات وانهالت عليه من القرى والمدن القريبة من
قريته في شهر رمضان عام 1953 بقرية (( محلة القصب )) بمحافظة كفر الشيخ,
وكان سنه ( 15 سنة ), كانت المهمة شديدة الصعوبة في البداية. كيف يحتل
المكانة المرموقة وسط جو يموج بمنافسات ضارية بين جهابذة تربعوا على عرش
التلاوة في هذه البقعة بوسط الدلتا والوجه البحري وخاصة محافظة الغربية
التي نشأ فيها الشيخ راغب في ظل وجود عملاقين على مقربة منه كان الله في
عون من حاول الاقتراب من مزاحمتها أو المحاولة لإثبات الوجود بينهما ا
لأول الشيخ مصطفى إسماعيل, والثاني الشيخ محمود خليل الحصري, وكل منهما
نشأ في إحدى قرى طنطا, والتي إحدى قراها قرية برما منشأ الشيخ راغب.

لم يعبأ القارىء الشاب والفتى الطموح بما يسمع وما يرى من احتدام للمنافسة
التي اشعل فتيلها الشيخ مصطفى إسماعيل القارىء الفذ فكان لزاما على الشيخ
راغب أن يبحث عن العوامل التي تساعده على الوقوف على أرض صلبة وقواعد
متينة من خلالها يستطيع أن يلبي دعوة ربما يصادفه فيها واحد من هؤلاء ففطن
إلى أن المجد لا يقبل من تلقاء نفسه وإنما يجب على طالبه أن يسعى إليه
بالجهد والعرق والمثابرة فبحث الشيخ راغب عن شيخ متين في علوم القرآن
ليتلقى عليه علمي التجويد والقراءات فاتجه إلى قبلة العلم القرآني بمدينة
طنطنا والتحق بمعهد القراءات بالمسجد الأحمدي وتوّلاه بالرعاية المرحوم
الشيخ إبراهيم الطبليهي. يقول الشيخ راغب : (( .. ووفقت لأن أجعل من وجود
الشيخ مصطفى إسماعيل بمنطقتنا دافعاً ومثلاً أعلى فحاولت تقليده واتجهت
إلى مدينة طنطا باحثاً عن عالم قراءات فوجهني أحد المعارف إلى رجل بالمعهد
الأحمدي اسمه المرحوم الشيخ إبراهيم الطبليهي الذي علمني التجويد والأحكام
السليمة وقرأت عليه ورش وأهلني لأن أكون قارءاً للقرآن كل يوم بالمقام
الأحمدي., وخاصة بين أذان العصر والإقامة فالتف الكثيرون من حولي وبفضل
الله دخلت قلوب الكثير من الناس, وخاصة لأنني كنت أقلد الشيخ مصطفى في
أدائه الرائع المحبب لدى الناس جميعا ودعيت للسهر بمعظم قرى محافظة
الغربية وعرفت بالمحافظات المجاورة مما جعلني أثق بنفسي تمام الثقة بالجهد
والعرق والصبر والحرص الشديد على القرآن وتلاوته بالتزام وتقوى. إستطاع
القارىء الشاب راغب مصطفى غلوش أن يصنع له مجداً وهو صغير قبل أن يبلغ
الثامنة عشرة حتى جاء حق الدفاع عن الوطن وطلب للتجنيد وأداء الخدمة
الإلزامية (( الوطنية )) والتي لا بد عنها ولا مفر منها .. تقدم للتجنيد
عام 1958م وكان سنه عشرين عاماً تم توزيعه على مركز تدريب بلوكات الأمن
المركزي بالدراسة فيقول : (( .. ونظراً لالتحاقي بقوات الأمن المركزي
بالدراسة كنت أتردد دائماً على مسجد الإمام الحسين (ع) عنه لأصلي وأتطلع
لأن أقرأ ولو آية واحدة بأكبر مساجد مصر والقاهرة وأشهرها وكنت حريصاً على
تقديم نفسي للمسئولين عن المسجد حتى تتاح لي الفرصة لأقرأ عشراً أو أرفع
الأذان في هذا المسجد الكبير فتعرفت على شيخ المسجد الحسيني المرحوم الشيخ
حلمي عرفه وقرأت أمامه ما تيسر من القرآن فأعجب بي جداً ... وذات يوم
أفصحت له عما أتمناه وطلبت منه أن يسمح لي بالأذان وقراءة عشر قبل إقامة
الصلاة .. فقال لي يا راغب إذا تأخر الشيخ طه الفشني فسيكون لك نصيب وتؤذن
العصر وتقرأ العشر .. فدعوت الله من كل قلبي أن يتأخر الشيخ طه الفشني
وكأن أبواب السماء كلها كانت مفتحة فاستجاب الله لي وتأخر الشيخ الفشني
واقترب موعد الأذان فقال لي الشيخ حلمي جهز نفسك واستعد, وقال لملاحظ
المسجد خذ راغب علشان يؤذن فأخذني وأوقفني بجوار الشيخ محمد الغزالي رحمه
الله حتى انتهى من إلقاء الدرس بحلول موعد أذان العصر. كان وقتها الشيخ
مصطفى إسماعيل يضيف عبارة في آخر الأذان ويقول: (( ... الصلاة والسلام
عليك يا نبي الرحمة يا ناشر الهدى يا سيدي يا رسول الله )) فكنت أؤذن كما
لو أن الشيخ مصطفى هو الذي يؤذن. كل ذلك وأنا مرتدي الزي العسكري الذي لفت
أنظار الناس إليّ, وكان هذا في رمضان والصوت في الصيام يكون رخيما وناعماَ
وجميلاً عذباً, وقرأت العشر وبدأت بسورة الحاقة فانقلب جو المسجد إلى ما
يشبه سرادقاً في ميدان واندمجت في التلاوة بتشجيع الناس لي والله يفتح
عليك يبارك فيك تاني الآية دي وقرأت آيات أكثر من مرة بناء على طلب
الموجودين بالمسجد ووصل وقت التلاوة إلى أكثر من نصف ساعة. وعدت إلى
المعسكر وفرحتي لا توصف وزادت ثقتي بنفسي مما جعل القائد يسلمني مسجد
المعسكر كمسئول عنه طوال مدة خدمتي .. وللحق كان القائد يسمح لي بالخروج
في أي وقت فكنت أتردد كثيراً على مسجد الإمام الحسين (ع) واشتهرت به وفرحت
بذلك تماماً لأنني أقرأ بمسجد يقرأ السورة به المرحوم الشيخ محمود خليل
الحصري ويؤذن به المرحوم الشيخ طه الفشني ويلقي الدرس به والخطبة المرحوم
العالم الجليل الشيخ الغزالي إنه لشرف عظيم يتمناه كل من هو في سني , وكل
من هو حافظ للقرآن .


من المسجد الحسيني إلى الإذاعة : وفي مسجد الإمام الحسين بدأت أنطلق إلى
ما كنت أحلم به تعرفت على كبار المسئولين بالدولة وتقربت منهم وشجعوني على
القراءة أمام الجماهير, وكانوا سبباً في إزالة الرهبة من نفسي, وكانوا
سبباً قوياً في كثير من الدعوات التي وجهت إليّ لإحياء مآتم كثيرة
بالقاهرة زاملت فيها مشاهير القراء بالإذاعة أمثال الشيخ مصطفى, والشيخ
عبدالباسط والشيخ الحصري وغيرهم من مشاهير القراء.

وكان من بين رواد المسجد الحسيني الأستاذ محمد أمين حماد مدير الإذاعة
آنذاك فقال له الحاضرون يا أستاذ إعط راغب كارت حتى يتمكن من دخول الإذاعة
لتقديم طلب الإلتحاق كقارىء بالإاذعة وفعلاً أعطاني الكارت وقال تقابلني
غداً بمكتبي بمبنى الإذاعة بالشريفين. ذهبت إلى مسجد الإمام الحسين فوجدت
الشيخ حلمي عرفة وبصحبته اللواء صلاح الألفي واللواء محمد الشمّاع ووافق
الثلاثة على الذهاب معي لمقابلة السيد مدير الإذاعة الذي أحسن استقبالي
بصحبتهم وكتبت الطلب وبه عنواني بالبلد, وجاءني خطاب به موعد الاختبار
كقارىء بالإذاعة وذلك قبل خروجي من الخدمة بشهر. وحسب الموعد ذهبت إلى
الإذاعة ليتم اختباري أمام اللجنة, ووجدت هناك حوالي 160 قارئاً فقالوا
لي: أنت ضمن الحرس؟ لأنني كنت مرتديا الزي العسكري – فقلت أنا زميل لكم
وعندي امتحان مثلكم فتعجبوا وقال بعضهم ندعوا الله لك بالتوفيق. ونادى
الموظف عليّ في دوري المقرر فدخلت أمام لجنة القرآن لأن اللجنة كانت قسمين
قسم للقرآن, والثاني للصوت فودتني أمام لجنة مكونة من كبار العلماء
كالدكتور محمد أبوزهرة, والشيخ السنوسي, والدكتور عبدالله ماضي. ولجنة
الصوت مكونة من الأستاذ محمود حسن إسماعيل الشاعر المعروف والأستاذ حسني
الحديدي الإذاعي القدير والأستاذ محمد حسن الشجاعي, والدكتور أبوزهرة
فقالوا لي: إقرأ من قوله تعال : { مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا
وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون (160) قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ
وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) } الأنعام . وكنت موفقاً
بفضل الله تعالى وأثنى عليّ أعضاء اللجنة ونصحوني بالمحافظة على صوتي,
وكانت الساعة حوالي الواحدة صباحاً من السابعة مساء إلى الواحدة صباحاً ما
بين انتظار دوري واختباري .. وبعد عشرين يوماً جاءني خطاب من الإذاعة بما
حدث أثناء اختباري كقارىء بالإذاعة فأخذت الخطاب وذهبت إلى معهد القراءات
بالأزهر وسألتهم عن مضمون الجواب وما قرره أعضاء اللجنة, فقال لي شيخ
المعهد يا راغب أنت نلت إعجاب كل أعضاء اللجنة والقرار يوضح ذلك ودرجاتك
مرتفعة في الحفظ والتجويد والأحكام وأنت ستدخل تصفية لإجراء الصوت فقط.
توجهت إلى دارم الإذاعة بالشريفين واطلعت على النتيجة فوجت أنني ضمن
السبعة الناجحين من مائة وستين قارئاً ولنا تصفية للاختبار في الصوت ففرحت
فرحة لا مثيل لها, وكدت أطير من شدة الفرح والسعادة. واكتسبت ثقة بنفسي لا
حدود لها لأنني قطعت ثلاثة أرباع المسافة في طريق الوصول إلى الإذاعة
واقتربت جداً من الدخول بين كوكبة من مشاهير القراء بالإذاعة وكانوا كلهم
أفذاذاَ ومشاهير وأصحاب شهرة عالية, أمثال الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ
محمد صديق المنشاوي والشيخ الفشني, والشيخ عبدالعظيم زاهر, والشيخ
البهتيمي, والشيخ عبدالباسط, والشيخ البنا وغيرهم من فحول القراء أصحاب
المدارس المختلفة .. وبعد أقل من شهر دخلت اختبار التصفية, وكان التوفيق
حليفي بفضل الله تعالى, فأديت أداءً رائعاً, ورأيت علامات البشرى في وجوه
أعضاء اللجنة فازددت طمأنينة وثباتا وثقة بنفسي, وزالت الرهبة ونسيت أنني
أمام لجنة امتحان, وقدمت كل ما لدي من جهد وإمكانات مع الحرص الشديد على
الأحكام, ونسى أعضاء اللجنة أنهم يختبرون قارئاً فتركوني أقرأ مدة طويلة
فشعرت أنهم يسمعون القرآن, استحسانا وإعجاباً بصوتي وأدائي, وبعد انتهائي
من التلاوة جلست معهم بضع دقائق, ولم يخفوا إعجابهم بصوتي وطريق الأداء
فنصحوني بالمحافظة على صوتي وخاصة من التدخين وتناول المشروبات المثلجة
فازداد أملي في النجاح.

شاويش وقارىء بالإذاعة : بعد ذلك انشغلت بإنهاء إجراءات تسليم مهماتي
وإخلاء طرفي من بلوكات الأمن بانتهاء مدة تجنيدي التي لم يتبق عنها إلا
عشرين يوماً قمت بعدها بالحصول على شهادة تأدية الخدمة الوطنية وأقيم لنا
حفل بسيط في الوحدة أنا وزملائي الذي دخلوا معي التجنيد. لم أنس النتيجة
النهائية لاعتمادي قارئاً بالإذاعة, ولم أتوقع ظهور النتيجة قبل شهرين أو
ثلاثة على الأقل ولكنها ظهرت أثناء إنهائي إجراءات الخروج من الخدمة ا
لوطنية بالأمن المركزي , ولم أعلم إلا من هذا الموقف (( شاويش يدخل
الإذاعة )) .

حصلت على شهادة إنهاء الخدمة وذهبت إلى بلدتي (( برما )) فوجدت ما لم
أتوقع قابلني أهل القرية مقابلة غريبة عليّ .. الفرحة والسعادة تعمرهم
ويقولون لي ألف مبروك يا راغب واحتضنوني وكادوا يحملونني على أعناقهم كل
هذا وأنا غير مصدق لما يحدث فقلت لهم: هو أنتم عمركم ما شفتم عسكري خرج من
الخدمة إلا أنا إيه الحكاية ؟ فقالوا هو أنت ما سمعتش الخبر السعيد ؟ فقلت
لهم: وما هو الخبر السعيد ؟ قالوا: صورتك واسمك في كل الجرايد بالخط
العريض )). (( شاويش ومقرىء )) وسبحان الله الذي ثبت فؤادي وألهمني الصبر
وتحمل هذا الخبر السعيد جداً جداًَ والذي جاء في وقته, وكأنه كان مكافأة
إنهاء خدمتي الوطنية عام 1962م, إنه كان خبراً قوياً وشديداً يحتاج إلى
عقل وصبر جميل لعدم الإفراط في الفرحة حتى لا تأتي بنتيجة عكسية, ولما لا
تكون فرحة كبرى وأنا في هذه السن التي لا تتعدى اثنين وعشرين عاماً وسأكون
أصغر قارىء بالإذاعة في عصرها الذهبي وذلك عام 1962م.

السفر إلى دول العالم : سافر الشيخ راغب إلى معظم دول العالم في شهر رمضان
لأكثر من ثلاثين عاماً متتالية قارئاً لكتاب الله عز وجل لم يرجو إلا
ابتغاء مرضاة الله إيمانا منه بأنها رسالة جليلة يجب تأديتها بما يليق
وجلالها .. له في منطقة الخليج العربي جمهور يقدر بالآلاف مما جعلهم
يوجهون إليه الدعوات لإحياء المناسبات الرسمية وخاصة في الكويت والإمارات
والسعودية .. في السنوات الأخيرة يفضل البقاء بمصر في شهر رمضان المبارك
ليسعد الملايين من خلال تلاوته القرآن الفجر والجمعة والمناسبات المختلفة
ليسد فراغاً يتسبب عنه سفر زملائه من مشاهير القراء إلى دول العالم لإحياء
ليالي شهر رمضان , للشيخ راغب مصحف مرتل يذاع بإذاعات دول الخليج العربي
صباح مساء .. وما زال هذا القارىء الفريد صاحب الصوت العذب الندي الجميل
يتلو قرآن الفجر مرة كل شهر بأشهر مساجد مصر على الهواء مباشرة بالإضافة
إلى تلاوته لقرآن الجمعة والمناسبات الدينية عبر موجات الإذاعة وشاشات
التليفزيون ليستمتع الملايين من عشاق صوته والمتيمين لفذة أدائه وحسن
تلاوته ووقار صوته وجماله من المواقف التي لا تنسى عبر رحلته مع القرآن
خلال نصف قرن من الزمان .. جاب أقطار الدنيا كلها تالياً كتاب الله عز وجل
.


مواقف في حياته لن ينساها : يقول الشيخ راغب : (( ... وأثناء تجنيدي
ببلوكات الأمن بالدراسة عام 1961م حدث أن توفي أحد اللواءات بوزارة
الداخلية وأقيم له (( مأتم )) كبير بميدان العباسية .. فوجئت بالسيد
القائد يقول لي: يا راغب فيه مأتم بالعباسية والعزاء مساءّ والمتوفى أحد
قيادات وزارة الداخلية . وأنا رشحتك لتقرأ مع الشيخ الإذاعي الذي دعي
لإحياء المأتم .. فلم يزد ردّي على قولي للسيد القائد : تمام يا فندم ,
وقتها كنت أرتدي الزي العسكري ولكنني كنت أحتفظ بزي القراء الخاص بي
بحقيبتي داخل المعسكر, ونظراً لقرب المعسكر (( بالدراسة )) من المكان
المقام به العزاء – صليت المغرب وتوجهت إلى السرادق المقام بالعباسية.
ولما اقتربت من الميدان وجدت سرادقاً لم أر مثله في ذلك الوقت من حيث
المساحة وعدد المعزين من الرتب والمناصب الكبرى .. والصوت المنبعث من
مكبرات الصوت المنتشرة في كل مكان حول السرادق – كان صوت الشيخ عبدالباسط
عبدالصمد .. فقلت لنفسي : (( ما الذي ستفعله يا راغب مع هذا العملاق ؟ لأن
المرحوم الشيخ عبدالباسط كان صاحب إمكانات متعددة .. من الممكن أن تنزل
الرعب على أي قارىء تأتي به الأقدار إلى سهرة هو قارئها .. ولأنه كان
الاسم الذي زلزل الأرض تحت أقدام قراء عصره, وهذه كلمة حق .. دعوت الله أن
يثبتني واستعنت به على مواجهة هذا الموقف .. جلست أمام الشيخ عبدالباسط ,
فلما رآني علم بذكائه وخبرته أنني قادم لمشاركته القراءة. فأنذرني بعدة
جوابات متتالية تجلت فيها أروع فنون الأداء القرآني مستخدماً كل ما أنعم
الله عليه من إمكانات صوتية وتجويدية وصحية, وبعد انتهائه من القراءة سلمت
عليه ورحب بي وقال لي : موفق بإذن الله .. صعدت أريكة القراءة وقرأت
قرآناً وكأنه من السماء وكأن التجلي الرباني والتوفيق الإلهي اجتمعا ونزلا
عليّ فأديت بقوة ابن العشرين فانقلبت الموازين بتعاطف الموجودين معي مما
ساعدني على مواصلة التلاوة بناء على رغبة الحاضرين )) , وبعد ما قلت صدق
الله العظيم سمعت من عبارات الدعاء والثناء والإعجاب ما أبكاني من شدة
الفرحة الغامرة .. وبعد انتهاء المأتم فوجئت بأحد القادة يعطيني (( ظرف
جواب )) فرفضت أخذه .. فقال لي أترفض ما يقدمه لك أحد قادتك ؟ فقلت سيادتك
أنا جئت من المعسكر تنفيذا لتعليمات السيد القائد .. فقال: والآن يجب أن
تنفذ التعليمات كذلك . فأخذت (( ظرف الجواب )) ولما فتحته وجدت به ما يعدل
ثلاثين سهرة بالنسبة لي (( وجدت به خمسة عشر جنيهاً )) بينما كنت أحصل على
خمسين قرشاً في المأتم .. وهذا كان قبل عيد الأضحى بأيام فقلت الحمد لله
ثم الحمد لله ثم الحمد لله .. وموقف آخر في حياته لن ينساه أبداً وأرجو أن
يقرأه قراؤنا لعلهم يعملون به.

يقول الشيخ راغب : (( .. وسنة 1965م وبعد التحاقي بالإذاعة بثلاث سنوات
جاءني خطاب بموعد التسجيل باستوديو الإذاعة بالشريفين وبالخطاب تحديد
الموعد من 12 ظهراً إلى الواحدة. في نفس اليوم ارتبطت بمأتم بالمنوفية ..
فذهبت إلى الإذاعة قبل موعدي بساعة كاملة حتى أتمكن من الانتهاء من
التسجيل بسرعة نظراً لارتباطي بمأتم ففوجئت بالمرحوم الشيخ محمد صديق
المنشاوي يدخل الاستوديو قبل أن أجلس للتسجيل لأنه كان حاجزاً في نفس
الوقت قبلي بساعة فقال لي حجزك الساعة كم يا شيخ راغب ؟ قلت له بعد ساعة,
ولكن ظروفي كذا وكذا. فقال للمسئول عن التسجيل : نظراً لظروف الشيخ راغب
أرجو تأجيل حجزي إلى غد أو بعد غد ودعا لي بالتوفيق في التسجيل وفي السهرة
. وانصرف الرجل مبتسماً بعد ما ترك لي وقته كاملاً. ومرت الأيام ورحل
فضيلته يحمل معه ما بقي من فضيلة اتّسم بها جيل كامل من العمالقة الأبرار
بالقرآن وأهله .

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ شعبان عبدالعزيز الصياد




سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16289




مولده

· ولد الشيخ/ شعبان عبد العزيز الصياد بقرية صراوة التابعة لمركز آشمون
بمحافظة المنوفية وذلك فى 20/9/1940م. وهذه القرية تعرف بقرية القرآن
الكريم حيث تتميز بكثرة الكتاتيب والمحفظين الأجلاء الذين حفظ وتخرج على
أيديهم بعض الأعلام والمشاهير بجمهورية مصر العربية وفى مقدمتهم الشيخ
شعبان الصياد.


نشأ الشيخ شعبان الصياد فى منزل ريفى متواضع عن أم ريفية وأب هو الشيخ/
عبد العزيز إسماعيل الصياد. الذى كان يتمتع بجمال فى الخلق والخلق إضافة
إلى جمال وعذوبة صوته الذى كان يعرفه الجميع فى هذه القرية وفى القرى
والمدن المجاورة. فقد كان صوته ملائكياً يشبه إلى حد كبير صوت الشيخ/ محمد
رفعت. وذلك حسب روايات عديدة سمعانها ممن عاصروه. وكان الشيخ/ عبد العزيز
(والد الشيخ شعبان الصياد) يدعى الى السهرات والمناسبات وذاع صيته. وقدم
نفسه الى الاذاعة المصرية وكان ذلك فى أوائل الأربعينات وعندما ظهرت نتيجة
امتحانه أمام لجنة الاستماع فى الاذاعة وتم ارسال خطاب له للحضور الى
الاذاعة. و كان هذا اليوم نفسه هو يوم وفاته فى عام 1944م. وكان وقتها
الشيخ شعبان الصياد لم يتجاوز الرابعة من عمره.

نشأته


إذا فقد نشأ الشيخ شعبان عبد العزيز الصياد فى بيت ملئ بآيات الله عن أب
يحمل كتاب الله ويمتلك صوتاً جميلاً عذباً. فورث الشيخ شعبان الصياد هذا
المسلك حيث كان يتردد بإنتظام على كتاب القرية (كتاب الشيخة زينب) وهى
التى تخرج من كتابها العديد من المشاهير كما ذكرت. وقد كان الشيخ شعبان
الصياد متميزاً بين أقرائه فى الكتاب حيث كان الأسرع حفظاً والأجمل صوتاً
حتى أن المحفظة التى كانت تحفظه القرآن تثنى عليه دائماً وبين الحين
والآخر تجعله يتلو بصوته الجميل ما حفظه من آيات أمام زملائه وغالباً ما
كان يحظى بحوائز بسيطة للتشجيع والتحفيز على التميز باستمرار.


حفظ القرآن


أتم الشيخ شعبان الصياد حفظ القرآن الكريم كاملاً وهو فى السابعة من عمره.


التعليم الأزهرى قبل الجامعى

· وكان طبيعياً أن يكمل المسيرة الدينية التى نشأ عليها. فالتحق بالمعهد
الدينى الابتدائى وأثناء دراسته بالمعهد. كان أساتذته يعلمون موهبته
الصوتية. فكانوا دائما يجعلونه يتلو عليهم بعض آيات الله البينات فى الفصل
الدراسى. وذاع صيته حتى أنه كان يفتتح أى مناسبة بالمعهد الذى يدرس به.
وأتم الشيخ شعبان الصياد المرحلة الابتدائية وكان وقتها قد عرف فى البلدة
كلها بحلاوة صوته وعذوبته وتمكنه من التلاوة السليمة الصحيحة. فبدأ يظهر
فى المناسبات العامة على أثر دعوات من أصحابها وهو فى سن الثانية عشرة
وكان وقتها يتقاضى عدة قروش بسيطة. ثم أكمل الشيخ دراسته بالمعهد الدينى
بمدينة منوف بمحافظة المنوفية وكان أثناء هذه الدراسة. يذهب الى المناسبات
المختلفة فى مدينة منوف والقرى المجاورة لها. حيث أتم دراسته الثانوية
والتحق بجامعة الأزهر.

التحاقه بجامعة الأزهر الشريف

التحق الشيخ شعبان الصياد بكلية أصول الدين شعبة العقيدة والفلسفة واضطر
الى السكن هناك وكانت أكثر إقامته فى صحن الأزهر الشريف. وكان يجمع بين
الدراسة التى كان متفوقا فيها أيضاً وبين دعواته الى المناسبات المختلفة.
وذاع صيته وسمع به مشاهير القراء فى ذلك الوقت وفى احدى الليالى كان الشيخ
شعبان الصياد عائداً من مناسبة كان يتلو فيها كتاب الله. وعاد الى صحن
الأزهر الشريف حيث كان يستعد لإمتحان فى الكلية (أصول الدين) وذلك فى
اليوم التالى لهذه السهرة. وعند عودته مباشرة بدأ فى الاستذكار وغلبه
النوم. فنام وفى هذه الاثناء كان الشيخ مصطفى إسماعيل (القارئ المشهور) فى
جامع الأزهر لصلاة الفجر وإذا به يرى الشيخ شعبان الصياد وهو نائم وفى يده
كتابه الذى سوف يمتحن فيه صباحاً. فقال لمن معه. انظروا وتمعنوا فى هذا
الشباب النائم أمامكم فإن له مستقبل عظيم فى دنيا تلاوة القرآن الكريم.

· وهكذا فإن موهبة الشيخ شعبان الصياد فرضت نفسها على الجميع بما فيهم
كبار القراء الذين كان يتقابل معهم فى المناسبات المختلفة التى يتم دعوته
إليها فكان دائما يثقل موهبته بكثرة الاستماع الى قراء القرآن فى ذلك
الوقت وايضا السابقين وخاصة الذين كان يعجب بهم جداً ومنهم الشيخ محمد
رفعت والشيخ محمد سلامة والشيخ مصطفى إسماعيل وهو قارئه المفضل وبرغم أنه
لم يعاصر والده الشيخ/ عبد العزيز الصياد إلا أنه كان له دائما المثل
الأعلى حسبما كان يروى له ويحكى له عن جمال صوته وعذوبته وشهرته برغم أنه
لم يكنقد التحق بالاذاعة فى ذلك الوقت.


أتمام التعليم الجامعى


· أتم الشيخ شعبان الصياد تعليمه الجامعى وتخرج من كلية أصول الدين شعبة
العقيدة والفلسفة وحصل على الليسانس بدرجة جيد جداً فى عام 1966 ورشح
للعمل بالسلك الجامعى كمحاضر بالكلية ولكنه رفض وكان رفضه من أجل القرآن
الكريم حيث قال: أن الجامعة وعمله بها كمحاضر وأستاذ سيجعل عليه إلتزامات
تجاه الجامعة والطلبة مما يعيقه عن رسالته التى يعشقها ويؤمن بها وهى
تلاوة القرآن الكريم.

· فعمل كمدرس بالمعهد الدينى بمدينة سمنود بمحافظة الغربية وكان ينتقل
إليها يومياً من مقر إقامته بمدينة منوف – محافظة المنوفية. ثم نقل الى
معهد الباجور الدينى ثم الى معهد منوف الثانوى ثم الى مديرية الأوقاف
بشبين الكوم حيث رقى الى موجه فى علوم القرآن لأنه كان يقوم بتدريس القرآن
والتفسير والأحاديث النبوية الشريفة ثم رقى الى موجه أول حتى وصل الى درجة
وكيل وزارة بوزارة الأوقاف.


قبل دخوله الأذاعة


· أنطلق الشيخ شعبان الصياد فى إحياء المناسبات المختلفة وذاع صيته فى
جميع محافظات الجمهورية وكان معظم الناس يتمسكون به فى مناسباتهم حتى أنه
كان هناك من يؤجل مناسبته الى اليوم التالى فى حالة إنشغال الشيخ/ شعبان
فى مناسبة ما فى نفس يوم مناسبته وبدأ الشيخ شعبان الصياد بتلاوة القرآن
فى صلاة الجمعة فى عدة مساجد صغيرة فى مدينة منوف حتى وصل الى ان يكون
قارئ السورة فى مسجد الشيخ زوين بمدينة منوف (أكبر مساجدها) وذلك قبل ان
يدخل (يلتحق) بالاذاعة المصرية. وكان يسهر فى شهر رمضان المبارك سنوياً فى
جمعية تحفيظ القرآن الكريم ويحضرها يومياً كبار رجال المحافظة ومشايخ
المدينة ليستمعوا ويستفيدوا من قراءة الشيخ شعبان الصياد حيث أنه كان يقرأ
القرآن الكريم وهو ملم وعلى دراية بكل معانيه وتفسيره وهذا ما كان يميزه
عن باقى القراء.


موقف طريف فى حياة الشيخ شعبان الصياد


· وفى عام 1969 وجد الشيخ شعبان الصياد سيارات الشرطة تحاصر منزله وقد
تجمع الجيران لمتابعة الموقف. وعند استفساره من أحد ضباط الحرس الجمهورى
كما وضح بعد ذلك. تبين أنهم عندهم أوامر من رئاسة الجمهورية بإحضار الشيخ
شعبان الصياد لإحياء ثلاثة ليالى بمحافظة بورسعيد وكان ذلك لوفاة الزعيم
الراحل/ جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية فى ذلك الوقت .

دخوله الإذاعة عام 1975


· اتسعت شهرة الشيخ شعبان الصياد بجميع أنحاء الجمهورية. فتقدم للامتحان
بالاذاعة والتليفزيون المصرى. وبعد الامتحان والعرض على لجنة الاستماع
التى كانت تضم فطاحل العلماء فى ذلك الوقت أمثال الشيخ عبد الفتاح القاضى
والشيخ محمد مرسى والشيخ عفيفى الساكت والشيخ رزق خليل حبة وغيرهم من
العلماء كما استمع إليه أعضاء لجنة الموسيقى وكانت تضم كبار الموسيقيين
مثل الأستاذ محمود الشريف الذى أثنى عليه ثناءاً غير عادى على نغمات وصوت
الشيخ شعبان الصياد.

· اجتاز الشيخ شعبان الصياد امتحان الاذاعة والتليفزيون بنجاح باهر وتم
إعتماده كقارئ للقرآن الكريم بالبرنامج العام مباشرة دون المرور على
اذاعات البرامج القصيرة. ففى هذا الوقت كان أى قارئ للقرآن الكريم يتم
اعتماده بالاذاعة لا يذيع أى اذاعات بالبرنامج العام مباشرة ، بل يذيع بضع
آيات عبارة عن عشرة دقائق فقط فى البرامج القصيرة فقط ولا يستطيع اذاعة أى
قرآن فى البرنامج العام او فى صلاة الجمعة ولكن الشيخ شعبان الصياد لجمال
وعذوبة صوته وتمكنه من التلاوة جعل لجان الاذاعة والتليفزيون يجيزون دخوله
مباشرة للاذاعة فى البرنامج العام وجميع الاذاعات المحلية وكذلك لجنة
امتحانات التليفزيون أجازته مباشرة حتى أنه فى أول شهر من التحاقه
بالاذاعة والتليفزيون أسند إليه تلاوة القرآن الكريم يوم الجمعة من
الاذاعة فى صلاة الجمعة وأيضاً اسند إليه تلاوة القرآن الكريم يوم الجمعة
التالية مباشرة فى التليفزيون.

· أنهالت المكالمات التليفونية على منزل الشيخ شعبان الصياد للتهنئة
بالتحاقه بالاذاعة والتليفزيون المصرى. كما كانت الاتصالات التليفونية لا
تنقطع للسؤال عن مواعيد إذاعاته المسجلة والمباشرة على الهواء وذلك لكثرة
معجبيه واتساع القاعدة العريضة لمحبى الشيخ شعبان الصياد.

· كان الشيخ شعبان الصياد يقرأ قرأن الفجر كل ثلاثة أسابيع فى مساجد مصر
مثل مسجد مولانا الإمام الحسين والسيدة زينب. وكان دائماً محبيه ينتظرون
تلاوة قرآن الفجر فكان منهم من ينتظره بالمسجد نفسه فى ظل الظروف الجوية
وفى البرد القارس ويأتون من معظم محافظات الجمهورية. وكان البعض الآخر
يسمع قراءته من الاذاعة مباشرة ثم يقوموا بالاتصال تليفونياً ليثنوا على
ادائه وجمال وعذوبة صوته.


أول قارىء بمسجد القنطرة شرق بعد عودة سيناء


· ذاعت شهرة الشيخ شعبان الصياد حتى أنه أختير كأول قارئ يتلو آيات الله
فى مسجد القنطرة شرق بمحافظة سيناء فى حضور الرئيس الراحل أنور السادات
وذلك بعد عودة سيناء الى مصر من أيدى الاحتلال وقد أثنى الرئيس أنور
السادات على آدائه فى هذا اليوم وشد على يده وعانقه وأمر له بجائزة فورية
إعجاباً به وتقديراً لجمال تلاوته وعذوبة صوته.

ومثلما حدث فى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر ، دعى الشيخ شعبان الصياد على
رأس بعض القراء لإحياء مناسبة وفاة الرئيس محمد أنور السادات رحمه الله.


استضافته

· تم استضافة الشيخ شعبان الصياد فى العديد من البرامج الاذاعية فى
البرنامج العام وصوت العرب وإذاعة القرآن الكريم لمعرفة شخصيته والاطلاع
على أسراره الخاصة.

· أثنى العديد من مشاهير القراء على الشيخ شعبان الصياد مثل الشيخ مصطفى
إسماعيل والشيخ أبو العنيين شعيشع والشيخ محمود على البنا وذلك فى عدة
برامج فى الاذاعة والتليفزيون. كما أثنى عليه الكثير منهم على صفحات
الجرائد والمجلات وتوقعوا له مستقبلاً باهر فى دنيا تلاوة القرآن الكريم.


رحلته مع التلاوة داخل البلاد


· صال وجال الشيخ شعبان الصياد بتلاواته فى جميع انحاء الجمهورية من
أقصاها الى أقصاها وبالنسبة لسهراته فى جمهورية مصر العربية فكان يتلو
القرآن الكريم بصوته الجميل فى المناسبات المختلفة بصورة شبه يومية.


رحلته مع التلاوة والسفر خارج مصر


كان دائما يدعى فى شهر رمضان المبارك للسفر الى معظم الدول العربية
والإسلامية والأجنبية لإحياء شهر رمضان هناك وأول دعوة له فى شهر رمضان
بعد دخوله الاذاعة مباشرة كانت الى دولة الكويت وتلى آيات الله فى معظم
مساجدها وأشهرها وكان معه فى هذا الوقت الشيخ محمد محمود الطبلاوى ،
والشيخ راغب مصطفى غلوش وهم من مشاهير قراء القرآن الكريم بجمهورية مصر
العربية. فقضوا معاً شهر رمضان المبارك فى دولة الكويت وقاموا بالتسجيل فى
الاذاعة والتليفزيون الكويتى ، بل قاموا بتسجيل القرآن الكريم مرتلاً
بالتناوب بعضهم مع بعض حتى تم تسجيله كاملاً. ودعى فى العام التالى الى
دبى وذلك لإحياء شهر رمضان هناك. وكانت وقتها تقام مسابقة القرآن الكريم
فى وزارة الداخلية بدبى وكان الشيخ شعبان الصياد هو رئيس لجنة التحكيم
واختبار القراء هناك. وتتابعت الدعوات عاماً تلو الآخر معظم الدول العربية
والإسلامية والأجنبية ، ومنها دولة إيران ، التى تعشق صوت الشيخ شعبان
الصياد. فكان عندما يفرغ من تلاوته بإحدى المساجد هناك، كان المستمعون
يقومون بحمل الشيخ شعبان الصياد على الأعناق بحيث لا تلمس قدمه الأرض حتى
السيارة المخصصة لنقله الى مكان إقامته


تكريم الدول له

· حصل على العديد من الجوائز والأوسمة والشهادات التقديرية من معظم الدول
التى دعى إليها لإحياء ليالى شهر رمضان المبارك وكان آخرها سلطنة بروناى.
وبالنسبة لسهراته فى جمهورية مصر العربية فكان يتلو القرآن الكريم بصوته
الجميل فى المناسبات المختلفة بصور شبه يومية.


موقف طريف

· وأذكر عندما التحق بالاذاعة عام 1975م. وبعدما أعجب به محبى سماع القرآن
الكريم. كان قد دعى لإحياء مناسبة فى بلدة كفر العمار التابعة لمدينة بنها
بمحافظة القليوبية وعندما وصلنا الى هذه البلدة وأثناء مرورنا بالسيارة فى
شوارعها ، وجدنا حركات غير طبيعية واستعدادات فى الشوارع وكنا لا نعرف
العنوان الذى سنذهب إليه. فتوقفنا بالسيارة لسؤال أحد الأشخاص عن العنوان
فدلنا عليه ثم قلنا له ، لماذا هذه الاستعدادات ، فقال سوف يحضر الى
بلدتنا اليوم القارئ الشيخ شعبان الصياد ، ولأنه هو قارئ البلدة المفضل
فالكل فى إنتظاره وسعيد برؤيته على الطبيعة لأول مرة. فقلت له أن الذى
تتحدث معه الآن هو الشيخ شعبان الصياد ، فما كان من الرجل إلا أن ارتمى
على يد الشيخ شعبان الصياد يقبلها بهستيرية وقال اعذرونى لأننى غير مصدق
أننى أمام الشيخ شعبان الصياد.

صحافة والقاب

·
كما كتب عنه كثيراً فى الجرائد والمجلات تمتدح أسلوبه ومدرسته الجديدة
والفريدة التى لم يسبقه فيها أى قارئ آخر والتى تعلم منها من هم بعده من
القراء كما لقب بأكثر من لقب أيضاً على صفحات الجرائد والمجلات كملك الفجر
، ونجم الأمسيات الدينية و صوت السماء وغيرها من الألقاب التى كان يستحقها
وأكثر. ويتميز الشيخ شعبان الصياد فى قراءته عن باقى القراء أنه بجانب
صوته القوى المتمكن الجميل ذو النبرات السريعة والحساسة وذو النهاية
الرائعة (القفلة) أنه كان يتلو القرآن الكريم وهو على علم تام ودراية
كاملة بمعانيه حيث أنه دارس وفاهم لتفسير القرآن الكريم بل وكان يقوم
بتدريسه الى الطلاب بجانب تدريس الفقه الحنفى والأحاديث النبوية. فكان
يعطى لكل آية النغمة السليمة التى تناسب معناها والتى تساعد المستمع على
فهم معانى القرآن الكريم.

من أول مرة

· وبسؤال مهندسى الصوت باستديوهات الاذاعة والتليفزيون عن أهم ما يميز
الشيخ شعبان الصياد عن غيره من القراء. فقالوا وأجمعوا أن الشيخ شعبان
الصياد كان أكثر القراء إن لم يكن الوحيد الذى كانوا يحبون التعامل معه فى
التسجيل بالاذاعة والتليفزيون. فإنه عندما كان يذهب لتسجيل نصف ساعة فإن
الاستديو يتم حجزه لمدة نصف ساعة فقط لأنه كان أكثر القراء تمكنا من صوته
وكان يقرأ الآية مرة واحدة ولايعيدها مرة أخرى بعكس باقى القراء الذين
يستغرق تسجيل النصف ساعة حوالى ثلاث أو أربع ساعات وذلك لأنهم غالباً ما
كانوا يقوموا بإعادة بعض الآيات التى لم تخرج على الصورة المطلوبة بسبب
ضعف فى الصوت أو عيب فى النغمات أو النبرة أو عيب فى القفلة وغيرها من
الأمور الفنية.

· كما كان يتميز الشيخ شعبان الصياد فى تلاواته بتعدد القراءات والنغمات
فكان يقرأ الآية الواحدة بعدة طرق وكلها أجمل من بعضها وكلها حسب القوانين
الموسيقية حيث أنه كان على دراية تامة بالموسيقى من حيث المقامات والنغمات
والسلم الموسيقى وغيرها. كما كان يمتلك فضلاً عن قوة وجمال وعذوبة صوته،
كان يمتلك نفساً طويلاً جداًَ مما كان يساعده ويمكنه من تنويع القراءات
والنغمات كما يشاء وكما يستدعى معنى الآية ذلك. كما كان صوته عريضاً جداً
متعدد الطوابق يستطيع أن يصل به الى أعلى الجوابات أى الطبقة العليا ثم
يهبط به الى القرار وذلك فى نفس الآية وفى نفس الوقت. وكان الشيخ شعبان
الصياد صاحب مدرسة فريدة ومتميزة فى قراءة القرآن الكريم لم يسبقه إليها
أحد ونهل منها من بعده ومن عاصره من القراء.


حياته الخاصة

·
فلقد نشأ الشيخ شعبان الصياد يتيم الأب لا يملك شيئ وسط أسرة فقيرة. فكان
هذا دافعاً لأن يأخذ حياته منذ الطفولة مأخذ الجد والكفاح فلم يعرف معنى
الطفولة حتى إنه فى إحدى برامج الاذاعة حين استضافته وسؤاله عن طفولته ،
فأجاب لقد ولدت رجلاً. هكذا كان احساسه منذ بداية عهده بالدنيا فكان لا
يعرف غير العمل حتى فى تربيته لأولاده كان دائما يذكرهم بحديث الرسول صلى
الله عليه وسلم (اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم) وذلك حتى يحث أفراد الأسرة
على الاجتهاد وتحمل المسئولية كما تحملها هو منذ الصغر. وكان دائما يضع
نصب عينيه أنه لابد وأن يكون إنسان ذو شأن ومكانة عظيمة فى المجتمع الذى
يعيش فيه وذرع ذلك فى أفراد أسرته الذين تبؤوا أعلى المناصب الأدبية فمنهم
الضابط والطبيب والمحاسب والمحامى. وكان حريصاً أشد الحرص على انتظام
أفراد أسرته فى الصلاة وفى حفظ القرآن الكريم حتى أنه كان يحضر لهم محفظا
للقرآن فى المنزل لتحفيظهم القرآن وتعليمهم أحكامه. وكان الشيخ شعبان
الصياد يتمتع بالذكاء الشديد وذاكرة شديدة القوة كما أنه كان شديد الثقة
بالنفس كما كان متواضعاً جداً. وكان يحترم قراء القرآن الكريم أصغرهم
وأكبرهم.


الثقة بالنفس

· كان فضيلة الشيخ
شعبان الصياد قوى الأرادة يحب التحدى فعلى سبيل المثال. كان الشيخ شعبان
الصياد مدعو فى احدى المناسبات وكان معه زميل قارئ للقرآن وكان هذا الزميل
يقيم فى نفس البلدة التى كانت تقام فيها هذه المناسبة فأوصى عامل
الميكرفون أن يجعل السماعات تحدث صفيراً أثناء تلاوة الشيخ شعبان الصياد ،
ولذكاء الشيخ شعبان الصياد ، لاحظ هذه المؤامرة فما كان منه إلا أن أمر
بإبعاد الميكرفون والسماعات وقرأ القرآن بصوته فقط ، ولقوة وجمال صوته كان
يصل بصوته الى آخر المكان الذى تقام فيه هذه المناسبة بل وكان يصل الى
خارج السرادق ليسمعه من بالخارج ونال استحسان وتشجيع كل من كان موجود فى
هذه المناسبة.

موقف لاينساه

· ومن المواقف التى لا تنسى. أنه أثناء دعوته لإحياء أمسية دينية من مسجد
سيدى عبد الوهاب الشعرانى بباب الشعرية وكان هو قارئ السورة بهذا المسجد ،
وكانت الأمسية عبارة عن صلاة العشاء ثم ابتهالات دينية ثم تلاوة قرآنية
للشيخ شعبان الصياد. وعند دخوله المسجد أخبره المسئولون عن الاذاعة أن
إمام المسجد والشيخ المبتهل لم يحضرا وأنهم فى موقف حرج. فطمأنهم الشيخ
شعبان الصياد ، وأذن لصلاة العشاء وأم المصلين فى الصلاة ، وقدم
الابتهالات الدينية ، ثم قدم التلاوة القرآنية التى كانت من أجمل ما قرأ
وكانت من أول سورة التحريم وكل ذلك كان على الهواء مباشرة وكانت ليلة
عظيمة كتب عنها فى بعض الصحف ، وعلى أثر هذه الليلة طلب المسئولين عن
البرامج الدينية بالاذاعة وكان أيامها الدكتور/ كامل البوهى ، طلبوا من
الشيخ شعبان الصياد أن يقوم بتسجيل الابتهالات الدينية بالاذاعة ويقوم
أيضاً بتقديمها على الهواء فى المناسبات المختلفة. ولكن الشيخ شعبان
الصياد رفض هذا الاقتراح وفضل أن يظل كما هو فى تلاوة القرآن الكريم حيث
أنه يجد نفسه فى القرآن وتلاوته دون غيره.


القارىء العالم

· وكان فضيلة الشيخ شعبان الصياد معروفاً بدراسته الدينية وعلمه حيث كان
من علماء الأزهر الشريف ، فكان فى كل المناسبات فى فترة الراحة يقوم
بالإجابة عن الأسئلة الدينية المختلفة التى كانت تطرح عليه من الجماهير
المتواجدة. وكان من أشد المنافسين له فى قرآءة القرآن الكريم ، يحبون سماع
صوته حتى إن الشيخ محمد محمود الطبلاوى عندما أقام مسجداً فى المهندسين ،
أصر أن يقوم بإفتتاح مسجده الشيخ شعبان الصياد ويقرأ فيه أول قرأءة وأول
إذاعة صلاة جمعة على الهواء مباشرة.


مواقفه مع بعض الأشخاص من غير اهل التلاوة

· كان له صديق مسيحى يعمل صيدلانياً ويمتلك صيدلية فى مدينة منوف بمحافظة
المنوفية. وكان هذا الصديق من شدة إعجابه بصوت الشيخ شعبان الصياد ، كان
يذهب وراءه فى أى مناسبة فى المنطقة حتى يسمعه وكان دائماً يطلب منه أن
يتلو ما تيسر من سورة مريم ، كما كان هذا الصديق يحتفظ بعدة نسخ من شريط
سورة مريم عنده فى المنزل والصيدلية والسيارة.


دخول رجل فى الأسلام

· ومن ضمن المواقف أيضاً أنه أثناء تلاوة الشيخ شعبان الصياد لسورة
الاسراء من أولها وكان ذلك فى مدينة فوة مركز دسوق – محافظة كفر الشيخ ،
وكانت هذه المناسبة تقام سنوياً ويدعى لها كبار رجال المحافظة والمدينة
وكانت بمناسبة العيد القومى للمدينة ، وكانوا دائماً يدعون الشيخ شعبان
الصياد سنوياً لهذه المناسبة ولا تقام إلا فى حضوره. وأثناء تلاوة الشيخ
شعبان الصياد لسورة الاسراء ، ومن شدة التجلى والروحانية ، إذا برجل مسيحى
يدخل المسجد الذى كان يقام فيه هذه المناسبة ويصرخ بأعلى صوته "لا إله إلا
الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت ، وهو على كل شئ قدير
، وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله" وكان هذا إعلاناً لإسلامه حيث اجتمع به
الشيخ شعبان الصياد بعد إنتهاء المناسبة ودله على كيفية إشهار إسلامه وكان
هذا من فضل الله تعالى وكانت من أسعد اللحظات التى مر بها الشيخ شعبان
الصياد.

· وكان الشيخ شعبان الصياد متميزاً عن أقرانه القراء بأنه كان عالماً
بالأزهر ، حيث حصل على شهادة العالمية وتدرج بالأزهر الشريف الى أن وصل
الى درجة وكيل وزارة

· كما أنه كان دارساً لأحكام التلاوة والقرأت والتجويد حيث كان حريصاً على
مجالسة العلماء الكبار الذين كانوا لا يبخلوا عليه بأى شئ خاص بالقرآن
الكريم وأحكامه.

تواضع اهل العلم

· وعندما كان يسأل الشيخ شعبان الصياد عن القراء الذين هم أقل منه أو أفضل
منه فى المستوى فكان رده دائماً أنه أقل عباد الله ، وأن جميع القراء بلا
استثناء أفضل منه فى نظره الشخصى فكان مثالاً للتواضع المقرون بالقوة
والجمال. كما إنه كان ذو نبرات فى صوته حادة جداً وكان شديد التحكم فيها
وكان قادراً على التحكم بصوته وبنغماته كيفما يشاء ، كما أن طول النفس كان
من أهم ما يميزه ويساعده فى تلاواته المختلفة.

حديث الصحافة

· وكتب عن الشيخ شعبان الصياد المقالات الكثيرة فى الصحف المختلفة
والمجلات التى كانت تتابع تلاواته وتسجيلاته. وسهراته القرآنية فى المساجد
المختلفة وآخر أخبار تسجيلاته لشركات الأسطوانات التى كانت تتهافت على
تسجيل شرائط كاسيت له ، إلا أنه كان مقلاً فى تسجيلاته لهذه الشركات لكثرة
ارتباطاته فى المناسبات المختلفة ، وبرغم ذلك كانت له تسجيلات لشركة صوت
الحب ، وشركة صوت القاهرة وشركة إبراهيم فون.

· ومن المجلات التى كانت تواظب على متابعة أخبار الشيخ شعبان الصياد ،
مجلة روزاليوسف ومجلة الكواكب ومجلة الاذاعة والتليفزيون ، ومعظم الجرائد
وكان آخرها جريدة المساء بتاريخ الأول من ديسمبر عام 2002 ميلادية –
السادس والعشرون من شهر رمضان المعظم عام 1423 هجرية ، وكانت مقالة فى
الصحفة التاسعة تحت عنوان "أصوات خالدة" وكتب فيها صاحب المقالة فى
العنوان الرئيسى (الشيخ شعبان الصياد... نجم الأمسيات الدينية) وكتب فيها
الآتى: "قارئ من علماء الأزهر ، تخرج من كلية أصول الدين ، وعين مدرساً
للمواد العربية والشرعية بمعهد منوف الدينى ، وتدرج فى السلك الدراسى حتى
وصل الى مدرس أول ثم موجه أول للمواد الشرعية وعلوم القرآن الكريم ، أى
أنه أهل علم ودراية وخبرة بأصول القراءات – اشتهر بتلاوة القرآن وحسن
الصوت الرخيم ، وبدأ يقرأ فى الليالى وهو طالب بالمعهد الثانوى الدينى ولم
يبلغ السابعة عشرة ، وكان شيخ المعهد معجباً بصوته العزب ونفسه الطويل
وتمكنه من أحكام القرآن فقدمه من خلال الاحتفالات التى كان يقيمها الأزهر
الشريف ، ثم ذاعت شهرته فى محافظة المنوفية وانتشر صوته فى جميع محافظات
مصر والدول العربية والإسلامية بعد أن لمع فى تلاوات الاذاعة عام 1965م.
ولد الشيخ شعبان عبد العزيز الصياد عام 1940م بقرية صراوة – مركز آشمون –
محافظة المنوفية وقد اصقل موهبته وهو صغير بأحكام التجويد وتلقيه القراءات
بجانب مواصلته فى الأزهر حتى أصبح واحداً من علمائه وفقيهاً من فقهائه.
فكان القارئ العالم ، وعندما أعجب بصوته أمين حماد رئيس الاذاعة
والتليفزيون ، قدمه للجنة الاستماع للقراء ونجح بتقدير ممتاز ، وذاعت
شهرته القرآنية ، خاصة فى الأمسيات الدينية التى كانت تقيمها الاذاعة فى
المساجد الكبرى ، وفى الليالى الرمضانية فى مسجد الإمام الحسين ، والسيدة
زينب رضى الله عنهما. وقد سافر الى كثير من الدول العربية والإسلامية
والأجنبية ، فسافر الى الأردن وسوريا والعراق وأندونيسيا ولندن ، وباريس
وأمريكا وغيرها ، ونال التقدير الكبير من الجاليات الإسلامية والعربية
بهذه الدول ، كما شهد لجان التحكيم للمسابقات القرآنية بالسعودية وإيران
وماليزيا ، وله آذان مسجل بالاذاعة فى غاية الروعة والابداع. فهو يعتبر
صاحب الصوت الندى الذى يصدع لإعلام الصلاة – رحمه الله تعالى. رحل عن
دنيانا عام 1998م. ولم يناهز الثامنة والخمسين عاماً".

· كانت هذه هى تفاصيل آخر مقالة كتبت عن الشيخ شعبان الصياد وكان كاتبها
هو المستشار الاعلامى لنقابة قراء القرآن الكريم بجمهورية مصر العربية.

رحلته مع المرض حتى وفاته


· ظل الشيخ شعبان الصياد فى عطائه المستمر فى تلاوة القرآن الكريم فى كافة
انحاء المعمورة الى أن فاجأه المرض عام 1994م. فأصيب بمرض الفشل الكلوى ،
فاستمر فى تلاواته ولكن فى أضيق الحدود حتى اقعده المرض تماماً. وقد احسن
المولى عز وجل ختامه ولبى نداء ربه وفاضت روحه الطاهرة الى بارئها فىصباح
فجر يوم من اعظم الايام فى الأسلام 19/1/1998م. الموافق الأول من شهر شوال
(عيد الفطر) عام 1419 هجرية. سبحان الله حتى يوم وفاته كان يوم عيد 0
وكانت جنازته فى مسقط رأسه بقرية صراوة مركز آشمون – محافظة المنوفية حيث
دفن فى مدافن الأسرة ، وحضر الجنازة جمع غفير من جميع المحافظات وعلى
رأسهم مندوب عن السيد رئيس الجمهورية حسنى مبارك الذى أرسل برقيتين
للتعزية كما أرسل السيد رئيس مجلس الوزراء والسادة الوزراء وجميع كبار
رجال الدولة ببرقيات تعازى فى وفاة المغفور له الشيخ شعبان الصياد ، ونقلت
القناة السادسة بالتليفزيون مشهد الجنازة العظيمة وأذاعته مباشرة إذاعة
القرآن الكريم. ,و حضر الجنازة أ الشيخ عبد العاطى ناصف والشيخ صلاح يوسف.


· رحم الله العالم الجليل والقارئ ذو الحنجرة الذهبية والمدرسة الفريدة فى
قراءة القرآن الكريم فضيلة القارىء الشيخ (شعبان عبد العزيز الصياد) رحمة
واسعة وأدخله فسيح جناته جزاءاً بما قدم للإنسانية من علم ينتفع به
وتلاوات سوف تظل على مدى الدهر يسمعها ويستفيد منها محبى سماع القرآن
الكريم.

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ عبدالباسط عبدالصمد



سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16290






ولادته
ونسبه : ولد القارىء الشيخ عبدالباسط محمد عبدالصمد عام 1927 بقرية
المراعزة التابعة لمدينة أرمنت بمحافظة قنا بجنوب مصر . حيث نشأ في بقعة
طاهرة تهتم بالقرآن الكريم حفظاً وتجويدا ..فالجد الشيخ عبدالصمد كان من
الأتقياء والحفظة المشهود لهم بالتمكن من حفظ القرآن وتجويده بالأحكام ,
.. والوالد هو الشيخ محمد عبدالصمد , كان أحد المجودين المجيدين للقرآن
حفظا وتجويدأ .


أما الشقيقان محمود وعبدالحميد فكانا يحفظان القرآن بالكتاب فلحق بهما
أخوهما الأصغر سنا. عبدالباسط , وهو في السادسة من عمره .. كان ميلاده
بداية تاريخ حقيقي لقريته ولمدينة أرمنت التي دخلت التاريخ من أوسع
أبوابه. التحق الطفل الموهوب عبدالباسط بكتّاب الشيخ الأمير بأرمنت
فاستقبله شيخه أحسن ما يكون الإستقبال , لأنه توسم فيه كل المؤهلات
القرآنية التي أصقلت من خلال سماعه القرآن يتلى بالبيت ليل نهار بكرة
وأصيلا. لاحظ الشيخ (( الأمير )) على تلميذه الموهوب أنه يتميز بجملة من
المواهب والنبوغ تتمثل في سرعة استيعابه لما أخذه من القرآن وشدة انتباهه
وحرصه على متابعة شيخه بشغف وحب , ودقة التحكم في مخارج الألفاظ والوقف
والابتداء وعذوبة في الصوت تشنف الآذان بالسماع والاستماع .. وأثناء عودته
إلى البيت كان يرتل ما سمعه من الشيخ رفعت بصوته القوي الجميل متمتعاً
بأداء طيب يستوقف كل ذي سمع حتى الملائكة الأبرار.

يقول الشيخ عبدالباسط في مذكراته : (( .. كان سني عشر سنوات أتممت خلالها
حفظ القرآن الذي كان يتدفق على لساني كالنهر الجاري وكان والدي موظفاً
بوزارة المواصلات , وكان جدي من العلماء .. فطلبت منهما أن أتعلم القراءات
فأشارا علي أن أذهب إلى مدينة طنطا بالوجه البحري لأتلقى علوم القرآن
والقراءات على يد الشيخ (( محمد سليم )) ولكن المسافة بين أرمنت إحدى مدن
جنوب مصر وبين طنطا إحدى مدن الوجه البحري كانت بعيدة جداً . ولكن الأمر
كان متعلقاً بصياغة مستقبلي ورسم معالمه مما جعلني أستعد للسفر , وقبل
التوجه إلى طنطا بيوم واحد علمنا بوصول الشيخ محمد سليم إلى (( أرمنت ))
ليستقر بها مدرساً للقراءات بالمعهد الديني بأرمنت واستقبله أهل أرمنت
أحسن استقبال واحتفلوا به لأنهم يعلمون قدراته وإمكاناته لأنه من أهل
العلم والقرآن , وكأن القدر ساق إلينا هذا الرجل في الوقت المناسب ..
وأقام له أهل البلاد جمعية للمحافظة على القرآن الكريم (( بأصفون المطاعنة
)) فكان يحفظ القرآن ويعلم علومه والقراءات . فذهبت إليه وراجعت عليه
القرآن كله ثم حفظت الشاطبية التي هي المتن الخاص بعلم القراءات السبع .

بعد أن وصل الشيخ عبدالباسط الثانية عشرة من العمر إنهالت عليه الدعوات من
كل مدن وقرى محافظة قنا وخاصة أصفون المطاعنة بمساعدة الشيخ محمد سليم
الذي زكّى الشيخ عبدالباسط في كل مكان يذهب إليه .. وشهادة الشيخ سليم
كانت محل ثقة الناس جميعاً .

زيارته للسيدة زينب في ذكرى مولدها : في عام 1950م ذهب ليزور آل بيت رسول
الله (ص) وعترته الطاهرين وكانت المناسبة التي قدم من أجلها مع أحد
أقربائه الصعايدة هي الإحتفال بمولد السيدة زينب .. والذي كان يحييه
عمالقة القراء المشاهير كالشيخ عبدالفتاح الشعشاعي والشيخ مصطفى إسماعيل
والشيخ عبدالعظيم زاهر والشيخ أبوالعينين شعيشع وغيرهم من كوكبة قراء
الرعيل الأول بالإذاعة. بعد منتصف الليل والمسجد الزينبي يموج بأوفاج من
المحبين لآل البيت القادمين من كل مكان من أرجاء مصر كلها .. إستأذن أحد
أقارب الشيخ عبدالباسط القائمين على الحفل أن يقدم لهم هذا الفتى الموهوب
ليقرأ عشر دقائق فأذن له وبدأ في التلاوة وسط جموع غفيرة وكانت التلاوة من
سورة الأحزاب .. عم الصمت أرجاء المسجد واتجهت الأنظار إلى القارىء الصغير
الذي تجرأ وجلس مكان كبار القراء .. ولكن ما هي إلا لحظات وانتقل السكون
إلى ضجيج وصيحات رجت المسجد (( الله أكبر )) , (( ربنا يفتح عليك )) إلى
آخره من العبارات التي تصدر من القلوب مباشرة من غير مونتاج.. وبدلاً من
القراءة عشر دقائق امتدت إلى أكثر من ساعة ونصف خيل للحاضرين أن أعمدة
المسجد وجدرانه وثرياته انفعلت مع الحاضرين وكأنهم يسمعون أصوات الصخور
تهتز وتسبح بحمد ربها مع كل آية تتلى بصوت شجي ملائكي يحمل النور ويهز
الوجدان بهيبة ورهبة وجلال.

الشيخ الضباع يقدم الشيخ عبدالباسط للإذاعة : مع نهاية عام 1951 طلب الشيخ
الضباع من الشيخ عبدالباسط أن يتقدم إلى الإذاعة كقارىء بها ولكن الشيخ
عبدالباسط أراد أن يؤجل هذا الموضوع نظراً لارتباطه بالصعيد وأهله ولأن
الإذاعة تحتاج إلى ترتيب خاص . ولكن ترتيب الله وإرادته فوق كل ترتيب
وإرادة . كان الشيخ الضباع قد حصل على تسجيل لتلاوة الشيخ عبدالباسط
بالمولد الزينبي والذي به خطف الأضواء من المشاهير وتملك الألباب وقدم هذا
التسجيل للجنة الإذاعة فانبهر الجميع بالأداء القوي العالي الرفيع المحكم
المتمكن وتم اعتماد الشيخ عبدالباسط بالإذاعة عام 1951 ليكون أحد النجوم
اللامعة والكواكب النيرة المضيئة بقوة في سماء التلاوة.

بعد الشهرة التي حققها الشيخ عبدالباسط في بضعة أشهر كان لابد من إقامة
دائمة بالقاهرة مع أسرته التي نقلها من الصعيد إلى حي السيدة زينب ليسعد
بجوار حفيدة الرسول (ص) والتي تسببت في شهرته والتحاقه بالإذاعة وتقديمه
كهدية للعالم والمسلمين والإسلام على حد قول ملايين الناس . بسبب إلتحاقه
بالإذاعة زاد الإقبال على شراء أجهزة الراديو وتضاعف إنتاجها وانتشرت
بمعظم البيوت للإستماع إلى صوت الشيخ عبدالباسط وكان الذي يمتلك (( راديو
)) في منطقة أو قرية من القرى كان يقوم برفع صوت الراديو لأعلى درجة حتى
يتمكن الجيران من سماع الشيخ عبدالباسط وهم بمنازلهم وخاصة كل يوم سبت على
موجات البرنامج العام من الثامنة وحتى الثامنة والنصف مساءً . بالإضافة
إلى الحفلات الخارجية التي كانت تذاع على الهواء مباشرة من المساجد الكبرى
.

زياراته المتعددة إلى دول العالم : بدأ الشيخ عبدالباسط رحلته الإذاعية في
رحاب القرآن الكريم منذ عام 1952م فانهالت عليه الدعوات من شتى بقاع
الدنيا في شهر رمضان وغير شهر رمضان .. كانت بعض الدعوات توجه إليه ليس
للإحتفال بمناسبة معينة وإنما كانت الدعوة للحضور إلى الدولة التي أرسلت
إليه لإقامة حفل بغير مناسبة وإذا سألتهم عن المناسبة التي من أجلها حضر
الشيخ عبدالباسط فكان ردهم (( بأن المناسبة هو وجود الشيخ عبدالباسط ))
فكان الإحتفال به ومن أجله لأنه كان يضفي جواً من البهجة والفرحة على
المكان الذي يحل به .. وهذا يظهر من خلال استقبال شعوب دول العالم له
استقبالاً رسمياً على المستوى القيادي والحكومي والشعبي .. حيث استقبله
الرئيس الباكستاني في أرض المطار وصافحه وهو ينزل من الطائرة .. وفي
جاكرتا بدولة أندونيسيا قرأ القرآن الكريم بأكبر مساجدها فامتلأت جنبات
المسجد بالحاضرين وامتد المجلس خارج المسجد لمسافة كيلو متر مربع فامتلأ
الميدان المقابل للمسجد بأكثر من ربع مليون مسلم يستمعون إليه وقوفا على
الأقدام حتى مطلع الفجر .

وفي جنوب أفريقيا عندما علم المسئولون بوصوله أرسلوا إليه فريق عمل إعلامي
من رجال الصحافة والإذاعة والتليفزيون لإجراء لقاءات معه ومعرفة رأيه عما
إذا كانت هناك تفرقة عنصرية أم لا من وجهة نظره , فكان أذكى منهم وأسند كل
شيء إلى زميله وابن بلده ورفيق رحلته القارىء الشيخ أحمد الرزيقي الذي رد
عليهم بكل لباقة وأنهى اللقاء بوعي ودبلوماسية أضافت إلى أهل القرآن مكاسب
لا حد لها فرضت احترامهم على الجميع .

كانت أول زيارة للشيخ عبدالباسط خارج مصر بعد التحاقه بالإذاعة عام 1952
زار خلالها السعودية لأداء فريضة الحج ومعه والده .. واعتبر السعوديون هذه
الزيارة مهيأة من قبل الله فهي فرصة يجب أن تجنى منها الثمار , فطلبوا منه
أن يسجل عدة تسجيلات للمملكة لتذاع عبر موجات الإذاعة .. لم يتردد الشيخ
عبدالباسط وقام بتسجيل عدة تلاوات للمملكة العربية السعودية أشهرها التي
سجلت بالحرم المكي والمسجد النبوي الشريف (( لقب بعدها بصوت مكة )) .. ولم
تكن هذه المرة الأخيرة التي زار فيها السعودية وإنما تعددت الزيارات ما
بين دعوات رسمية وبعثات وزيارات لحج بيت الله الحرام .

ومن بين الدول التي زارها (( الهند )) لإحياء احتفال ديني كبير أقامه أحد
الأغنياء المسلمين هناك .. فوجيء الشيخ عبدالباسط بجميع الحاضرين يخلعون
الأحذية ويقفون على الأرض وقد حنّوا رؤوسهم إلى أسفل ينظرون محل السجود
وأعينهم تفيض من الدمع يبكون إلى أن انتهى من التلاوة وعيناه تذرفان الدمع
تأثراً بهذا الموقف الخاشع . لم يقتصر الشيخ عبدالباسط في سفره على الدول
العربية والإسلامية فقط وإنما جاب العالم شرقاً وغرباً .. شمالاً وجنوباً
وصولاً إلى المسلمين في أي مكان من أرض الله الواسعة .. ومن أشهر المساجد
التي قرأ بها القرآن هي المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي الشريف
بالمدينة المنورة بالسعودية والمسجد الأقصى بالقدس وكذلك المسجد
الإبراهيمي بالخليل بفلسطين والمسجد الأموي بدمشق وأشهر المساجد بآسيا
وإفريقيا والولايات المتحدة وفرنسا ولندن والهند ومعظم دول العالم , فلم
تخل جريدة رسمية أو غير رسمية من صورة وتعليقات تظهر أنه أسطورة تستحق
التقدير والإحترام .

تكريمه : يعتبر الشيخ عبدالباسط القارىء الوحيد الذي نال من التكريم حظاً
لم يحصل عليه أحد بهذا القدر من الشهرة والمنزلة التي تربع بها على عرش
تلاوة القرآن الكريم لما يقرب من نصف قرن من الزمان نال خلالها قدر من
الحب الذي جعل منه أسطورة لن تتأثر بمرور السنين بل كلما مر عليها الزمان
زادت قيمتها وارتفع قدرها كالجواهر النفيسة ولم ينس حياً ولا ميتاً فكان
تكريمه حياً عام 1956 عندما كرمته سوريا بمنحه وسام الاستحقاق ووسام الأرز
من لبنان والوسام الذهبي من ماليزيا ووسام من السنغال وآخر من المغرب وآخر
الأوسمة التي حصل عليها كان بعد رحيله من الرئيس محمد حسن مبارك في
الاحتفال بليلة القدر عام 1990م.

رحلته مع المرض والوفاة : تمكن مرض السكر منه وكان يحاول مقاومته بالحرص
الشديد والإلتزام في تناول الطعام والمشروبات ولكن تاضمن الكسل الكبدي مع
السكر فلم يستطع أن يقاوم هذين المرضين الخطيرين فأصيب بالتهاب كبدي قبل
رحيله بأقل من شهر فدخل مستشفى الدكتور بدران بالجيزة إلا أن صحته تدهورت
مما دفع أبناءه والأطباء إلى نصحه بالسفر إلى الخارج ليعالج بلندن حيث مكث
بها أسبوعاً وكان بصحبته ابنه طارق فطلب منه أن يعود به إلى مصر وكأنه
أحسّ أن نهار العمر قد ذهب , وعيد اللقاء قد اقترب . فما الحياة إلا ساعة
ثم تنقضي , فالقرآن أعظم كرامة أكرم الله بها عبده وأجل عطية أعطاها إياه
فهو الذي استمال القلوب وقد شغفها طرباً وطار بها فسافرت إلى النعيم
المقيم بجنات النعيم , وقد غمر القلوب حباً وسحبهم إلى الشجن فحنت إلى
الخير والإيمان وكان سبباً في هداية كثير من القلوب القاسية وكم اهتدى
بتلاوته كثير من الحائرين فبلغ الرسالة القرآنية بصوته العذب الجميل كما
أمره ربه فاستجاب وأطاع كالملائكة يفعلون ما يؤمرون .


وكان رحيله ويوم وداعه بمثابة صاعقة وقعت بقلوب ملايين المسلمين في كل
مكان من أرجاء الدنيا وشيّعه عشرات الألاف من المحبين لصوته وأدائه وشخصه
على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وكانت جنازته وطنية ورسمية على المستويين
المحلي والعالمي فحضر تشييع الجنازة جميع سفراء دول العالم نيابة عن
شعوبهم وملوك ورؤساء دولهم تقديراً لدوره . في مجال الدعوة بكافة أشكالها
حيث كان سبباً في توطيد العلاقات بين كثير من شعوب دول العالم ليصبح يوم
30 نوفمبر من كل عام يوم تكريم لهذا القارىء العظيم ليذكّر المسلمين بيوم
الأربعاء 30/11/1988م الذي توقف عنه وجود المرحوم الشيخ عبدالباسط بين
أحياء الدنيا ليفتح حياةً خالدةً مع أحياء الآخرة يرتل لهم القرآن الكريم
كما كان يرتل في الدينا .

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ كامل يوسف البهتيمي



سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16291





من
مواليد منطقة بهتيم، في شبرا الخيمة، محافظة القليوبية. وهو ربيب الشيخ
محمد سلامة، ويقال إن تأثير مرشده ومربيه يظهر في قدراته الصوتية العالية
المصطلح عليها باسم 'الجواب'، وفي 'قفلاته'. ويظهر تأثير الشيخ محمد رفعت
في قدراته الصوتية المنخفضة المصطلح عليها باسم 'القرار'. وقد درس الشيخ
كامل فن الموسيقي مع عازف القانون المشهور أحمد صبره. ويحظي البهتيمي
بالإعجاب بوجه خاص لخامة صوته المتميز، وهو واحد من القراء القلائل ذوي
الصوت الصافي والقوي علي حد سواء، والمرسل علي سجيته في الإيقاعات النغمية
العالية 'الجواب'، والمنخفضة 'القرار'. وهو أحد القراء القلائل كما يقال
الذين كان لتسجيلاتهم في الأستوديو تأثير مماثل لتسجيلاتهم الحية المباشرة.

__________________

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ محمد بدر حسين



سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16292




ولادته
: ولد القارىء الشيخ محمد بدر حسين بمدينة (( السنطة )) مركز طنطا –
محافظة الغربية في 3/1/1937م. في أسرة دينية, حيث كان والده (( رحمه الله
)) يحفظ القرآن إلى جانب اهتماماته بأمور دينه ولقب بالشيخ لأنه كان تقياً
مطيعاً لربه, ومصدر خير بين الناس .. يسدي النصح لكل من يجالسه أو يتعامل
معه .. لم يتطلع الشيخ بدر إلى زخارف الدنيا بقدر ما تمنى أن يعمل للأخرة,
ولم يطلب من الله أن يرزقه بولد ليكون زينة في الحياة الدنيا وإنما كان
يرجو الولد ليهبه للقرآن وحفظه .. لم يتوقع الشيخ بدر أن يكون الوليد الذي
أسماه (( محمداً )) قارئاً مشهوراً في كل أنحاء الدنيا وأحد النجوم
الساطعة في سماء تلاوة القرآن الكريم .. ولما بلغ الرابعة من عمره ذهب به
والده إلى الكتّاب الذي يعد صاحب الفضل العظيم عليه في التمكن من القرآن
حفظاً وتجويداً .. ولنبوغه وسرعة استيعابه لكلمات الله أشير إليه بالبنان
وشهد له شيخه بالإلتزام والإستجابة السريعة لتوجيهاته ونصائحه له. يقول
الشيخ محمد بدر حسين (( في الكتّاب كان مولدي الحقيقي بين أحضان كلمات
الله المباركات ووجدت اهتماماً كبيراً من كل المحيطين بي مما شجعني على
الإقبال بلهفة وشوق لحفظ القرآن الكريم فكنت أتوجه إلى حيث يتلى كتاب
الله, وكان جهاز الراديو قبلتي التي أجلس إليها في هدوء لأستمتع بما يتلى
من قرآن بأصوات نوابغ القرآن أمثال أساتذتنا الكبار كالشيخ مصطفى إسماعيل
والشيخ أبوالعينين شعيشع والشيخ البنا والشيخ البهتيمي والشيخ عبدالباسط
وغيرهم من أصحاب الأسماء اللامعة والشهرة الواسعة .. وكان والدي يحاول أن
يوفر لي كل شيء من الممكن أن أصل من خلاله إلى أن أنال شرف الإرتقاء إلى
منازل هؤلاء العباقرة من قراء القرآن الكريم .. جلس والدي أمامي كثيراً
ليستمع إلى أدائي وطريقة التلاوة حتى يثقل موهبتي ويوجهني منذ الصغر
لإتقان التلاوة لأنها من وجهة نظره الصحيحة هي ليست مهنة ولكنها رسالة
وأمانة يجب أن تؤدى غير منقوصة .. ولأن والدي كان قريباً من مجالسة
العلماء والفقهاء ورجال الدين تمنى أن أكون عالماً وقارئاً فألحقني
بالأزهر الشريف فتلقيت علوم القرآن إلى جانب العلوم الأزهرية وتفوقت بفضل
الله ثم بفضل حفظي للقرآن ودرايتي بعلومه .. لم يكتف الشيخ محمد بدر حسين
بالتحاقه بالأزهر ولكنه عشق تلاوة القرآن فسرى حبه للتلاوة سريان الدم في
عروقه فاتقن تقليد الشيخ مصطفى إسماعيل وقبل الدعوات البسيطة لإحياء
المآتم والمناسبات والسهرات المتواضعة وهو ما بين الثانية عشرة والخامسة
عشرة من عمره, كما كان لمشايخه بالمعهد الديني الأثر الأكبر في انتشاره
كقارىء صغير حيث رشحوه لافتتاح كل احتفالاتهم الدينية بتلاوة القرآن أمام
كبار الشخصيات والضيوف وعلماء الأزهر الشريف .. ولأن المعهد الديني بطنطا
كان يستوعب الآلاف من الطلاب من أنحاء المحافظات .. استطاع الشيخ محمد بدر
حسين أن ينتشر عن طريق زملائه الذين حرصوا على توجيه الدعوات إليه
لزيارتهم ومشاركتهم إحياء بعض الحفلات في بلادههم.

حصل الشيخ محمد بدر حسين على الشهادة الثانوية الأزهرية عام 1959م-1960م
والتحق بكلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة التي التقى فيها
بكثير من العلماء وكوكبة من القراء المشاهير , فسعد بانتقاله إلى بلد
الأزهر الشريف واقترابه من الأضواء وعوامل الشهرة التي تطلع إليها منذ
الصغر ليوظف موهبته توظيفاً مفيداً يستحق المزيد من الجهد والكفاح بصبر
ومثابرة.

بعد إلتحاقه بكلية أصول الدين بالقاهرة فكر في كيفية الالتحاق بالإذاعة
التي كانت أملاً صعب المنال في ذلك الحين .. يقول الشيخ محمد بدر حسين :
(( .. بعد انتقالي إلى القاهرة لم يستهويني شيء من بريقها بقدر ما تعلقت
بمعالمها الدينية وخاصة الأزهر الشريف وجامعه الذي سيكون هو والمسجد
الحسيني والمسجد الزيني أهم المنابر القرآنية التي فيها يتعرف عليّ
المسئولون بعد ما أوفق في تلاوة القرآن امامهم وفي مجالسهم .

كنت أقتنص أي فرصة تسنح لي لأتلو القرآن بأحد تلك المساجد ولو لمدة خمس
دقائق .. كانت الرهبة في البداية تتملكني لهيبة المكان الذي يتردد عليه
أساطين قراء القرآن الذي لا مجال فيه لقارىء غير متمكن وحتى الرواد بتلك
المساجد ما هم إلا مجموعات من أجود المستمعين المتعصبين لنجومهم المفضلة
من المقرئين الموهوبين السالف ذكرهم .. كان صعباً على هاو أو شبه قارىء
التعرض لوضع نفسه في موقف لا يحسد عليه فيطلب السماح له بالتلاوة في مثل
هذه المحاريب .. ولكنني بتوفيق من الله استطعت أن أصنع لي اسماً وشخصية
قرآنية جعلت كثير من كبار المهتمين بتلاوة القرآن يشجعونني على التقدم
للإلتحاق بالإذاعة كقارىء بها.

الإلتحاق بالإذاعة : تقدم للإذاعة بطلب للإختبار أمام اللجنة .. صادف ذلك
تقدم أكثر من مائة وستين قارئاً دفعة واحدة للإذاعة. ولأن التقدم للإذاعة
من حق الجميع كان لا بد أن نرى مثل هذا العدد الذي تم تصفيته إلى أربعة
قراء توافرت لديهم الشروط الواجب توافرها فيمن يتطلع إلى الشهرة والمجد عن
طريق الإذاعة. يقول الشيخ محمد بدر حسين : ((.. تقدمت للإذاعة عام 1961م
وكان عمري وقتذاك لا يتعدى أربعة وعشرين عاماً .. وتمت التصفية إلى أن
أعتمد أعضاء اللجنة أربعة فقط من المئات التي تقدمت للإختبار أمام اللجنة
التي لم تجز إلا هؤلاء : راغب مصطفى غلوش, عبدالعزيز علي فرج, محمد ساعي
نصر الحرزاوي, محمد بدر حسين .. وكان القارىء الذي يمر على تلك اللجنة
وينجح كان يعتبر فلتة من فلتات الزمان لأن اللجنة كانت تضم كوكبة من
العلماء وكبار الإذاعيين والموسيقيين في مصر, حيث كانت اللجنة تتكون من
المرحوم الإمام الأكبر الدكتور عبدالحليم محمود رئيساً ومن بين الأعضاء
الشيخ أحمد السنوسي والمؤرخ الموسيقي الأستاذ محمد حسن الشجاعي والشاعر
الأستاذ هارون الحلو والإذاعيين الأستاذ عبدالحميد الحديدي والأستاذ أمين
عبدالحميد .. ودخلت اللجنة فانهالت عليّ الأسئلة من كل اتجاه في الحفظ
والأحكام وعلوم القرآن .. وبعد أكثر من ساعة هنأني أعضاء اللجنة وقدموا لي
بعض النصائح حتى أستطيع أن أحافظ على صوتي وأدائي للقرآن )).

بعد التحاقه بالإذاعة ذاع صيته واصبح في مقدمة المشاهير, مكنه من ذلك
مواصلته الدراسة بجامعة الأزهر الشريف وتخرجه في كلية أصول الدين عام
1968م .. مما أتاح له الفرصة لأن ينهل من علوم القرآن ما يؤهله لأن يتلوه
عن علم ودراية بتمكن وجعله يجيد التحدث مع كل طبقات المجتمع ليخطو خطوات
سريعة نحو الشهرة والعالمية لمكانته العلمية والثقافية إلى جانب موهبته في
تلاوة القرآن بصوت عذب شجي جعل المسئولين يوجهون إليه الدعوات لإحياء
المناسبات الكبرى داخل مصر وخارجها وأطلق عليه بعضهم كروان الإذاعة
والقارىء المغرد والقارىء العالم والقيثارة .

التدرج في الوظيفة : تدرج الشيخ محمد بدر حسين في السلك الوظيفي حيث عمل
مدرساً بالمعاهد الأزهرية بمنطقة البحيرة ثم مدرساً أول بمعهد دمنهور
الثانوي الأزهري إلى أن تم ترقيته عام 1980م للعمل بالتفتيش العام على
المعاهد الأزهرية بالبحيرة والآن هو أحد الموجهين العموم بالمنطقة
الأزهرية بمحافظة البحيرة .. لم يتقصر دور الشيخ محمد بدر حسين عند هذا
العطاء العلمي والقرآني ولكنه شارك في المؤتمرات الكبرى بصفته عضواً
بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية .. وكانت آراؤه واقتراحاته دائماً في
صالح حفظة القرآن الكريم .. ولذلك وجدناه كثيراً ممثلاً لمصر في المسابقات
العالمية والدولية كمحكم في كثير من دول العالم وقد ظهرت صوره كثيراً
بالمحافل الدولية والعالمية بين الملوك والزعماء وكبار الشخصيات وكان
نجماً ساطعاً يرفع راية مصر عالياً لاعتزازه بالعلم والقرآن وبأنه مصري
يحب وطنه كثيراً .. وللشيخ محمد شخصية تميزه في أدائه وتلاوته بصوت شجي
يستطيع السامع أن يميزه من أول لحظة مما يدل على أنه صاحب مدرسة فريدة لا
ينافسه فيها أحد.

خلال رحلته التي تقترب من نصف قرن من الزمان قضاها في تلاوة القرآن وخدمته
.. استطاع الشيخ محمد بدر حسين أن يلتقي بأجلاء العلماء .. فتتلمذ على
أيديهم ونهل من علمهم واستمع إلى نصحهم ولم يخل له حديث من ذكر مناقبهم
وفضائلهم عليه وأنهم سبب قوي في تكوين شخصيته القرآنية وشهرته العالمية .

وأول هؤلاء الكواكب التي أضاءت الطريق ومهدته أمام الشيخ محمد بدر حسين ..
المرحوم العالم الجليل الشيخ المتين عبدالفتاح القاضي الذي كان يقول للشيخ
محمد بدر حسين أنت (( ابني يا شيخ محمد )) .. وكانت هذه العبارة تعطي
الشيخ محمد بدر دفعة نحو تحصيل العلوم القرآنية وتساعده على الإبداع في
التلاوة لأن شهادة الشيخ القاضي كانت بمثابة وسام على صدر كل من يعترف به
الشيخ القاضي .


ذكريات لا ينساها : ومن الذكريات التي لن ينساها الشيخ محمد بدر حسين ..
عام 1962م دعي لإحياء احتفال بمدينة دمنهور في حضور كبار المسئولين
يتقدمهم السيد / المحافظ وجيه أباظة.. وكان الشيخ مصطفى إسماعيل هو قارىء
الحفل الأول فاستقبله السيد المحافظ استقبالاً رسمياً واحتفى به أيما
احتفاء. وكان الحفل محشوداً بالشخصيات الدينية وكبار المسئولين .. ولكن
السيد المحافظ فوجيء بالشيخ مصطفى إسماعيل يسلم على أحد الشيوخ الحاضرين
ويقبل يده فسأل السيد المحافظ عن هذا الرجل الذي قبل الشيخ مصطفى إسماعيل
يده .. فقيل له إنه الشيخ عبدالفتاح القاضي أكبر عالم قراءات في مصر وفي
العالم كله .. وهو أستاذ المشايخ كلهم. فقال المحافظ: وهل لهذه القراءات
معهد تدرّس فيه فقيل لسيادته لا يوجد إلا بالقاهرة . فأمر المحافظ بإنشاء
معهد للقراءات بدمنهور تكريماً للشيخ القاضي ليكون ثاني معهد للقراءات
بمصر بعد معهد قراءات القاهرة في ذلك الوقت .. ومن العلماء الأجلاء الذين
تتلمذ الشيخ محمد بدر حسين على أيديهم الإمام الراحل الأستاذ الدكتور
عبدالحليم محمود الذي تتلمذ الشيخ محمد بدر على يديه بكلية أصول الدين ..
والذي عندما تولى مسئولية الإمام الأكبر وشيخ الأزهر .. والتقى الإمام
بتلميذه في احتفال رسمي كانت سعادته كبيرة بتلميذه محمد بدر حسين وهو يتلو
القرآن عبر موجات الإذاعة والتليفزيون والعالم كله يستمع إليه .. ومن
العلماء الذي الذي أثروا في شخصية الشيخ محمد على حد قوله فضيلة الشيخ رزق
خليل حبه شيخ عموم المقارىء المصرية والذي يعد أستاذاً للشيخ محمد بدر في
علوم القرآن.


السفر إلى معظم دول العالم : بدأت رحلته مع كتاب الله عز وجل خارج مصر منذ
عام 1963 وكان سنه 26 سنة كان مبعوثاً إلى الهند وباكستان .. وسافر إلى
الجزائر عام 1964م وقرأ بأشهر مساجدها .. وفي عام 1966م سافر إلى اليمن
وعام 1967 سافر إلى تونس وقرأ بأكبر مساجدها وفي عام 1970م سافر إلى
السودان . وتم اختياره عام 1970م ليكون عضواً بلجنةالتحكيم بماليزيا في
المسابقة الدولية التي أقيمت هناك لاختيار الأول على العالم في حفظ القرآن
وتجويده , وكان سنه 33 سنة فكان اصغر محكم ولكنه كان كبيراً بعلمه .. ومن
عام 1972م إلى عام 1974م وجهت إليه الدعوات من الحكومة البحرينية لإحياء
شهر رمضان لتعلق أهلها بحسن تلاوته .. بعدها سافر عام 1975م إلى الولايات
المتحدة الأمريكية وقرأ بأكثر من عشر ولايات بدعوات وجهت إليه من الجاليات
المسلمة هناك . سافر إلى الكويت عام 1977م بدعوة من حكومتها لإحياء ليالي
شهر رمضان .


وبعد 12 سنة قضاها الشيخ محمد متنقلاً بين أكبر المساجد والمراكز
الإسلامية في معظم قارات الدنيا .. عاوده الشوق والحنين إلى مساجد آل بيت
النبي (ص) وإلى جمال أيام وليالي شهر رمضان وحلاوتها ومتعتها بمصر والتي
لا تعادلها متعة في الوجود, فاعتذر عن عدم قبول عشرات الدعوات التي جاءته
من مختلف دول العالم .. ولأن الحب والتكريم يجب أن يقابل بمثله, سافر إلى
دولة الإمارات عام 1990م لإحياء شهر رمضان وإلى البرازيل عام 1991م و
1994م ثم عاد لإحياء شهر رمضان عام 1996م بدولة الإمارات العربية .

وللشيخ بدر حسين مع هذه الأسفار المتعددة ذكريات لا تنسى .. في الهند عام
1963م كان بصحبة الشيخ الحصري لإحياء ليالي شهر رمضان بالعاصمة (( نيودهلي
)) وكان بها مسجد يسع لأكثر من 25 ألف مصلٍ .. وكانوا يستمعون إلى القرآن
وهم يقفون على أقدامهم لأكثر من ساعتين ويبكون بصوت مسموع من شدة تأثرهم
بتلاوة القرآن مع أن معظمهم لا يفهم اللغة العربية ولكن هذا سر إعجاز
القرآن الكريم, الذي ينفذ إلى القلوب بجلاله وجماله وموسيقاه الطبيعية
المرسلة التي ليست من صنع البشر.

والمنظر الذي أثر في كيان الشيخ بدر هناك عندما رأى ((المحرقة)) وألسنة
النار تلتهم أجساد الموتى من البشر. وفي تونس عام 1967م قضى الشيخ محمد
بدر حسين أمتع أيام حياته من شدة اهتمام التوانسة بسماع القرآن والإحتفاء
بالقارىء والأعداد التي تقدر بالآلاف ولكن لم تكتمل البهجة بعد 16 يوماً
من الرحلة. ففي المسجد الكبير بالعاصمة أقيم احتفال رسمي كبير حضره الرئيس
الراحل ((الحبيب بورقيبة)) بمناسبة ذكرى ليلة بدر يوم 16 رمضان وكان
الإحتفال مذاعاً عبر موجات الإذاعة وشاشات التليفزيون وطلب الحاضرون من
الشيخ بدر الإستمرار في التلاوة بناء على رغبة الرئيس بورقيبة وبذل الشيخ
بدر جهداً مضاعفاً لدرجة أن الدم نزف من أنفه في نهاية القراءة..

إنشغل الشيخ بدر بسبب ما حدث وقال في نفسه لابد أن حدث شيء لعزيز لديّ
بمصر وانشغل على والده كثيراً فاتصل بأهل زوجته بالمحلة الكبرى فلم يجدهم
فاتصل بالجيران فأخفوا عنه خبر وفاة أبيه فقال لهم يبدو أن والدي (( مات
)) وعاود الإتصال فلم يعلمه أحد بخبر وفاة أبيه إلا بعد عودته .. ليجد أن
القدر حال بينه وبين رؤية أبيه الذي كان بدراً فارق الحياة ليلة بدر
ليتعانق البدران, الذكرى والإنسان فأصبح احتفال الشيخ محمد بدر بليلة
السابع عشر احتفالاً قرآنياً يقرأ فيه القرآن على روح والده الطاهرة وعلى
أرواح شهداء بدر الأبرار.

وفي عام 1970م سافر الشيخ محمد بدر حسين إلى دولة ماليزيا لإحياء ليالي
شهر رمضان وتم اختياره ضمن لجنة التحكيم بالمسابقة الدولية لحفظ القرآن
الكريم بين أوائل الحفظة على مستوى دول العالم وأقيمت المسابقة باستاد
ماليزيا الرياضي الذي أعد وجهز بأعلى الإمكانات لانعقاد المسابقة وفي
المدرجات يجلس آلاف المسلمين للإستمتاع بما يتلى من قرآن في المسابقة
والتي تقدم للحاضرين فيها ملك ماليزيا. وفي عام 1989م وجهت إليه الدعوة
لافتتاح مسجد (( الملك عبدالله )) جد الملك حسين وفي نفس العام سافر إلى
العراق كعضو بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ممثلاً للجنة القرآن وعلومه
في مؤتمر ( السلام في الإسلام ) الذي انعقد في بغداد وبدأت أولى جلسات
المؤتمر بتلاوة آي الذكر الحكيم للقارىء الشيخ محمد بدر حسين. وفي عام
1994م سافر الشيخ محمد بدر حسين إلى دولة الإمارات لإحياء ليالي شهر رمضان
في (( أبوظبي )) حيث سعد بصحبة الشيخ أحمد الرزيقي والشيخ محمد صديق
المنشاوي .


تكريم الشيخ محمد بدر حسين خلال أسفاره المتعددة : أعز ما حصل عليه من
تكريم خلال هذه الرحلات المتعددة هو جسور الصداقات التي أقيمت بينه وبين
الآلاف من المسلمين وأعضاء الجاليات الإسلامية بالخارج , بالإضافة إلى بعض
الهدايا التذكارية التي قدمت إليه من بعض الملوك والرؤساء والمسئولين
أقربها إلى قلبه قطعة من كسوة الكعبة أهداها له الملك فهد بن عبدالعزيز
الذي وجه إليه الدعوة لحضور غسل الكعبة وتبديل كسوتها . وكذلك أعطاه خادم
الحرمين تسجيلاً كاملاً للقرآن بصوت الشيخ الحذيفي .. قدم له ملك ماليزيا
( الزي الرسمي الماليزي ) وهو زي الملك إهداءً وتقديراً لدوره كعضو بلجنة
التحكيم بمسابقة القرآن العالمية بالإضافة إلى طبق من الفضة مكتوب عليه
تاريخ المسابقة .. وقدم له الرئيس بورقيبه عام 1967م ساعة يد من الذهب
الخالص كهدية تقديراً لجهوده في مجال خدمة القرآن وتلاوته .. وأهداه الملك
حسين ملك الأردن ساعة يد قيمة جداً أثناء حضوره الإحتفال بافتتاح مسجد
الملك (( عبدالله )) وأعظم منحة قدمت إليه عندما طلب منه المسئولون
بالمركز الإسلامي بواشنطن أن يكون شاهداً على اعتناق خمسة أشخاص للدين
الإسلامي ونطقوا أمامه شهادة .. (( أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول
الله )).

حبه لآل بيت الرسول (ص) وأولياء الله الصالحين : إذا طفت معه بالحديث حول
عترة رسول الله (ص) أو الأولياء تجد لسانه يقطر كلمات تعطر أطراف الحديث
بجلالها ووقارها وعذوبتها, تدل على تعلقه بهؤلاء الأتقياء الأولياء..
ولذلك تمسك بالقراءة في مساجدهم . حيث بدأ بالتلاوة كقارىء للسورة كل يوم
جمعة بمسجد السيدة (( سكينة )) بنت الإمام الحسين (ع) لمدة 23 عاماً منذ
عام 1970م بعد وفاة قارىء المسجد المرحوم الشيخ طه الفشني. انتقل في نهاية
عام 1993م إلى مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي ليقرأ السورة كل يوم جمعة. ..
حتى يعود إليه قارئه الشيخ راغب مصطفى غلوش الذي ترك المسجد لأن محافظ كفر
الشيخ وقتذاك أراد أن يتدخل في عمله فأخذته عزة القرآن وأبى على نفسه هذا
التدخل وانتهى الأمر إلى صدور قرار أبعد الشيخ راغب عن مسجده وآلاف من
محبيه ثلاث سنوات عاد بعدها عزيزا بعزة القرآن وبالمساعي التي بذلتها
نقابة القراء وخاصة النقيب والأمين العام. وهنا يسجل موقف لفضيلة القارىء
الشيخ محمد بدر حسين عندما كان أول المهنئين لزميله وأخيه وصديقه الشيخ
راغب على عودته لقراءة السورة بمسجده مرة ثانية, وذلك في أول شهر مايو من
العام الحالي 1996م.



أسرة الشيخ محمد بدر حسين : إن البدر لا ينتج إلا النور وخاصة عند اكتماله
ليضيء الدنيا وليس غريباً أن يكون هذا البدر المحمدي الحسيني مصدر نور في
مملكة تغذى طاقمها بزاد القرآن ورحيقه وعذب كلامه شاركه في صياغة كواكب
هذه المملكة وتلك النجوم الزاهرة سماء حملت النجوم الأربعة وقدمت لهم
الرعاية الكاملة المستمدة من البدر القرآني والتوصيات المحمدية ليخيم جو
رطب على هذه الأسرة التي تشع أخلاقاً كريمة وقيماً نبيلة. فالأبن الأكبر
ضابط الشرطة صاحب الخلق الرفيع الرائد أحمد محمد بدر حسين رئيس حرس جامعة
الأزهر فرع البحيرة. لا يفارق والده عند الإحتفالات الرسمية والدينية
وخاصة أثناء تلاوته سورة الجمعة وهو جامع تراث والده ويهتم بكل صغيرة
وكبيرة يسلجها كتاريخ قرآني علمي لوالده. وأما الإبن الثاني ضابط الشرطة
النقيب محمود محمد بدر حسين فهو يسر على درب أخيه وشقيقه الأكبر أحمد
يقتدي به وكلهم اقتدى بالقرآن الذي تلي في بيتهم ليل نهار .. بكرة وأصيلا.


ولدى الشيخ محمد بدر حسين بنتان متزوجتان الأولى أمل والثانية إيمان محمد
بدر حسين وكم تغمره السعادة عندما يجلس بين أحفاده وخاصة المسمى باسمه
الطفل محمد أحمد بدر حسين نجل الضابط أحمد والدكتوره سحر حلمي .. وكذلك
الحفيدة دينا ابنة المهندس المعماري سامي أحمد زوج السيدة أمل محمد بدر
حسين.


يقول الشيخ محمد بدر حسين بعد هذه الرحلة العظيمة : إن حملة القرآن وحفظته
هم أهل الله وخاصته .. إذا عملوا بما استأمنهم عليه رب العزة وما منحهم من
خير في الدنيا والآخرة .. ويقول : إن الفضل كله لله ثم لوالدي ورضائهما
عليّ ثم لأصحاب الفضيلة من العلماء الذين تركوا بصمات واضحة في حياتي كانت
سبباً في هذا الفضل الرباني والنعمة الإلهية والخير القرآني .. اللهم
اجزهم عما قدموا لي خير الجزاء اللهم آمين.

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ محمد رفعت


سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16293

هو
الأول والأخير من مقرئي القرآن الذي تهافت على سماعه عدد كبير من غير
المسلمين وهو القارىء الذي أحاطت به هالة من الأساطير قال عنه مفتي سوريا
بعد وفاته " أنه جدد شباب الاسلام ".

وهو من مواليد حي المغربلين بمدينة القاهرة عام 1882 م ألحقه أبوه بكتاب
الحي عندما بلغ الخامسة من عمره وأتم حفظ القرآن قبل أن يتم العشر سنوات
وكان شيخه ومحفظه يحبه كثيرا لإتقانه الحفظ والتلاوة بصوت شجي فعلمه
التجويد وأعطاه شهادة إجادة حفظ القرآن وتجويده قبل بلوغه السادسة عشر من
عمره وكتب فيها : أنه وبعد أن قرأ علينا الشيخ محمد رفعت القرآن الكريم
تلاوة وترتيلا ومجودا ومجزءا فقد منحته الإعتراف بأهليته لترتيل القرآن
وتجويده ..ومنذ تلك اللحظة والشيخ محمد رفعت يقرأ القرآن في السهرات
والليالي والأفراح والمأتم... وقد أحترف القراءة والتلاوة وسط جيل من رواد
الموسيقى كالشيخ أبو العلا محمد وعبده الحامولي ومحمد عثمان فاستقى حلاوة
الصوت النغمي باقترابه منهم وإستماعه لموسيقاهم وطربهم في الأفراح
والسهرات إضافة إلى كوكبة أخرى من القراء العظام الذين سطع نجمهم في عصره
ولكنهم لم ينالوا حظهم كالشيخ البربري وحنفي برعي والمناخلي وإسماعيل سكر
فاكتسب فنه وحلاوة صوته من إلتصاقه بهؤلاء القراء والمشايخ الكبار في
موسيقاهم وقراءاتهم ..فأخذ من كل منهم أبدع مافيه حتى فاقهم هو بموهبته
رغم صغر سنه بالنسبة لهم فأخذ يجوب محافظات مصر ويقرأ فيها حتى سطع نجمه
وأصبح القارىء الأول في مصر كلها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ..

وفي عام 1934 م وبينما كان الشيخ رفعت يقرأ في أحد المآتم إذ استمع إليه
البرنس محمد على مصادفة فأعجب به وبصوته وأسلوب تلاوته فأرسل إليه وطلب
منه أن يفتتح الإذاعة الأهلية بتلاوة القرآن الكريم فكان ذلك فتحا كبيرا
على الشيخ محمد رفعت إذا كان أول قارىء بالإذاعة الأهلية.


 لقد سجل الشيخ رفعت بعض السور القرآنية لإذاعة الـ ب.ب.س البريطانية على
شرائط كاسيت قبل أن يسجل للإذاعة الأهلية المصرية .... لماذا؟

** أول تسجيل للشيخ رفعت بصوته كان تسجيلاً أهلياً .. فقد سجل له صديقاه
زكريا باشا مهران صاحب بنك مصر والحاج محمد خميس التاجر الكبير المعروف في
ذلك الوقت سورتا الكهف ومريم على أسطوانة .. ثم طلبت منه بعد ذلك إذاعة
الـ ب. ب. س البريطانية أن يسجل لها القرآن بصوته فرفض معتقداً أن ذلك يعد
حراماً على اساس أنها إذاعة أجنبية فأستفتى الشيخ المراغي شيخ الأزهر في
ذلك الوقت فصحح له إعتقاده فسجل لها سورة مريم وبعد ذلك طلبت منه الإذاعة
الأهلية أن يسجل لها وكان في مرضه الأخير فسجل لها بعض السور كالكهف ومريم
ويونس على أسطوانتين إلا أن صوته كان غير مرض بالنسبة له وظلت الإذاعة
تذبع له تلك التسجيلات طيلة حياته ولم يكن راضياً عنها , وبعد وفاته علم
المسؤلين بالإذاعة أن هناك تسجيلين آخرين عند صاحبيه زكريا مهران ومحمد
خميس وبعض التسجيلات الأخرى وبصوت قوي وأستطاعوا أن يحصلوا على تلك
التسجيلات وتم إعادة طبعها واستعانت الإذاعة بالقارئ الشيخ أبو العينين
شعيشع في إستكمال بعض الآيات وربطها في الأسطوانات المسجلة لوجود عيوباً
فنية بها , وهي التي تذاع الآن.


 هاجمت الزغطة الشيخ محمد رفعت مع بداية عام 1943 م فكانت بداية رحلته مع
المرض الذي أحتار الأطباء في علاجه منه حتى توفى عام 1950م ... فماذا كان
يفعل طوال هذه الفترة ؟ وهل أمتنع عن القراءة في الإذاعة ؟

** لقد هاجمه المرض في عام 1943م كما ذكرت حضرتك وكانت الزغطة شديدة جداً
حيث كانت تلازمه فترة طويلة تزيد على الثلاث ساعات يومياً فذهب إلى الكثير
من الأطباء وتم أخذ بعض المسكنات ولكن لفترة قصيرة إلا أنها عاودته مرة
اخرى وكان الأطباء قد نصحوه بأن يشرب السوائل من الإناء بطريقة معينة مما
قد يساعد ذلك في منع الزغطة.. وكان في تلك الفترة يذهب إلى الإذاعة يومين
في الأسبوع هما يومي الأثنين والجمعة وذلك حتى عام 1948م حيث أشتد عليه
المرض الذي كان يهاجمه أغلب ساعات يومه دون إنقطاع حتى أنها هاجمته مرة
أثناء قراءته بالإذاعة فأمتنع عن الذهاب إلى الإذاعة بعدها لشعوره بالخوف
على ضياع مكانته كقارئ عظيم مكتفياً بما قدم حتى أنه فضل القراءة في إحدى
مساجد حي السيدة زينب وهو مسجد فاضل كان يقرأ فيه القرآن دون ان يذهب إلى
الإذاعة.


 ولماذا كان يذهب إلى مسجد فاضل فقط دون الإذاعة ما دام قادراً على القراءة والتلاوة؟

**لقد سألته نفس سؤال حضرتك فقال: أنا اعرف بحالتي عندما أقرأ القرآن ,
فقد يكون صوتي قوياً فأنطلق كالحصان الجموح وأحياناً أخرى يكون صوتي
ضعيفاً لشدة إرهاقي وسوء حالتي النفسية من شدة المرض, فإذا ما قرأت في
المسجد وكنت على غير ما يرام سترني أصحابي وأحبابي أما في الإذاعة فهذا
الأمر لن يكون في صالحي وأنا لا أفضل ذلك في أيامي الأخيرة.



 عندما اشتد المرض بالشيخ محمد رفعت أعلن الكاتب والصحفي الكبير الأستاذ
أحمد الصاوي محمد عن فتح إكتتاب لعلاج الشيخ محمد رفعت إلا أن الشيخ رفض..
لماذا؟ وما حقيقة ذلك الأمر؟

** في يوليو عام 1949 م كانت مجلة المصور قد نشرت خبرا مصورا عن مرض الشيخ
محمد رفعت فأعلن الأستاذ أحمد الصاوي محمد عن فتح إكتتاب لعلاج الشيخ وجمع
التبرعات فأثار ذلك الخبر حزن محبيه والمعجبين بصوته وتم جمع ما يزيد عن
خمسين ألف جنيها وعندما علم الشيخ رفعت بذلك قال : أنا مستور والحمد لله
ولست في الحالة التي تستوجب جمع هذه المبالغ وإذا كان على العلاج فالأطباء
يعالجونني ولكنهم لم يستطيعوا وقف هذا المرض ومنعه كما ان هذه المبالغ
أصحابها أولى بها مني فهم الفقراء والمحبين لصوتي حقا ولكني والحمد لله
لست في حاجة إلى كل هذا المال ..ثم قال لي : أحضر ورقة فأحضرتها فقال :
إكتب وأملاني ..إلى الأستاذ أحمد الصاوي ..أعتذر عن قبول هذه التبرعات
..وأن مرضي بيد الله وهو القادر على شفائي وإني لأشكرك وأرجو أن تشكر كل
الذين جمعوا لي هذه التبرعات على روحهم الطيبة وحبهم لي ..فلما أرسلنا هذه
الرسالة إلى الأستاذ أحمد الصاوي كتب بجريدة الأهرام يثني على عفة الشيخ
رفعت وأخلاقه وتأثير القرآن عليه في سمو نفسه وعلوها وقد توفي رحمه الله
بعد ذلك بعام واحد.



 ما عدد أولاده ؟

** خمسة أبناء أكبرهم محمود وولد عام 1906 م موقد توفي صغيرا ثم محمد وولد
عام 1909 م ثم أحمد عام 1911 م ثم ابنته زوجتي وولدت عام 1914 م ثم حسين
وولد عام 1919 م وقد توفاهم الله جميعا.



 لم تكن العلاقة بين الشيخ رفعت والشيخ طه الفشني طيبة ..لماذا ؟

** هذه ليست حقيقة ولكن كل ما في الأمر أن الشيخ رفعت كان قد طلب من الشيخ
طه الفشني الموافقة على زواج إحدى بناته لأحد أبنائه فرفض الشيخ طه الفشني
..فغضب الشيخ رفعت ولكن هذا لم يدم طويلا لأن الشيخ رفعت كان يحب الشيخ طه
ويحب صوته وكذلك إنشاده.



 رغم إعجاب الشيخ محمد رفعت بالشيخ على محمود وبخاصة آدائه في التواشيح و الأبتهالات الدينية إلا أنه كان يلقبه بالبهلوان ..لماذا ؟

** لم يكن هذا رأي الشيخ رفعت وحده فقد قال لي ذات مرة أن المشايخ يلقبون
الشيخ على محمود بالبهلوان ولما سألته : لماذا ؟ قال : لأنه يسرح بالنغم
في الأنشاد ويتوه مع المستمعين ويتوههم معها ويطلع وينزل بكلتا يديه من
شدة الإندماج كالبهلوان ثم يعود إلى ما بدأ به في يداية إنشاده دون أن
يخطىء حتى أننا كنا نخشى عليه ألا يستطيع العودة في إنشاده وإلى ما بدأ به
فإذا به يعود وأقوى فينال إستحسان الناس وتقديرهم ..ولذا فقد كان يكرر
دائما أن الشيخ على محمود لا يبارى في الآداء الإنشادي والإبتهالات.



 كان الشيخ محمد رفعت أحد اقطاب جماعة النقشبندية فكيف كان فكره مع هذه الجماعة ؟ وهل أثر ذلك على سلوكه العام ؟

** كانت هذه الجماعة إحدى الجماعات المتصوفة وكانت تؤمن بمبدأ الخلة أي
الأصدقاء مع الله وعدم التكلف معه لكثرة انشغالهم بالتعبد والتقرب إليه
وهم يعتقدون أنه ليست هناك حواجز بينهم وبين الله فهم مقربون أحباب الله
سبحانه وتعالىوكنتأسمعه حينما يختلي بنفسه يناجي ربه بصوت مسموع وعندما
كان يقول مناجياً ربه : أنا مذنب صحيح .. أنا مش معترض .. أنا معترف بذنبي
.. أنا حبيبك خادم القرآن.. وكان المقصود من هذا الإسم لهذه الجماعة هو
نقش إسم الله على الصدر دليل على المحبة الفياضة لله عز وجل وبدون حدود
فيقول: أنا كل إللي طالبه منك أني أستمر في خدمة القرآن ... اشفيني يا رب
.. مش عايز أموت وأنا عيان كده عايز أخف وأقرأ القرآن من تاني وبعدين أموت
.. ولا أقولك إنت عارف كل حاجة وأنا مش ح أقول أي حاجة .. وأنا عبدك وأنت
ربي وراضي بكل اللي تقسمه لي.. وكان هذا الإيمان بالله وهذا الحب يجعله
هادئ النفس قوي الإيمان لا يهتم بالدنيا ولا المال وكان كل همه هو تلاوة
القرآن فقط فهو يتمنى الشفاء من أجل قراءة القرآن فقط.



 هل كان يدرب صوته قبل أن يذهب إلى الإذاعة ؟

** كان ذلك شيئاً مقدساً وبخاصة قبل ذلك للإذاعة ففي كل صباح يدرب صوته
حيث يدخل حجرته ويمسح حلقه بريشة أشبه بعمل مس للحلق ثم يظل في حجرته لمدة
تزيد عن النصف ساعة يختبر صوته وعندما كنا نسأله عما كان يفعل كان يقول:
أختبر صوتي لأعرف مدى قدرتي للوصول لمقام معين موسيقي معين وكذا أدرب صوتي
على النغمات العالية.


 دكتور فراج.. لماذا رفض الشيخ رفعت دعوة المهراجا الهندي حيدر أباد لقراءة القرآن بالهند؟

** كان الشيخ رفعت يرفض التكسب عن طريق القرآن وعندما دعاه حيدر أباد
للسفر إليه بالهند وترتيل القرآن في حفلات يوبيله مقابل 15ألف جنيه ..
رفض.. وعز عليه أن يرحل إلى الهند خاصة بعد أن علم بنية حيدر أباد بمحاولة
إثناءه عن عزمه بالرجوع إلى مصر في حالة الموافقة على السفر للهند.. وقد
حاول الموسيقار محمد عبد الوهاب أن يثنيه عن الرفض وأغراه بالاستعداد
لمرافقته في تلك الرحلة إلا أنه أصر على الرفض ولم يسافر ولم يقبل تلك
الدعوة.



 وكيف كانت علاقة الإذاعة المصرية به في أخر أيامه؟

** تجاهلت الإذاعة المصرية تسجيلات الشيخ محمد رفعت في أواخر أيامه رغم
أنه كان في أشد الحاجة إلى المال للإنفاق على علاجه وكانت الإذاعة تذيع له
تسجيلاً واحداً في الشهر مقابل خمسة جنيهات فأهابت مجلة المصور بمحطة
الإذاعة أن تحسن معاملة الشيخ في محنته فصارت الناس تسمع صوته مرة في
الأسبوع.



 هل ورث أحد من أبناءه حلاوة الصوت؟

** إبنه محمد كان يحفظ القرآن وكان صوته حلواً ولكنه لم يحترف القراءة.



 ما هي الأمنية التي توفى دون تحقيقها؟

** كان دائماً ما يدعوا الله ألا يتوفاه وهو مريض بهذا المرض الذي أثر على
صوته وهو الزغطة وكان له أثراً سيئاً على حالته المعنوية والنفسية مما أدى
إلى إحتجابه عن القراءة حتى توفى عام 1950م.



 قيل أن الشيخ محمد رفعت ولد مبصراً ؟ فها هذه المقولة صحيحة؟

** بالفعل ولد مبصراً .. وقد قالت لي إبنته هذا الكلام نقلاً عنه فقد كان
جميل الشكل عند ولادته فحسده الناس فهاجمه مرض في إحدى عينيه ولكن الإهمال
في العلاج أثر عليها وعى عينه الأخرى فضعف بصره شيئاً فشيئاً حتى فقدت
إحداهما القدرة على الإبصار وظلت الأخرى ضعيفة إلا أنه كان يرى بها بعض
الشيء وظل كذلك حتى عام 1936م وبينما كان يقرأ سورة الكهف بمسجد سيدي جابر
الشيخ بالإسكندرية إذا أحتشد الناس بالمسجد على غير العادة وألتفوا حوله
بعد صلاة الجمعة ليعانقونه ويقبلونه وبينما هم كذلك حاول أحدهم أن يصل
إليه وسط التفاف الناس حوله ليقبله فطالت أصابع يده تلك العين عن غير قصد
ففثأها وفقد بصره تماماً بعدها.

ما هي ثروته التي تركها حال وفاته؟

** بيته المكون من ثلاثة طوابق .. قام بتأجير طابقين منها. ويوم أن أضطر
إلا تأجير الطابق الثاني ليستعين بالإيجار على مطالب العيش لازم غرفة نومه
أسبوعاً كاملاً أمضاه في البكاء ويوم أن أضطر إلى تأجير الطابق الأرضي كان
الحزن يملاْ حياته والكأبة تخيم عليها كذلك قطعة أرض بشارع المنيرة عليها
سبعة دكاكين وأربعة أشرطة في الإذاعة وبعض الأسطوانات الموسيقية لبيتهوفن
وموزار وشوبرت وفجنر وإسطوانات منيرة المهدية وبعض الأسطوانات التركية.

من كتاب (أصوات من نور) لمحمود الخولي - دار الشباب

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ صديق المنشاوي



سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16294




ولد
الشيخ صديق السيد تايب المنشاوي ببلدة " المنشأة " بمحافظة سوهاج في سنة
1898 م , وهي بلدة كانت تسمي في العصر الفرعوني " منشات " وتجاورها بلدة "
أخميم " وفي الاصل " تخميم" وهما اسمان فرعونيان معناهما ( ولد العم ) ثم
حرفتا إلى المنشأة وأخميم , هذة المعلومة أكدها لي الشيخ محمود صديق
المنشاوي , أحد أضلاع المثلث القرآني بعد والده وشقيقه محمد رحمهما الله .

بدا الشيخ صديق حفظ القرآن على يد والده , فقد كان محفظا جيدا للقرآن وعلي
سعه كبيرة من العلم , وأكمل حفظ القرآن وهو يبلغ من العمر 9 سنوات. انتقل
الشيخ صديق بعد ذلك إلى القاهرة وتلقي علم القرآءات على يد الشيخ المسعودي
وكان معلم قراءات مشهور بمصر في ذلك الوقت .

والتحق الشيخ بالازهر الشريف من أجل هدف واحد وضعه نصب عينيه وهو تنمية
المعلومات الدينية التي ترتبط بعلوم القراءات كالتفسير وعلم اللغة إلى ان
تمكن من إتقانه للقراءات العشر الكبرى فعاد إلى بلدته بمحافظة سوهاج
واشتهر عنه وقتها أنه القارىء الوحيد على مستوي الصعيد فلم يكن هناك وقتها
قراء مشهورون .

وهناك نذر نفسه لتلاوة القرآن فكان يجد حياته مع كتاب الله وفي ضيافته بين
دفتيه مترنما بكلماته , ولم يتقاض أجرا على القرآءة ولم يتفق على أجر معين
طوال حياته المديدة حتى لقي ربه.

ذات مرة دعاه أحد الناس لتلاوة قرآنيه وبعد أن انتهي الشيخ من القرآءة وضع
الرجل يده في جيبه ثم أخرجها وأعطي ما بها للشيخ فقبلها على استحياء , ثم
عاد الشيخ إلي بلدته وفي اليوم التالي جاءه الرجل معتذرا فقد أعطاه مليما
فأكرمه الشيخ صديق المنشاوي لأنه كان على سفر وقال له : الحمد لله هذا
رزقي . وإذا كانت هذه الرواية قد وردت مع الشيخ رفعت فهي إن دلت على شيء
فإنما تدل على نزاهه هؤلاء القراء فهي ليست تكرار بقدر مافيها من دروس
وعبر ؟!

ويروي لي ابنه الشيخ محمود المنشاوي أنه كان لوالده صديق من كبار الأعيان
يسمي محمد باشا حمادة الشريف وكان هذا الرجل يقيم المآدب يوميا طوال شهر
رمضان للفقراء ويدعو الشيخ صديق لتلاوة القرآن وفي إحدي السنوات اشتري
الرجل آلاف القناطير من القطن وبلغ سعر القنطار في ذلك الوقت ثلاثين جنيها
ثم دهمته البورصة فأعلن إفلاسه وكان شهر رمضان قد اقترب موعده فماذا يفعل
الرجل ؟

يقول الشيخ محمود : أرسل الرجل خطابا للوالد يخبره فيه أنه لم يعد ذا قدرة
مالية على إحياء ليالي رمضان ولو دعاه أحد الناس فعليه أن يقبل فما كان من
الشيخ صديق إلا أن ترك الخطاب وفي ليلة رؤية هلال رمضان أرسل إلى بيت
الباشا كل مايلزم لإحياء هذه السنة وعاد الرجل في منتصف شهر رمضان فوجد كل
شيء كما كان من قبل ووجد الشيخ يقرأ القرآن وظل الشيخ على هذه العادة لمدة
ثماني سنوات إلى ان توفي محمد باشا الشريف.

وكان الشيخ يردد دائما : إنه الوفاء ولم ينس طيلة حياته أن هذا الرجل وقف
بجواره يوم كانت حالته المادية بسيطة جدا فكان يعطيه خمسين قرشا كل يوم !!

عاصر الشيخ صديق كلا من الشيخ محمد رفعت والشيخ أحمد ندا والشيخ منصور
بدار والشيخ علي محمود والقدامي من القراء وكان كريما يفتح بيته لكل محتاج
فما كان ينفقه كثيرا حتى ظن الناس أنه مليونير.

ولم ينتقل الشيخ صديق المنشاوي إلى الاذاعة شأن غالبية القراء بل انتقلت
الاذاعة إليه حيث كان يقرأ ببلدة العسيرات وهناك سجلت له عشرين شريطا أذيع
منها شريط واحد فقط وللأسف فقد مسحت الشرائط كلها بعد ذلك لتسجل عليها
أشياء آخرى دونما تحقيق وفقدت الاذاعة صوتا قل أن يوجد.

وحاول محمد امين حماد رئيس الاذاعة في ذلك الوقت عمل أي شيء لظهور الأشرطة
فلم يستطع وطلب من الشيخ أن يستقر في القاهرة فرفض وأصر على عدم مغادرة
الصعيد وقال : يكفي ابني محمد في القاهرة.

وكان الشيخ محمد قد ذاعت شهرته بالقاهرة بعد أن سجلت له الاذاعة بإسنا إحدي ليالي شهر رمضان سنة 1953 م.

وكان الشيخ يردد دائما أن أفضل قراءاته هو ماسجله للأذاعة وله سبعه أشرطة في هيئة الإذاعة البريطانية ومثلها في إذاعة سوريا .

قرأ الشيخ القرآن في كثير من محافظات مصر حتى إنه كان يتلو القرآن في
محافظتي قنا وأسوان لمدة ثلاثة شهور متتاليه ولم يغادر مصر إلى أي دولة
طوال حياته إلا لقضاء فريضة الحج عام 1924 م وكانت رحلة بالجمال .

كان الشيخ لا يرد طلب إنسان وذات مرة وهو يسأل عن صديق سمع حوار بين إمرأة
يبدو الفقر على ملامحها وبين آخرين قائلة لهم " عندما نطاهر ابني سأطلب
الشيخ صديق المنشاوي لتلاوة القرآن فسخر منها الناس ".

فما كان من الشيخ إلا أن ذهب إليهم وطلب من المرأة أن تحدد الميعاد حتى يأتي ليقرأ القرآن بل أرسل لها ماجاد الله عليه من خير.

كان الشيخ يقرأ القرآن راكعا مغمضا العينين حتي يستشعر جلال الله وترك
مكتبة ضخمة تضم آلاف الكتب فقد كان شغفا بالاطلاع على كل فروع العلم
والمعرفة وكان دائما ما يدخل في مناقشات علمية أو دينيه وكانت تنتهي
لصالحه.

وكان الشيخ صديق يصطحب اولاده معه في حفلاته لينمي فيهم حب القرآن
..وساعدهم كثيرا في حفظ كتاب الله وكان وقته المزدحم بالعمل دفعه لإحضار
قارئين لهذه المهمه.

لم يحصل الشيخ صديق على أي وسام طوال حياته وعاش للقرآن فقط وكان يقول : إن أجمل وسام يشرفني وأفتخر به هو حب الناس لي.

وقد عوضه الله بوسامين في عالم القرآءة : الأول الشيخ محمد صديق المنشاوي
الذي ولد في يناير 1920 م وحفظ القرآن وعمره أحد عشر عاما على يد شيخ
بلدته محمد النمكي قبل أن ينتقل إلى القاهرة مع والده وعمه ليدرس أحكام
القرآن الكريم على يد الشيخ محمد أبو العلا والشيخ محمد سعودي وكان في
صوته عذوبة جعلته يقفز إلى مصاف كبار القراء وسافر إلى العديد من الدول
العربية والاسلامية ومنحته الحكومة الأندونيسية وساما رفيعا في منتصف
الخمسينيات كما حصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الثانية من سوريا عام
1956 وترك الشيخ محمد أكثر من مائه وخمسين تسجيلا بإذاعة مصر والاذاعات
الآخري كما سجل ختمة قرآنية مرتلة لإذاعة القرآن الكريم وتوفي في يوم
مولده من عام 1969 م.

والوسام الآخر : هو الشيخ محمود صديق المنشاوي ثالث فرسان القرآءة فيعائلة
المنشاوي أشهر قراء أسيوط عمل قارئا للسورة بمسجد الامام الشافعي خلفا
للمرحوم الشيخ عبدالباسط محمد عبدالصمد , طاف بالعديد من الدول الاسلامية
ومع اتحادهم - الأب والابناء - في نبرة الصوت إلا أن لكل منهم ميزة خاصة .

وقد كانت لفتة جميلة من الرئيس حسني مبارك ودعوة مباركة من د. محمد على
محجوب وزير الأوقاف أن منح اسم المرحوم الشيخ صديق المنشاوي الوسام الذي
رفع شأن القراء وجعل هناك بصيصا من الأمل في أن هناك من يقدر القرآن كما
منح الرئيس أيضا محمد صديق المنشاوي وساما آخر في احتفال ليلة القدر عام
1992 م.

وفي شهر أبريل من عام 1984 م سكت الصوت الفريد بعد أن ملأ الدنيا شدوا مات
السهل الممتنع الذي تكسرت عنده أصوات كثيرة , مات الشيخ , مات أمين القرآن
الشيخ صديق المنشاوي عن 86 عاما رحمه الله.

من كتاب أشهر من قرأ القرآن في العصر الحديث لأحمد البلك

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ محمد صديق المنشاوي



سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16295






ولادته
: ولد القارىء الشيخ محمد صدِّيق المنشاوي في 20 يناير 1920م ورحل عن
دنيانا عام 1969, وما بين مولده ورحيله فقد نشأ في أسرة معظم قرائها من
حملة القرآن , حيث حفظ القرآن الكريم وعمره أحد عشر عاماً على يد الشيخ
محمد النمكي قبل أن يدرس أحكام التلاوةعلى يد الشيخ محمد أبوالعلا والشيخ
محمد سعودي بالقاهرة وقد زار الشيخ المنشاوي الابن العديد من البلاد
العربية والإسلامية وحظي بتكريم بعضها, حيث منحته اندونيسيا وساما رفيعاً
في منتصف الخمسينات كما حصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الثانية من
سوريا عام 1965م, وزار باكستان والأردن وليبيا والجزائر والكويت والعراق
والسعودية وقد ترك الشيخ أكثر من مائة وخمسين تسجيلاً بإذاعة جمهورية مصر
العربية والإذاعات الأخرى , كما سجل ختمة قرآنية مرتلة كاملة تذاع بإذاعة
القرآن الكريم وتلاوته.



يقول المثل الشعبي (( ابن الوز عوام )) وكذلك (( من شابه أباه فما ظلم ))
وبالفعل فإن هذا ينطبق على الشيخ محمد صديق المنشاوي الذي ورث حلاوة الصوت
من أبيه, وكذلك التفرد في التلاوة والأستاذية في الأحكام, وقبل أن نتحدث
عن هذا القطب الكبير نود أن نعرج وبإيجاز على قصة والده الشيخ صديق
المنشاوي الذي لم ينل قارىء في عصره وفي اقليمه من الشهرة مثلما ناله.



لقد نشأ الشيخ صديق المنشاوي وعاش في مديرية قنا بصعيد مصر وذاع صيته فيها
وفي الأقاليم المجاورة واتصل في شبابه بالشيخ أبوالوفا الشرقاوي فطرب
بصوته وجعله من خاصته. والغريب في قصة حياة الشيخ المنشاوي أنه رفض
الاشتراك في إحياء الليالي خارج حدود مديريتي قنا وجرجا وكذلك رفض أن يسجل
له في الإذاعة أي تسجيل بالرغم من العروض المغرية إلا أنه وافق وبعد 40
عاماً من احترافه تلاوة القرآن الكريم , وقد حدث ذلك عندما سافرت بعثة من
رجال الإذاعة إلى قنا لتسجيل شريط للشيخ المنشاوي وتمنَّت إذاعة هذا
الشريط اليتيم له في محطة الإذاعة وعاش الشيخ المنشاوي حياته كلها لا
يساوم على الأجر ولا يتفق عليه وقد حدث ذات مرة أن كان يقرأ في مأتم أحد
أعيان قنا وفي آخر الليل دس شقيق المتوفى (( بشيء )) يجيب الشيخ المنشاوي
وانصرف الشيخ دون أن يلقي نظرة على هذا الشيء ولكنه حين وصل إلى منزله
اكتشف أن الشيء الذي دسه الرجل في جيبه مليم واحد لا غير, وكان الشيخ
يتقاضي جنيها عن كل ليلة وقبل أن يفكر في هذا الذي حدث جاءه الرجل صاحب
الليلة معتذراً عما حدث من خطأ شنيع, فقد كان في جيب الرجل جنيه ذهبي
ومليم وكان ينوي إعطاء للشيخ فأخطأ وأعطاه المليم , ولكن الشيخ المنشاوي
رفض أن يتقاضى شيئاً فوق المليم قائلا : (( قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ
مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا ))



وكان للشيخ المنشاوي ولدان أكبرهما الشيخ محمد صديق المنشاوي والثاني كان
ذا صوت جميل وموهبة حسنة ولكنه مات وهو في مقتبل العمر في حادث وظل الشيخ
المنشاوي حتى مماته وفيا لعهده فلا يقرأ خارج حدود مديريته ولا يساوم على
أجر ولا يتفق عليه, ولكنه هجر اقليمه مرتين الأولى عندما جاء القاهرة
ليقرأ ثلاثة أيام متتالية في مأتم الشيخ رفعت والثانية عندما أقنعه
الإعلامي الكبير فهمي عمر بلدياته بالحضور إلى القاهرة لإجراء اختبار
لصوته في الميكروفون, لكن النتيجة جاءت للأسف بالسلب لأن هناك من الأصوات
ولسوء الحظ كالوجوه, فبعض الوجوه الجميلة لا تصلح للتصوير وينطبق هذا على
الأصوات ولسوء حظنا أن الشيخ المنشاوي من هذا النوع.



الشيخ محمد صديق المنشاوي الأبن : كان الشيخ محمد صديق المنشاوي أحد أولئك
الذي وهبوا حياتهم للخدمة في دولة التلاوة, فإذا به درة متفردة لا تكاد
تجد لها نظيراً أو شبيها بين هذه الكوكبة العظيمة من قراء القرآن الكريم
بداية من شيوخ دولة العلاّمة أحمد ندا , منصور بدار, علي محمود ومروراً
بأعظم من أنجبت أرض الكنانة في دولة التلاوة الشيخ محمد رفعت ومن وقف بعده
في تلاوة آيات الذكر الحكيم الشعشاعي الكبير وشعيشع والبنا والمنشاوي
الكبير وعبدالعزيز علي فرج, والطوخي , والنقشبندي والفشني, وغيرهم, وعلى
الرغم من أن الشيخ محمد صديق المنشاوي هو ابن تلميذ بار ونجيب لعلم عظيم
من أعلام القراء الشيخ المنشاوي الكبير.



بدياته مع الإذاعة: جاءت بداية الشيخ المنشاوي متأخرة بعض الشيء وحدث ذلك
أبان الإذاعة المصرية فيها تجوب أقاليم البلاد أثناء شهر رمضان المعظم عام
1953م وكانت الإذاعة تسجل من أسنا عندما عندما كان الشيخ المنشاوي الصغير
ضمن مجموعة من قرأ القرآن الكريم وكانت قراءاته التي أدت إلى اعتماده في
العام التالي مباشرة. ولم يكن صوت المنشاوي الابن يصافح آذان جمهور
المسلمين شرقا وغربا فحسب بل لقد ذاع صيته واحتل مكانة عن جدارة واستحقاق
بين كوكبة القراء بفضل الله ثم تميزت قراءاته بقوة الصوت وجماله وعذوبته
إضافة إلى تعدد مقاماته وانفعاله العميق بالمعاني والموسيقى الداخلية
للأيات الكريمة, ولعل مستمعي القرآن الكريم يلمسون تلك المزايا التي ينطق
بها صوت المنشاوي الابن بوضوح فإذا بهم مأخوذون بقوة الصوت وجماله وعذوبته
, وخاصة في سورة العلق ولعل المستمع أيضاً يتأمل متذوقاً هذا الأداء
المعجز, والشيخ يتلو بصوته مجوداً بالصوت الخفيف ( كَلَّا إِنَّ
الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ
الرُّجْعَى ).

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ محمد عبدالوهاب الطنطاوي




سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16296

ولادته
: ولد القارىء الشيخ محمد عبدالوهّاب الطنطاوي يوم 3/10/1947م بقرية
النسيمية مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية .. حفظ القرآن الكريم قبل بلوغه
العاشرة من العمر. وكانت هذه هي أمنية والده المرحوم الحاج عبدالوهاب
الطنطاوي, الذي وهب هذا الابن للقرآن ولذلك أسماه محمداً . ولما مرض الطفل
محمد وهو ابن الثانية ذهب به أبوه إلى أحد الأطباء المشهورين بمدينة
المنصورة فسأله الطبيب عن اسم الابن فقال الحاج عبدالوهاب: اسمه محمد
عبدالوهاب وخير الأسماء ما حمّد وما عبّد, ويكفي أن اسمه (( محمد ))
تيمناً وتبركاً بسيدنا رسول الله (ص). ومن هنا يتضح أن الفطرة السليمة,
والنزعة الدينية القوية موجودة لدى الحاج عبدالوهاب مما يؤكد أنه وهب هذا
الطفل لخدمة كتاب الله عز وجل. بعدما بلغ الطفل (( محمد )) السابعة من
عمره ألحقه أبوه بالصف الأول الإبتدائي بقريته (( النسيمية )) مركز
المنصورة حتى يكون في صفوف المتعلمين المثقفين أصحاب الوظائف المرموقة في
مجتمع ريفي يفخر بأبنائه ويعتز بهم وخاصة إذا كانوا رجال دين وأهل قرآن ..
أقبل الفتى القرآني الموهوب محمد عبدالوهاب على حفظ القرآن بكل جوارحه وما
وهبه الله من ذكاء وهدوء وتواضع ومقومات مكنته من كتاب الله عز وجل. أحب
القرآن وأقبل عليه فاقترب القرآن منه وضمه إليه بحنان فاحتضن المصحف وقربه
من قلبه وروحه فاصطفاه الله وأورثه كتابه.


بعد حصوله على الشهادة الابتدائية بتفوق عام 1958-1959م التحق بالمعهد
الديني بمدينة المنصورة ليتلقى العلوم الدينية ليكون من رجال الأزهر
الشريف. ولأنه من حفظة القرآن حفظاً جيداً بكتّاب القرية استطاع أن يستوعب
المنهج الدراسي بسهولة واقتدار فاهتم به شيوخه والمدرسون اهتماماً ملحوظاً
, دون زملائه, لأنه يتمتع بمواهب متعددة ظهرت من خلال رغبته القوية في
تلاوة القرآن بصوت عذب جميل, وتقديم الابتهالات والمدائح النبوية والقصائد
الدينية. هنا لعبت الصدفة دوراً مهما وحاسما في تحديد مستقبله عندما علم
أحد الشيوخ بالمعهد بكل هذه القدرات والإمكانات لدى الطالب الموهوب ((
محمد عبدالوهاب الطنطاوي )) فأولاه رعاية واهتماماً خاصاً ونصحه بأن يستغل
هذا كله في شيء واحد وهو تلاوة القرآن الكريم حتى يستثمر المواهب المتعددة
والتي من المتوقع أن تؤهله ليكون قارئاً مشهوراً ونجماً ساطعاً في عالم
القراء لأنه يتمتع بعدة مزايا منها جمال الصوت وقوة الأداء وشدة الالتزام
بأحكام التلاوة والتجويد المتقن بالإضافة إلى التواضع الجم وحسن المظهر
والاعتزاز بالنفس والتخلق بخلق القرآن والثقافة العالية والوقار المستمد
من جلال القرآن الكريم .



التعليم الأزهري وبداية الشهرة : أصبح الطالب محمد عبدالوهاب الطنطاوي من
العلامات المميزة للنمط المتكرر كل يوم لطابور الصباح والاستعداد لبدء يوم
دراسي جديد حيث ينطلق صوت قارىء كل صباح عبر إذاعة المعهد الديني يجعل
الحاضرين كلهم يوجهون الأنظار إلى طالب صغير يرتدي زي الأزهر يتمتع بمواهب
متعددة تظهر من خلال أدائه القوي الرصين الواثق المتمكن المتألق المسموع
بوضوح داخل المعهد وخارجه فيقف المارة في الطريق العام حتى ينتهي من
تلاوته التي كانت تمتد لأكثر من عشر دقائق. يقول الشيخ محمد : (( بعد ما
اشتهرت بين الشيوخ والزملاء بالمعهد بأنني قارىء للقرآن وأصبحت قارئاً
للمعهد بالمناسبات قال لي أحد الشيوخ: يا محمد أنصحك بأن تدخر جهدك وصوتك
وما وهبك الله من حفظ لكتابه وحسن التلاوة والأداء في تلاوة القرآن فقط
حتى تكون قارئاً مشهوراً مثل المشاهير الذين نسمعهم بالإذاعة. استمعت إلى
هذه النصيحة الغالية واقتصرت على التلاوة فقط ولم أزاول الغناء الديني
والإنشاد منذ ذلك اليوم عملاً بنصيحة شيخي. وذهبت إلى معهد القراءات لأدرس
علوم القرآن والتجويد حتى أتمكن من تلبية الدعوات التي انهالت عليّ بكثرة
من قرى كثيرة بمحافظة الدقهلية بواسطة زملائي بالمعهد الذين كانوا سبباً
في شهرتي بقراهم أثناء دراستي بالمعهد الديني بالمنصورة قبل الالتحاق
بالجامعة )).


لقد صدق الشيخ في قوله للشيخ محمد لقد جمعت بين الحسنيين جمال الصوت
والتمكن من حفظ القرآن, ولقد صدق الشيخ محمد الوعد حينما عاهد شيخه بأن
يجتهد ويوظف إمكاناته في تلاوة القرآن فقط, فذاع صيته وتملك القلوب وسيطر
على مشاعر الآلاف من عشاق الاستماع إلى صوته العذب الجميل .. لم يكن
الطريق إلى الشهرة ممهداً ومفروشاً بالورود ولكن لكل نجاح ضريبة.

بحث الشيخ محمد عن كل وسيلة توصله إلى طريق النجاح فلم يترك أي فرصة أتيحت
له إلا وأخذ منها ما يفيده وما يثقل موهبته وينمي قدراته ويرضي طموحه
ويشبع رغبته التي ألقت به بين أمواج لا يستطيع مقاومتها إلا الموهوب
الواثق بنفسه بعد ثقته في قدرة الله ومشيئته { وما تشاءون إلا أن يشاء
الله رب العالمين } التكوير : 29. كان الشيخ محمد سعيد الحظ لأنه نشأ في
منطقة تحب سماع القرآن ويتنافس كبار العائلات فيها في استقدام مشاهير
القراء في المآتم والمناسبات المختلفة وخاصة الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ
البنا والشيخ محمد صديق المنشاوي والشيخ البهتيمي وغيرهم من قراء الرعيل
الأول بالإذاعة.

لم يترك الشيخ محمد مناسبة إلا وحضرها كمستمع ومتلق ويسجل كل حركة وكل
نغمة ليستفيد منها أثناء القراءة يقول الشيخ محمد: (( .. ومن حسن حظي أنني
نشأت في منطقة أنجبت عملاقاً في تلاوة القرآن له صيته وشهرته الواسعة التي
انتشرت في منطقة وسط

الدلتا والوجه البحري كله وهو القارىء المرحوم الشيخ حمدي الزامل, الذي
تملك ألباب محبيه فكان فاكهتهم صيفاً وشتاءً ليلاً ونهاراً. وتعلمت منه
منذ نشأتي أن قوة شخصية القارىء ليست في حسن تلاوته فقط وإنما هي مستمدة
من عزة وجلال ووقار القرآن الكريم وحسن معاملة الآخرين والتخلق بأخلاق
القرآن والثقة القوية بالنفس إلى جانب ما تعلمته من فضيلته حيث كان صاحب
مدرسة قرآنية كشجرة أصلها ثابت متين أثمرت ثمراً طيباً فاض إبداعه وتألقه
فنهل منه الكثيرون ممن تتلمذوا عليه وأصبحوا أسماء لا تنكر في دولة
التلاوة, وتأثرت في بداية حياتي بأساتذة أفاضل كالنجوم الزاهرة التي تضيء
ما حولها أمثال الشيخ أبوالعينين شعيشع والمرحوم الشيخ البنا والشيخ
البهتيمي والشيخ راغب والشيخ حصان حتى حددت شخصيتي في التلاوة قبل أن
ألتحق بالجامعة عام 1969م. وبعد انتهاء المرحلة الثانوية انتقل الشيخ محمد
عبدالوهاب إلى القاهرة ليكمل دراسته بجامعة الأزهر الشريف. فالتحق بكلية
أصول الدين ليكون داعية تحقيقا لرغبة والده رحمه الله واختار قسم الفلسفة
والعقيدة وكان ذلك سبباً قوياً في فلسفة تعامله مع الآخرين بأدب رفيع يحسد
عليه.

يقول الشيخ الطنطاوي : (( .. وكنت حريصاً على التنقل بين مجالس العلم
بالمساجد الشهيرة بالقاهرة حتى أتمكن من تحصيل العلوم من خلال الدروس
والمحاضرات التي كان يلقيها كبار العلماء كالدكتور عبدالحليم محمود والشيخ
الباقوري والشيخ ابن فتح الله بدران والشيخ عبدالعزيز عيسى وغيرهم من
علماء الأمة الإسلامية, وذات يوم وأنا ذاهب لحضور حديث العصر بمسجد السيدة
زينب تقابلت مع المرحوم الشيخ سيد النقشبندي بشارع بورسعيد فسلمت عليه
وقبلت يده وقلت له أدعو الله لي يا عم الشيخ سيد فقال: ((غفر الله لي ولك
)) وبعد عام تقابلت معه بالجامع الأزهر فسلمت عليه وذكرته بنفسي وقلت له
أدعو الله لي فقال نفس العبارة غفر الله لي ولك .

بعد أدائه للخدمة العسكرية جاءه خطاب التعيين للعمل واعظاً بمديرية أوقاف
الدقهلية فتسلم العمل إلى جانب تلاوة القرآن الكريم. ونظراً لتفوقه العلمي
والقرآني والأخلاقي ارتقى إلى واعظ أول بمحافظة الدقهلية. ظل يعمل بالدعوة
عشر سنوات من عام 1975م إلى عام 1985م. في تلك الفترة كان الشيخ الطنطاوي
أحد القراء الموهوبين المرغوب في استدعائهم إلى أكبر السهرات والمآتم
بالوجه البحري وخاصة بعد رحيل المرحوم الشيخ حمدي الزامل. لم يجد مفراً من
تقديم استقالته من الوعظ ليتفرغ لتلاوة القرآن الكريم وإشباع رغبة الآلاف
من محبيه وعشاق صوته وفن تلاوته بقرى ومدن محافظات مصر.

كنا بلدايته القوية وشهرته السريعة الأثر الأكبر في تعلق القلوب به
والرغبة القوية في دعوته لإحياء المآتم الكبيرة في منطقة وسط الدلتا التي
قليلاً ما تستعين بأكثر من قارىء لإحياء ليلة المأتم إلا في حدود ضيقة
جداً وربما ترجع لسبب فسره بعض الناس بعدم الإستغناء عن وجود الشيخ محمد
عبدالوهاب الطنطاوي مع من وجهت إليه الدعوة من كبار القراء ومشاهيرهم
بالإذاعة أمثال الشيخ محمد بدر حسين والشيخ غلوش والشيخ حصان والشيخ
الطبلاوي والشيخ الرزيقي والشيخ الصياد وغيرهم من المشاهير الذين كانوا
يفكرون فيما سيفعلونه أمام قوة قارىء غير إذاعي يؤدي بقوة وكفاءة بإمكانات
تحتاج إلى حسابات خاصة لمن يتلقي معه في سهرة واحدة. لأن أداءه لا يعرف
الوسطية ولا استهلاك الوقت ولكنه جاد واثق بنفسه وقدراته ومواهبه المعددة
وأحكامه الملتزمة وحب الناس له. ولقد صارحني فضيلة القارىء الشيخ محمد بدر
حسين ضمن حديث عن مناطق تسمع القرآن بوعي وفهم وتقدير للقارىء المجيد وخصّ
قرية )(( تلبانة )) مركز المنصورة بهذا القدر من الثناء فقال الشيخ محمد
بدر حسين : (( ومن البلاد التي قرأت بها وأعجبني سماعهم وحبهم للقرآن
ووعيهم وتقديرهم للمتقن والملتزم من القراء – قرية تلبانة مركز المنصورة
والتي دعيت لإحياء سهرة كبرى هناك لدى إحدى العائلات الكبرى, ولكنني كنت
مرهقاً فأردت أن أعتذر ولكنهم أصروا وتمسكوا بحضوري فوافقت تلبية لرغبة
أصحاب الليلة لما لهم من قرب إلى قلبي .. ولكن المفاجأة أنني علمت أن
الشيخ محمد عبدالوهاب الطنطاوي معي وذلك أثناء دخولي إلى مكان العزاء
بالسرادق الكبير.

فبكل صراحة قلت اللهم وفقني هذه الليلة في وجود مثل هذا القارىء .. والذي
جعلني في هذا الموقف .. هو مدى معرفتي لإمكانات الشيخ الطنطاوي وقدراته
ومواهبه المتعددة التي تجعله يزحف بسرعة بقوة نحو الشهرة العالمية والتي
بها سيحتل مكانة مرموقة بين القراء لأنه وقتها كان في بدايته عام 1982م
كقارىء له وزنه . وهذا لا يمنع أن الشيخ الطنطاوي حسن الخلق شديد الواضع
طيب المعاملة, وهذا سر نجاحه وتبوئه مكانة متقدمة وضعته بين كوكبة مشاهير
القراء بالإذاعة .. وعندما استمع إليه الأستاذ أحمد محمد علي عامر عضو
مجلس إدارة نقابة القراء وهو يقرآ من سورة (( الرحمن )) وسورة (( الإنشقاق
)) قال: معقول يكون فيه مثل هذا القارىء في هذا الزمان إنه قارىء يفعل ما
يريد دون أي تأثير على الأحكام ولديه كل الإمكانات الصوتية الجميلة
والأحكام المتقنة ولا ينقصه شيء إلا الإقتراب من الأضواء حتى يأخذ حقه
ومكانته التي لا تقل عن مكانة قراء الرعيل الأول بالإذاعة.

هذا بالإضافة إلى مواقف حدثت بين الشيخ الطنطاوي والشيخ شعبان الصياد أحد
عمالقة عصره – على أرض المعصرة وشرقية المعصرة والمنصورة والسنبلاوين .
وكان الشيخ شعبان وقتها يفرح بالسهرة التي تجمع معه أكثر من قارىء لثقته
بنفسه وإعجابه بإدائه وما لديه من أسلحة يتمكن بها من كسب نصر (( تفوق ))
على كل من يقرأ معه أو يشاركه في سهرة هي من وجهة نظره سهرته وكان يجب أن
ينفرد بها .. ولكن الذي استطاع أن يحرك انفعالات الشيخ شعبان إلى خارج
نطاق السهرة هو الأداء الطنطاوي في المقام الأول على هدوء الأعصاب التي
تساعد القارىء على الإبداع والاستمرار ولأنه عرف بالمنافس الشديد للكبار
كان لا بد أن يلتقي بكل العمالقة كزميل في سهرة واحدة فالتقى مع الشيخ
الطبلاوي بسهرة واحدة ليس مكملاً ولكنه أساسياً قبل أن يلتحق بالإذاعة
لشهرته في الوجه البحري التي تخطت قراء إذاعيين بمسافات وبالتحديد في قرية
(( شبراهور )) إحدى قرى مركز السنبلاوين .. وكالعادة تفوق على نفسه وأجبر
من معه على بذل أقصى جهد ليحافظ على شهرته ومكانته الإذاعية التي من السهل
أن توضع في موقف لا تحسد عليه بسبب الزحف الطنطاوي.

القارىء العالم والالتحاق بالإذاعة : في الفترة من 1975م إلى 1985م قبل
التحاقه بالإذاعة لقب الشيخ الطنطاوي بعدة ألقاب من جمهوره المتيم به
منها: (( القارء العالم )) و (( كروان الدقهلية )). في فترة وجيزة لا تزيد
على العشر سنوات أصبح اسم الشيخ محمد عبدالوهاب على كل لسان ودخلت
تسجيلاته كل بيت وكل السيارات ومعظم المحال التجارية فكان ذلك سبباً في
تثبيت اسمه في ذاكرة الملايين من الناس .. لم يتوان في التقدم لإذاعة وسط
الدلتا ليلتحق بها كقارىء عام 1985م وبعد اعتماده بإذاعة وسط الدلتا بعام
واحد تم اعتماده كقارىء بإذاعات جمهورية مصر العربية .. بدأ قارئاًَ
إذاعات قصيرة لمدة لا تتعدى ستة اشهر بعدها اعتمد قارئاً للإذاعات الطويلة
والخارجية نظراً لكفاءته وجماهيريته وإمكاناته التي أشاد بها كل من استمع
إليه من المتخصصين وغير المتخصصين.



لم يستمع أحد إلى الشيخ الطنطاوي عبر الإذاعة إلا وسأل عنه باستفاضة وشوق
ولهفة إلى رؤياه لما لصوته من جاذبية ووقار وما عليه من حلاوة وما به من
دفء وعذوبة. وكانت الإذاعة سبباً قوياً في انتشاره محلياً وعالمياً مما
جعل الكثير من الدول ترسل إليه الدعوات لإحياء شهر رمضان بها .. يعد الشيخ
الطنطاوي من القراء القلائل الذين امتازوا بخاصية لم ولن تتوفر لكثير من
القراء وهي شهادة أكثر من 95 % من قراء مصر الإذاعيين وغير الإذاعيين له
بشدة التزامه في التلاوة من حيث الأحكام والتجويد بالإضافة إلى الأداء
المميز الفريد الذي يؤهله لأن يكون ضمن أجود عشرة قراء على الساحة خلال
هذه الفترة بشهادة كثير من المستمعين.



حياته الخاصة : الحياة الخاصة للشيخ الطنطاوي هي حياة تقتصر على البيت
ومجالسة أبنائه يتحين وقت الراحة من القراءة في السهرات ليخلو بنفسه يراجع
القرآن قليل التعامل مع الناس وإن كان ليس منطويا ولكنه يرى أن البيت
والأولاد في حاجة إلى وجوده بينهم ما دام في راحة العمل .





السفر إلى الخارج : سافر إلى كثير من الدول العربية والإسلامية والأجنبية
على مدى عشر سنوات متتالية لم يدخر جهداً في الذهاب إلى المسلمين أينما
كانوا فقرأ القرآن بمعظم المراكز الإسلامية في كثير من دول العالم .. سافر
إلى هولندا أكثر من مرة وقرأ بالمركز الإسلامي هناك بين حشود وجماهير
غفيرة من أبناء الجاليات الإسلامية من شتى بقاع الدنيا .. قرأ القرآن
بالمركز الإسلامي بواشنطن ولوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية, وسافر
إلى كندا والبرازيل والأرجنتين النمسا وألمانيا واليابان. ودول الخليج
العربي.

ومن المواقف التي لا ينساها خلال رحلاته : يقول : (( عندما أرسلتي وزارة
الأوقاف إلى (( كينيا )) إحدى الدول الإفريقية الشقيقة عام 1990م – كان
مقرراً أن أقرأ في كل المحافظات الرئيسية الأربع لمدة أسبوع في كل محافظة.
بدأت بالعاصمة نيروبي فلما علم المسلمون بأنني واعظ تمسكوا بي جداً وطلبوا
مني أن أقدم لهم درساً بعد القراءة وأن أقوم بأداء خطبة الجمعة كل أسبوع.
فقلت لهم إنني مبعوث لتلاوة القرآن فقط فقال لي بعضهم : ولكنها نعمة أنعم
الله بها عليك أن تكون قارئاً وعالماً في آن واحد. فأثرت فيّ هذه العبارة
ودفعتني بقوة لأن أكون حريصاً على أن أضع في اعتباري أن القارىء خير سفير
لبلده ودينه في كل الدنيا.

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ محمد محمود الطبلاوي




سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16297





ولادته
: ولد القارىء الشيخ محمد محمود الطبلاوي نائب نقيب القراء وقارىء مسجد
الجامع الأزهر الشريف , يوم 14/11/1934م في قرية ميت عقبة مركز (( إمبابة
)) الجيزة أيام كانت ميت عقبة قرية صغيرة قريبة جداً من ضفاف نيل مصر
الخالد. كان أهم ما يميز ميت عقبة آنذاك .. إنتشار الكتاتيب والإهتمام
بتحفيظ القرآن الكريم بصورة لم نعهدها الآن . ذهب به والده الحاج
((محمود)) رحمه الله إلى كتاب القرية ليكون من حفظة كتاب الله عز وجل لأنه
ابنه الوحيد . عرف الطفل الموهوب محمد محمود الطبلاوي طريقه إلى الكتاب
وهو في سن الرابعة مستغرقاً في حب القرآن وحفظه فأتمه حفظاً وتجويداً في
العاشرة من عمره .

كانت بداية شاقة وممتعة في نفس الوقت بالنسبة للفتى المحب لكتاب الله عز
وجل والذي لم يرض عنه بديلا .. يقول الشيخ الطبلاوي وهو يسترجع ذكريات لا
تنسى مع كتاب الله عز وجل : (( .. وكان والدي يضرع إلى السماء داعياً رب
العباد أن يرزقه ولداً ليهبه لحفظ كتابه الكريم وليكون من أهل القرآن
ورجال الدين . استجاب الخالق القدير لدعاء عبده الفقير إليه ورزق والدي
بمولوده الوحيد ففرح بمولدي فرحة لم تعد لها فرحة في حياته كلها. لا لأنه
رزق ولداً فقط وإنما ليشبع رغبته الشديدة في أن يكون له ابن من حفظة
القرآن الكريم , لأن والدي كان يوقن أن القرآن هو التاج الذي يفخر كل
مخلوق أن يتوج به لأنه تاج العزة والكرامة في الدنيا والآخرة. وهذه النعمة
العظيمة التي منّ الله علي بها وقدمها لي والدي على طبق من نور تجعلني
أدعو الله ليل نهار أن يجعل هذا العمل الجليل في ميزان حسنات والدي يوم
القيامة وأن يجعل القرآن الكريم نوراً يضيء له ويمشي به يوم الحساب لأن
الدال على الخير كفاعله ووالدي فعل خيراً عندما أصر وكافح وصبر وقدم لي
العون والمساعدة ووفر لي كل شيء حتى أتفرغ لحفظ القرآن الكريم . رحم الله
والدي رحمة واسعة إنه على كل شيء قدير .

بعد أن حفظ الفتى الموهوب محمد محمود الطبلاوي القرآن كاملاً بالأحكام ولم
يتوان لحظة واحدة في توظيف موهبته التي أنعم الله بها عليه فلم يترك
الكتّاب أو ينقطع عنه وإنما ظل يتردد عليه بانتظام والتزام شديد ليراجع
القرآن مرة كل شهر. يقول الشيخ الطبلاوي : فبدأت قارئاً صغيراً غير معروف
كأي قاريء شق طريقه بالنحت في الصخر وملاطمة أمواج الحياة المتقلبة فقرأت
الخميس والأربعين والرواتب والذكرى السنوية وبعض المناسبات البسيطة , كل
ذلك في بداية حياتي القرآنية قبل بلوغي الخامسة عشرة من عمري وكنت راضيا
بما يقسمه الله لي من أجر والذي لم يزد على ثلاثة جنيهات في السهرة ولما
حصلت على خمسة جنيهات تخيلت أنني بلغت المجد ووصلت إلى القمة .

الموهبة وبداية الشهرة : لم ينس الشيخ الطبلاوي كل من قدم له نصحاً
وإرشاداً وتوجيهاً .. ودائماً يذكر من تسببوا في إثقال موهبته في الحفظ
والتجويد بكل خير فيقول (( دائماً أتحين الفرصة التي أخلو فيها مع نفسي
وأتذكر بدايتي مع القرآن ونشأتي وأول خطواتي على درب الهدى القرآني وما
وصلت إليه الآن فأشعر أنني مدين بالكثير والكثير لكل من هو صاحب فضل عليّ
بعد ربي العلي القدير فأدعو لوالدي ولسيدنا رحمهما الله ولزملائي الذي
شجعوني واستمعوا إلي وأنا صغير وجعلوني أشعر بأنني قارىء موهوب وأتذكر قول
شيخي الذي حفظني القرآن : (( يا محمد أنت موهوب وصوتك جميل جداً وقوي معبر
)) .ولأن سيدنا كان خبيراً بالفطرة إستطاع أن يميز الأصوات بقوله : محمد
الطبلاوي صوته رخيم وفلان صوته أقرع والآخر صوته نحاسي , وكان دائماً
يحثني على الاهتمام بصوتي وأولاني رعاية واهتماماً خاصاً على غير ما كان
يفعل مع زملائي من حيث التحفيظ بدقة والمراجعة المستمرة.


قرأ الشيخ محمد محمود الطبلاوي القرآن وانفرد بسهرات كثيرة وهو في الثانية
عشرة من عمره ودعي لإحياء مآتم لكبار الموظفين والشخصيات البارزة
والعائلات المعروفة بجوار مشاهير القراء الإذاعيين قبل أن يبلغ الخامسة
عشرة واحتل بينهم مكانة مرموقة فاشتهر في الجيزة والقاهرة والقليوبية,
وأصبح القارىء المفضل لكثير من العائلات الكبرى نظراً لقوة أدائه وقدراته
العالية وروحه الشابة التي كانت تساعده على القراءة المتواصلة لمدة زمنية
تزيد على الساعتين دون كلل ولا يظهر عليه الإرهاق بالإضافة إلى إصرار
الناس على مواصلته للقراءة شوقاً للمزيد من الاستماع إليه لما تميز به من
أداء فريد فرض موهبته على الساحة بقوة.. ساعده على ذلك حرصه الشديد على
صوته وصحته مع المواظبة على مجالسة مشاهير القراء والاستماع إليهم مباشرة
وعن طريق الإذاعة أمثال الشيخ رفعت والشيخ علي محمود والشيخ محمد سلامه
والشيخ الصيفي والبهتيمي ومصطفى إسماعيل وغيرهم من قراء الرعيل الأول
بالإذاعة .


الإلتحاق بالإذاعة : يعد الشيخ محمد محمود الطبلاوي أكثر القراء تقدماً
للإلتحاق بالإذاعة كقارىء بها وقد يحسد على صبره الجميل الذي أثبت قيمة
ومبدءاً وثقة في نفس هذا القارىء المتين بكل معاني هذه الكلمة. لم يتسرب
اليأس إلى نفسه ولم تنل منه أي سهام وجهت إليه. وإنما تقبل كل شيء بنفس
راضية مطمئنة إلى أنّ كل شيء بقدر وأنّ مشيئة الله فوق مشيئة البشر, تقدم
تسع مرات للإذاعة ولم يأذن الله له . وفي المرة العاشرة اعتمد قارئاً
بالإذاعة بإجماع لجنة اختبار القراء وأشاد المختصون بالموسيقى والنغم
والانتقال من مقام موسيقي إلى مقام آخر بإمكاناته العالية , وحصل على
تقدير (( الإمتياز )) وكانت اللجنة منصفة في ذلك والذي لم يعرف عدد مرات
تقدم الشيخ الطبلاوي للإذاعة كان عليه أن يقف مع نفسه وقفة تجبره على
السؤال عن سر هذا القارىء الذي ترجم كل شيء وفك رموزاً وشفرات في برهة
قصيرة إنه القارىء الوحيد الذي اشتهر في أول ربع ساعة ينطلق فيها صوته عبر
الإذاعة من ينكر هذه الشهرة التي عمت أرجاء مصر والأمة العربية والإسلامية
بعد انطلاق صوت صاحبها بعشر دقائق فقط .. إنني أسجل هنا حقيقة يعلمها
الملايين وهي أن الشيخ الطبلاوي سجل الرقم القياسي من حيث سرعة الشهرة
والصيت والإنتشار وكأنه أراد أن يتحدث إلى من يهمه الأمر بلغة قرآنية
وإمكانات صوتية فرضت على الدنيا اسماً جديداً أراد أن يترجم الصبر إلى فعل
وعمل فحقق من الشهرة خلال نصف ساعة مالم يحققه غيره في ثلاثين عاماً لأنه
صبر 9 سنوات نصف صبر أيوب الذي صبر 18 عماً فجاءه الشفاء مرة واحدة بعد أن
تفجر الماء الشافي تحت قدميه وبمجرد أن وضع قدميه تحقق له من الشفاء ما
كان يحتاج إلى عشرات السنين. كانت الفترة ما بين 1975 وحتى 1980 بمثابة
غزو مفاجىء من الشيخ الطبلاوي فاحتل المقدمة مع المرحوم الشيخ عبدالباسط
الذي أعطاه الجمهور اللقب مدى حياته .

مواقف في حاية الشيخ محمد محمود الطبلاوي : يقول : إنني تعرضت لموقف شديدة
المرارة على نفسي وكان من الممكن أن يقضى علي كقارىء ولكن الله سلّم . هذا
الموقف أنقذتني منه عناية السماء وقدرة الله . وهذا الموقف حدث عندما كنت
مدعواَ لإحياء مأتم كبير بأحد أحياء القاهرة المهتم أهله باستدعاء مشاهير
القراء وكان السرادق ضخماً والوافدون إليه بالآلاف , وكان التوفيق حليفي
والنفحات مع التجليات جعلتني أقرأ قرآنا وكأنه من السماء , وأثناء
استراحتي قبل تلاوة الختام جاءني القهوجي وقال تشرب فنجان قهوة يا شيخ
محمد ؟ قلت له : إذا ما كنش فيه مانع. وبعد قليل أحضر القهوة ووضعها أمامي
على الترابيزة.. فانشغلت ونسيتها .. فقال لي صاحب الميكروفون القهوة بردت
يا شيخ محمد فمددت يدي لتناولها فجاءني صديق وسلم عليّ وبدلاً من وضع يدي
على الفنجان صافحت الرجل وانشغلت مرة ثانية وأردت أن أمد يدي فشعرت بثقل
بذراعي لم يمكنني من تناول الفنجان وفجأة جاءني صاحب المأتم وطلب مني
القراءة فتركت القهوة ولكن صاحب الميكرفون شربها وبعد لحظات علمت أنه
انتقل بسيارة الإسعاف إلى القصر العيني وبفضل من الله تم إسعافه ونجا
بقدرة الله . وهكذا تدخلت عناية السماء مرتين الأولى عندما منعتني القدرة
من تناول القهوة والثانية نجاة الرجل بعد إسعافه بسرعة. وهذا الموقف حدث
لي بعد إلتحاقي بالإذاعة ووصلت إلى المكانة التي لم يصل إليها أحد بهذه
السرعة .


وهناك موقف لن ينسى وسيظل محفوراً بذاكرتي وهو : (( .. أراد أحد القراء أن
يشن حرباً عليّ لا لشيء إلا لأنني أخذت حظاً وفيراً من الشهرة بفضل الله
تعالى .. فقال هذا القارىء الذي لا داعي لذكر اسمه . بعد إلتحاقه بالإذاعة
بشهور : أريد الفرصة لكي أمسح الطبلاوي وأمثاله !! فأعطي الفرصة كاملة
وأخذ إذاعة خارجية بعدها استبعد ستة شهور لأنه لم يتقن التلاوة !! فهذه
جرأة على قدرة الله . أراد الله أن يشعره بأن الله يسمع ويرى وبيده ملكوت
كل شيء هو المعز وهو المذل وهو على كل شيء قدير .

موقف خارج مصر : يقول الشيخ الطبلاوي : (( .. سافرت إلى الهند ضمن وفد
مصري ديني بدعوة من الشيخ أبوالحسن الندوي. وكان رئيس الوفد المرحوم
الدكتور زكريا البري وزير الأوقاف في ذلك الوقت.. وحدث أننا تأخرنا عن
موعد حضور المؤتمر المقام بجامعة الندوة بنيودلهي , وكان التأخير لمدة نصف
ساعة بسبب الطيران .. وبذكاء وخبرة قال الدكتور البري: الوحيد الذي يستطيع
أن يدخل أمامنا هو الشيخ الطبلاوي لأنه الوحيد المميز بالزي المعروف ولأنه
مشهور هنا وله مكانته في قلوب الناس بما له من مكانة قرآنية , وربما يكون
للعمة والطربوش دور في الصفح والسماح لنا بالدخول. وحدث ما توقعه الدكتور
البري وأكثر .. والمفاجأة أن رئيس المؤتمر وقف مرحباً وقال بصوت عال: حضر
وفد مصر وعلى رأسهم فضيلة الشيخ الطبلاوي .. فلنبدأ احتفالنا من جديد ..
كانت لفتة طيبة أثلجت صدر الوزير لأن الندوة كانت تجمع شخصيات من مختلف
دول العالم. وبعد انتهاء الجلسة التف حولي كل الموجودين على اختلاف
ألوانهم وأجناسهم يأخذون معي الصور التذكارية .. فقال لهم الدكتور الوزير
: كلكم تعرفون الشيخ الطبلاوي ؟ فردوا وقالوا : والشيخ عبدالباسط أيضاً
وكثير من قراء مصر العظماء. وفي الحقيقة عاد السيد الوزير إلى مصر بعد
انتهاء المؤتمر وأعطاني عدة مسئوليات .. منها شيخ عموم المقارىء المصرية
.. وعضو بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية .. وعضو بلجنة القرآن بالوزارة
ومستشار ديني بوزارة الأوقاف .. ففوجئت بقيام مجموعة من مشاهير القراء
بالاحتجاج على هذه الإمتيازات .. تحسب لقراء القرآن كلهم وفي مصلحتنا
جميعاً , ويعد هذا نجاحاً للقراء , وكسباً لنا جميعاً .. وواجب علينا أن
نفرح بهذا .

المصحف المرتل : يقول الشيخ الطبلاوي : (( .. والحمد لله لقد أكرمني
المولى جل شأنه بأن مكنني من تسجيل القرآن الكريم كاملاً مرتين .. مجوداً
ومرتلاً . وهذا هو الرصيد الذي أعتز به وهو الثروة التي منّ الله عليّ بها
في الدنيا والآخرة. أما بالنسبة للمصحف المرتل فهو مسجل بصوتي ويذاع بدول
الخليج بناء على رغبة إذاعاتها .. وإذا طلبت إذاعتنا الغالية هذا المصحف
فلن أتأخر عن إهدائه لمستمعيها فوراً وبدون مقابل مادي لأن الإذاعة صاحبة
فضل على جميع القراء . بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من التلاوات النادرة
والحفلات الخارجية التي سجلتها في السبعينيات بالمساجد الكبرى في مصر وفي
بعض الدول العربية والإسلامية .

السفر والبعثات المتعددة إلى الخارج : سافر إلى أكثر من ثمانين دولة عربية
وإسلامية وأجنبية . بدعوات خاصة تارة ومبعوثاً من قبل وزارة الأوقاف
والأزهر الشريف تارات أخرى ممثلاً مصر في العديد من المؤتمرات ومحكماً
لكثير من المسابقات الدولية التي تقام بين حفظة القرآن من كل دول العالم .


ومن الدعوات التي يعتز بها, هي الدعوة التي تلقاها من مستر جون لاتسيس
باليونان ليتلو القرآن أمام جموع المسلمين لأول مرة في تاريخ اليونان ..
وكذلك الدعوة التي وجهت إليه من قبل المسئولين بإيطاليا عن طريق السفارة
المصرية لتلاوة القرآن الكريم بمدينة (( روما )) لأول مرة أمام جموع غفيرة
من أبناء الجاليات العربية والإسلامية هناك . ولم ينس الشيخ الطبلاوي دعوة
القصر الملكي بالأردن لإحياء مأتم الملكة (( زين الشرف )) والدة الملك
حسين , حيث أقيم العزاء الرسمي بقصر رغدان بعمان . وهناك مئات الأسفار
التي جاب خلالها الشيخ الطبلاوي معظم دول العالم لتلاوة كتاب الله عز وجل
. ونتج عن هذا العمر القرآني للشيخ الطبلاوي كثير من التسجيلات التي سجلت
بالإحتفالات الخارجية وهي موجودة لدى شركة ( إبراهيم فون )) لصاحبها الحاج
إبراهيم محمد محمود الطبلاوي 7 شارع الشيخ الطبلاوي . بميت عقبة . خلف
نادي الترسانة .

تكريم الشيخ الطبلاوي : حصل على وسام من لبنان في الإحتفال بليلة القدر
تقديراً لجهوده في خدمة القرآن الكريم .. ورغم السعادة والفرحة التي لا
يستطيع أن يصفها بهذا التقدير إلا أنه يقول : إني حزين لأنني كرمت خارج
وطني ولم أكرم في بلدي مصر أم الدنيا ومنارة العلم وقبلة العلماء .

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ محمود خليل الحصري



سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16298






ولادته
: ولد فضيلة الشيخ القارىء محمود خليل الحصرى فى غرة ذى الحجة سنة 1335 و
هو يوافق 17 من سبتمبر عام 1917 ، بقرية شبرا النملة ، مركز طنطا بمحافظة
الغربية بمصر . و حفظ القرآن الكريم و سنه ثمان سنوات ، و درس بالأزهر ،
ثم تفرغ لدراسة علوم القرآن لما كان لديه من صوت متميز و أداء حسن ، و كان
ترتيبه الأول بين المتقدمين لامتحان الإذاعة سنة ( 1364 = 1944 ) و كان
قارئا بالمسجد الأحمدى ، ثم تولى القراءة بالمسجد الحسينى منذ عام ( 1375
= 1955 ) و عين مفتشا للمقارىء المصرية ثم وكيلا لها ، إلى أن تولى مشيخة
المقارىء سنة ( 1381 = 1961 ) .


و كان أول من سجل المصحف الصوتى المرتل برواية حفص عن عاصم سنة ( 1381 =
1961 ) و ظلت إذاعة القرآن بمصر تقتصر على صوته منفردا حوالى عشر سنوات ،
ثم سجل رواية ورش عن نافع سنة ( 1384 = 1964 ) ثم رواية قالون و الدورى
سنة ( 1388 = 1968 ) و فى نفس العام : سجل المصحف المعلم و انتخب رئيسا
لاتحاد قراء العالم الإسلامى .و رتل القرآن الكريم فى كثير من المؤتمرات ،
و زار كثيرا من البلاد العربية و الإسلامية الآسوية و الإفريقية ، و أسلم
على يديه كثيرون .


و هو أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم ، ترعى مصالحهم و تضمن
لهم سبل العيش الكريم ، و نادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن فى جميع
المدن و القرى ، و قام هو بتشييد مسجد و مكتب للتحفيظ بالقاهرة .

و كان حريصا فى أواخر أيامه على تشييد مسجد و معهد دينى و مدرسة تحفيظ
بمسقط رأسه قرية شبرا النملة . وأوصى فى خاتمة حياته بثلث أمواله لخدمة
القرآن الكريم و حُفَّاظه ، و الإنفاق فى كافة وجوه البر .

توفى مساء يوم الإثنين 16 المحرم سنة 1401 و هو يوافق 1980/11/24 ، رحمه الله تعالى و أسكنه فسيح جناته .


و له أكثر من عشر مؤلفات فى علوم القرآن الكريم منها :

أحكام قراءة القرآن الكريم ، و هو هذا الكتاب .

القراءات العشر من الشاطبية و الدرة .

معالم الإهتداء إلى معرفة الوقف و الإبتداء .

الفتح الكبير فى الإستعاذة و التكبير .

أحسن الأثر فى تاريخ القراء الأربعة عشر .

مع القرآن الكريم .

قراءة ورش عن نافع المدنى .

قراءة الدورى عن أبى عمرو البصري .

نور القلوب فى قراءة الإمام يعقوب .

السبيل الميسر فى قراءة الإمام أبى جعفر .

حسن المسرة فى الجمع بين الشاطبية و الدرة .

النهج الجديد فى علم التجويد .

رحلاتى فى الإسلام . و له مقالات عديدة فى مجلة لواء الإسلام .


أما قراءته فتمتاز بأشياء منها :

متانة القراءة و رزانة الصوت ، و حسن المخارج التى صقلها بالرياضة .

العناية بيساوى مقادير المدود و الغنات و مراتب التفخيم و الترقيق ، و توفية الحركات .

الإهتمام بالوقف و الإبتداء حسبما رسمه علماء الفن .


بسم الله الرحمن الرحيم


الأهرام

مركز الوثائق و المعلومات

الشيخ / محمود خليل الحصرى

فى ذكراه

يعتبر الشيخ محمد خليل الحصرى أشهر من رتل القرآن الكريم فى عالمنا
الإسلامى المعاصر ، و هو أول من سجل القرآن بصوته مرتلا فى الإذاعة
المصرية و كان ذلك فى مطلع سنة 1961 ذاع صوته و آدائه المتميز فى أرجاء
العالم أجمع و قرأ القرآن فى جميع عواصم العالم سواء منها الإسلامى أو غير
الإسلامى فعلى سبيل المثال قرأ القرآن الكريم بالقصر الملكى ( بلندن ) و
مقر الأمم المتحدة فى نيويورك و قاعة الكونجرس ، و لقد استقبله أغلب زعماء
العالم.

صاحب علم :

يعتبر الشيخ محمود خليل الحصرى اكثر قراء القرآن علما ( و خبره بفنون
القراءة أكثرهم وعيا ) مستفيضا بعلوم التفسير و الحديث ، فلقد كان يجيد
قراءة القرآن الكريم بالقراءات العشر ، و نال شهاده علميه فيها من الأزهر
الشريف لسنة 1958 و كان ملما ( بهذه القراءات علما ) و فهما و حفظا يجمع
أسانيدها المأثورة .


عبقريته :

لقد كانت عبقرية الشيخ محمود خليل الحصرى تقوم على الإحساس اليقظ جدا
بعلوم التجويد للقرآن الكريم و هى علوم موضوعية داخلية تجعل من البيان
القرآنى سيمفونية بيانية تترجم المشاعر و الأصوات و الأشياء فتحيل
المفردات إلى كائنات حيه و كذلك تأثره بالقرآن الكريم ، حيث كان عاملا بما
يقول ، فكان ذو ورع و تقوى ، كست الصوت رهبة و مخافة . فأثرت الصوت خشوعا
و خضوعا لله عز و جل ، مما أثرت فى أذان سامعيه .


فائدة الترتيل :

يقول الشيخ محمود خليل الحصرى ( أن الترتيل يجسد المفردات تجسيدا حيا و من
ثم يجسد المداليل التى ترمى إليها المفردات .و إذا كنا عند الأداء
التطريبى نشعر بنشوة أتية من الأشباع التطريبى فأننا عند الترتيل يضعنا فى
مواجهة النص القرآنى مواجهة عقلانية محضة تضع المستمع أمام شعور
بالمسئولية .


قواعد الترتيل :

و الترتيل اذن ليس مجرد قواعد يمكن ان يتعلمها كل إنسان ليصبح بذلك أحد
القراء المعتمدين ، انما الترتيل فن غاية فى الدقة و التعقيد ليس فحسب و
يحتاج دراسة متبحرة فى فقه اللغة و لهجات العرب القدامى و علم التفسير و
علم الأصوات و علم القراءات بل يحتاج مع ذلك إلى صوت ذى حساسية بالغة على
التقاط الظلال الدقيقة بجرس الحروف و تشخيص النبرات ، واستشفاف روح العصر
التى يعمر بها الكون حيث أن الله يوحى للإنسان و النبات و الجماد - كل هذا
كسب صوت الشيخ محمد خليل الحصرى جمالا و بهاءا و قدرة على معرفة مصاغ
الآيات ، فمثلا شعوب العالم الإسلامى التى لا تجيد العربية كانت تفهم
الشيخ محمود خليل الحصرى و تعرف القرآن منه ، هذه الخاصية أمن الله بها
على الشيخ محمود خليل الحصرى مما جعله ذائع الصيت فى العالم الإسلامى .

علمه :

إلى جانب أنه قارىء للقرآن الكريم عبر أكثر من أربعين عاما و فى الإذاعات
المصرية و العربية و الإسلامية كان عالما فى علم القراءات العشر و يعرف
طرق روايتها و جميع أسانيدها ، و كان يحاضر فى كثير من الجامعات المصرية و
العربية و الإسلامية فكان عالما ذو رسالة نبيلة بل هى أعظم رسالة فى دنيا
العلوم و المعارف و هى رسالة حفظ كتاب الله من أى تحريف و تشويه ، و كان
مراجعا لكتاب الله سواء فى الغذاعة مختبرا للقراء الجدد و مراجعا لكتابة
المصحف ، كذلك ظل شيخا لقراء العالم الإسلامى طيلة عشرين عاما و كان عضوا
فى مجمع البحوث الغسلامية ( هيئة كبار العلماء ) بالأزهر الشريف . و
بالرغم من كل ذلك ظل متواضعا يحب الفقراء و يجالسهم و يعطف عليهم .


الخلاصة :

لقد ذكرنا بعضا من شخصية الشيخ محمود خليل الحصرى ( رحمه الله ) التى كانت
شخصية الإنسان المسلم التى قال فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم حينما
سئلت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها . فقالت كان خلقه القرآن أو كان
قرآنا يمشى ، هكذا كان الشيخ محمود خليل الحصرى قرآن يمشى فكان قارئا
خاشعا فاهما لكتاب الله عاملا على خدمته و حفظه و عاملا بآياته ذاكرا
خاضعا خانعا زميلا للقرآن و آياته و حفظه من أى شائبه .

إن الشيخ محمود خليل الحصرى كرمه الله عز و جل أعظم تكريما فما من يوم يمر
إلا و تجد ملايين المسلمين فى مشارق الأرض و مغاربها تستمع إلى صوته تاليا
و مرتلا لآيات اللع عز و جل .


بسم الله الرحمن الرحيم



الشيخ / محمود خليل الحصرى

فى سطور


ولد فى 1917/9/17 م - بقرية شبرا النملة - مركز طنطا محافظة الغربية .

حفظ القرآن الكريم و أتم تجويده و هو ابن ثمانى سنوات .

كان يذهب من قريته إلى المسجد الأحمدى بطنطا يوميا ليحفظ القرآن .

نذره والده لخدمة القرآن .

التحق بالأزهر الشريف و تعلم القراءات العشر و أخذ شهاداته فى ذلك العلم ( علم القراءات ) .

1944 م تقدم إلى امتحان الإذاعة و كان ترتيبه الاول على المتقدمين للإمتحان فى الإذاعة .

1950 م عين قارئا للمسجد الاحمدى بطنطا .

1955 م عين قارئا للمسجد الحسينى بالقاهرة .

1957 م عين مفتشا للمقارىء المصرية .

1958 م عين وكيلا لمشيخة المقارىء المصرية .

1958 م تخصص فى علوم القراءات العشر الكبرى و طرقها و روايتها بجميع
أسانيدها و نال عنها شهادة علوم القراءات العشر من الأزهر الشريف .

1959 م عين مراجعا و مصححا للمصاحف بقرار مشيخة الأزهر الشريف .

1960 م أول من ابتعث لزيارة المسلمين فى الهند و باكستان و قراءة القرآن
الكريم فى المؤتمر الإسلامى الأول بالهند فى حضور الرئيس الأول بالهند فى
حضور الرئيس جمال عبد الناصر و الرئيس جواهر النهرو و زعيم المسلمين
بالهند .

1961 م عين بالقرار الجمهورى شيخ عموم المقارىء المصرية .

1961 م أول من سجل المصحف المرتل فى انحاء العالم برواية حفص عن عاصم و
ظلت إذاعة القرآن الكريم تقتصر على إذاعة صوته منفردا حوالى عشر سنوات .

1962 م عين نائبا لرئيس لجنة مراجعة المصاحف و تصحيحها بالأزهر الشريف ثم رئيسا لها بعد ذلك .

1963 م أثناء زيارته لدولة الكويت عثر على مصاحف قامت بتحريفها اليهود و تصدى لألاعيب الصهاينة .

1964 م أول من سجل المصحف المرتل فى أنحاء العالم برواية ورش عن نافع .

1965 م قام بزيارة فرنسا و أتيحت له الفرصة إلى هداية عشرة فرنسيين لدين
الإسلام بعد أن سمعوا كلمات الله أثناء تلاوته للقرآن الكريم .

1966 م عين مستشارا فنيا لشئون القرآن الكريم بوزارة الأوقاف .

1966 م اختاره اتحاد قراء العالم الإسلامى رئيسا لقراء العالم الإسلامى بمؤتمر ( إقرأ ) بكراتشى بالباكستان .

1967 م عين خبيرا بمجمع البحوث الإسلامية لشئون القرآن الكريم ( هيئة كبار العلماء ) بالأزهر الشريف .

1967 م حصل على وسام العلوم و الفنون من الطبقة الأولى فى عيد العلم .

1967 م رئيس اتحاد قراء العالم .

1968 م انتخب عضوا فى المؤتمر القومى للإتحاد الإشتراكى عن محافظة القاهرة ( قسم الموسكى ) .

1968 م أول من سجل المصحف المرتل فى أنحاء العالم برواية قالون و رواية الدورى و رواية البصرى .

1969 م أول من سجل المصحف المعلم فى أنحاء العالم ( طريقة التعليم ) .

1970 م سافر إلى الولايات المتحدة لأول مرة موفدا من وزارة الأوقاف للجاليات الإسلامية بأمريكا الشمالية و الجنوبية .

1973 م قام الشيخ محمود خليل الحصرى أثناء زيارته الثانية لأمريكا بتلقين
الشهادة لثمانية عشر رجلا و إمرأة أمريكيين أشهروا إسلامهم على يديه بعد
سماعهم لتلاوته القرآن الكريم .

1975 م أول من رتل القرآن الكريم فى العالم بطريقة المصحف المفسر ( مصحف الوعظ ) .

1977 م أول من رتل القرآن الكريم فى أنحاء العالم الإسلامى فى الامم
المتحدة أثناء زيارته لها بناء على طلب جميع الوفود العربية و الإسلامية .


1978 م أول من رتل القرآن الكريم فى القاعة الملكية و قاعة هايوارت المطلة
على نهر التايمز فى لندن و دعاه مجلس الشئون الإسلامية إلى المدينتين
البريطانيتين ليفر بول و شيفلد ليرتل أما الجاليات العربية و الإسلامية فى
كل منهما .

و سافر إلى جميع الدول العربية و الإسلامية و كذلك روسيا و الصين و سويسرا
و كندا و اغلب عواصم العالم . استقبله عدد كبير من الملوك و الرؤساء فى
أغلب دول العالم و على سبيل المثال الرئيس الأمريكى جيمى كارتر . كان قد
أوصى بثلث تركته للإنفاق منها على مشروعات البر و الخير و لخدمة المسجدين
التى شيدهما للقاهرة و طنطا و المعاهد الدينية الثلاثة الإبتدائى و
الإعدادى و الثانوى الأزهرى و مكتبين لحفظ القرآن الكريم فى المسجدين
بالقاهرة و طنطا و حفاظ القرآن الكريم و معلميه و الإنفاق فى كافة وجوه
الإحسان .



تاريخ الوفاة : توفى يوم الإثنين 24 نوفمبر سنة 1980 فور إنتهاءه من صلاة العشاء .


_________________

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ محمود عبد الحكم



سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16299





المصدر : مجلة البستان عدد رمضان 1422

الشيخ محمود عبدالحكم
1915 م

ولد في قرية الكرنك مركز أبوتشت، محافظة قنا، جاء الي القاهرة في سنة
1933، وقد أسس شهرته في جنوب الوادي. وكان قصده في أول الأمر أن يدرس في
الأزهر الشريف، حيث كان الاشتغال بقراءة القرآن أمرا ثانويا إلي جانب
دراسته. وشجع لجمال صوته علي أن يصبح قارئا محترفا. وقال الشيخ عبدالحكم
أن الإذاعة هي التي حثته علي الاحتراف بحق: العمل بالإذاعة أمر مهم في
تأسيس جمهور من المستمعين، واكتساب شهرة واسعة. واعتمد الشيخ عبدالحكم
للقراءة في الإذاعة منذ سنة .1944 وشهد بأن الشيخ رفعت هو المؤثر الأكبر
في قراءته علي الرغم من أنه سمع أيضا الشيخ علي محمود، والشيخ عبدالفتاح
الشعشاعي، وآخرين غير معروفين في القاهرة بوجه عام. والشيخ عبدالحكم لم
يدرس الموسيقي البتة، لكنه يري أن الموسيقي مفيدة للقراءة. ويحظي الشيخ
عبدالحكم بالإعجاب لوقاره، وصحة قراءته، وتميزه بالخشوع فيها. وهو يتمتع
بحساسية موسيقية أيضا.


__________________

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ محمود علي البنا



سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16300

ولادته
: ولد القارىء الشيخ محمود علي البناء في قرية (( شبرا باص )) مركز شبين
الكوم محافظة المنوفية يوم 17/12/1926م. ونشأ بين أحضان الطبيعة الريفية
بما تحمل من مناظر طبيعية , وحياة تقليدية , وفطرة تسيطر على مجريات
الأمور كلها , وكان لهذه الطبيعة الريفية الأثر الواضح في تكوين شخصية
أفراد المجتمع الزراعي المكافح الحريص على حياة شريفة طاهرة عمادها الجهد
والعرق والكفاح .. وكانت سعادة الوالد في رؤية ابن له يساعده في زراعته أو
في تجارته ليكون له عوناً وسنداً وسلاماً وبرداً .. ولكن الحاج (( علي ))
رحمه الله كان يفكر بطريقة خاصة تختلف عن حسابات أهل الريف .. فلقد نما
إلى علمه الفطري أن أسهل الطرق وأقربها للوصول إلى الجنة تتمثل في طاعة
الله والتي منها ولد صالح يدعو له . والصلاح الكامل وقمة القرب من الله
ورسوله لا يكون ناجحاً إلا بتحصينه بالحصن المتين والزاد الذي لا ينقطع
والنور الساطع , وهو القرآن الكريم . استشعر الحاج علي النعمة الكاملة من
أول لحظة عندما رزق بمولود جميل يشبه أطفال الجنة , لأن العز والوجاهة
ظهرت على المولود الصغير الذي اختراه الله لحفظ كتابه الكريم . ولأن قدوم
الطفل كان محموادً حمداً لله وثناء عليه .. أطلق عليه أبوه اسماً من أسماء
النبي (ص) التي هي في السماء فأسماه (( محمود )) بعد هذا الميلاد الذي
أسعد الوالد حلت البركة على البيت وكثر الخير الذي تدفق على الأسرة ..
وربما يكون هذا التدفق وهذه البركة كان مصدرها تفاؤل وأمل ودفعة جعلت
النشاط والحيوية المحرك الذي أشعل روح الكفاح والجهد الوافر لدى رب الأسرة
الحاج علي البنا. الذي لم يدخر جهداً ولم يبخل بشيء قد يساعد ابنه على حفظ
القرآن الكريم , ليكون في مقدمة صفوف أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته
(( إذا عملوا بالقرآن )) ولما بلغ الطفل (( الجميل )) محمود على البنا
أشده واستوى ألحقه والده بكتاب (( الشيخ موسى )) رحمه الله . بقرية ((
شبرا باص )) كان الشيخ موسى حريصاً كل الحرص على تلاميذه من حيث الحفظ
والتجويد ولكنه كان شديد الحرص على نجم بزغ بين أقرانه وهو الطفل الموهوب
محمود علي البنا , الذي ظهرت عليه علامات النبوغ وسمات أهل القرآن وخاصة
مخارج الألفاظ والدقة في النطق وهو في السادسة من عمره بالإضافة إلى
الذكاء الشديد والإلتزام والدقة والرقة في التعامل مع كلمات القرآن مما
جعل الشيخ موسى يتوسم النبوغ في تلميذه الموهوب .

يقول الشيخ محمود علي البنا في مذكراته عن مرحلة الطفولة والكتّاب : ((
كنت شديد الحرص على حفظ ما آخذه كل يوم بالكتاب أسهر الليل كله ولا أنام
إلا بعد ما أحفظ اللوح الذي سأقوم بتسميعه على سيدنا في اليوم التالي ..
وبعد الحفظ أراجع اللوح السابق الذي حفظته قبل ذلك حتى أقوم بتسميع
اللوحين معاً ليتواصل القرآن بالقرآن تواصلاً محكماً .. وأذكر أن شيخي
ضربني علقه ما زلت أذكرها ولن تغيب عن خيالي ما دمت حياً. وكانت علقة بدون
أي تقصير مني في التسميع والحفظ . ولما عدت للبيت بكيت بكاءً شديداً وقلت
لوالتدي لقد ضربني سيدنا ضرباً شديداً مع أنني سمّعت له اللوح .. فقالت :
(( يا محمود الشيخ ضربك لأنني قلت له إنك ذهبت إلى الغيط لتشاهد جمع القطن
وتلعب بجوار العاملين بجني القطن .. وأنا يا بني خفت إنك تتعود على كده
وتبعد عن القرآن يقوم القرآن يبعد عنك .. يا بني أنا خايفه عليك وعلى
مصلحتك ومستقبلك لأنك شكل أهل القرآن ولن تصلح إلا للقرآن .. القرآن جميل
يا محمود وبيرفع صاحبه )) .. ولكنني لم أستوعب الدرس جيداً وفي اليوم
التالي خفت من عقوبة سيدنا فتغيبت عن الكتّاب ولكنني فوجئت بالعريف وكان
طوله يقرب من مترين يجرني بقوة من ذراعي إلى خارج البيت , فقلت له انتظر
لما آخذ رغيف وحتة جبنة وألبس جزمتي .. فقال لا مفيش وقت .. فاستغربت لأن
أحداً من البيت لم يتحرك لتخليصي من العريف .. فعلمت أن هناك اتفاقاً بين
الأسرة وبين سيدنا , والذي على أساسه جاء العريف يجرني إلى الكتّاب . وأول
ما دخلت على سيدنا فوجئت بأنه أمطرني ضرباً في كل مكان من أنحاء جسدي على
يدي ورجلي ورأسي وظهري فعرفت أنه متوصى وبعدها صالحني سيدنا ووجه إلي بعض
النصائح ووعدني بعدم الضرب ووعدته بالمواظبة والحفظ وعدم التغيب عنا لكتاب
)) .

يقول الشيخ محمود علي البنا : (( ... وذهب والدي إلى مدينة شبين الكوم
ليقدم لي طلب إلتحاق بمعهد شبين الكوم الديني الأزهري ولكن أحد أصدقاء
والدي رحمه الله أشار عليه بالذهاب إلى معهد المنشاوي بطنطا الذي يقبل
حفظة القرآن مباشرة .. فذهب بي والدي إلى طنطا والتحقت بمعهد المنشاوي ,
وكنت صغيراً جداً .. ولكن الذي شجعني على البقاء بطنطا .. إلتفاف الكثير
من الناس حولي لسماع صوتي وأنا أقلد الشيخ محمد رفعت رحمه الله .. وكانت
توجه إلي الدعوات للقراءة في المناسبات أحياناً بالمسجد الأحمدي .. وعرفت
وقتها بالطفل ا لمعجزة لأنني كنت ماهراً في تقليد أصحاب المدارس الراقية
في تلاوة القرآن ولما كان يطلب مني تقليد الأساتذة العمالقة أمثال الشيخ
محمد رفعت والشيخ محمد سلامة والشيخ عبدالفتاح الشعشاعي والشيخ محمد
السعودي .. لم أتردد وإنما أكون سعيداً جداً ويشجعني المستمعون بالمئات
فيزداد الإبداع وأتمكن من الأداء بقوة وأنا في الثانية عشرة من عمري .

يقول الشيخ البنا : (( أهم شيء في القارىء أن يكون حافظاً ومجوداً للقرآن
الكريم بإتقان وتمكن . وأن يكون صوته جميلاً ولديه ملكة التقليد . لأنه
يقلد فلاناً وفلاناً من أصحاب المدارس المشهورة والمؤثرة في قلب المستمع
مباشرة . وفي النهاية تكون شخصيته هي الواضحة بصوته وأدائه المتميز عندما
تسمعه تقول هذا فلان . ولا بد أن يلتحق بمدرسة قرآنية يعشقها هو . ويميل
إليها قلبه فيسمع أستاتذته من المدرسة التي يرغبها ويتمشى معها صوته
وأداؤه وإمكاناته. وبعد فترة يستقل بشخصيته التي عندما يسمعها المستمع
يقول : هذا فلان . وأنا لا أؤيد التقليد المطلق. ولكن يجب أن تظهر شخصية
القارىء في النهاية .

إلتحاقه بمعهد المنشاوي : بمعهد المنشاوي بطنطا عرف الطالب محمود علي
البنا واشتهر بين الطلاب بجمال صوته وحسن مظهره وقوة أدائه. مما جعل كل
مشايخ المعهد يحبون الإستماع إليه وكذلك الطلاب. يقول الشيخ البنا : ((
وكان الشيخ حسين معوض رحمه الله شديداً في معاملته مع الطلاب .. فلما
تكاسلت يوماً عن القراءة هددني الشيخ حسين بالجريدة التي يمسكها بيده ..
فجلست وأمامي جمع غفير من الطلاب ولكنني فوجئت بأنهم ينصرفون مسرعين كل
إلى فصله ولم يتبق إلا أنا فقال لي الشيخ حسين : لا تخف استمر في القراءة
.. وفي آخر السنة قال لي الشيخ حسين والشيخ محرز رحمهما الله : يا محمود
إذهب إلى المعهد الأحمدي (( بطنطا )) وتعلم القراءات حتى تكون صييتاً لك
شهرتك لتدخل الإذاعة لأنك صاحب موهبة فذة قلما تتوفر لأحد غيرك .. ذهبت
إلى المعهد الأحمدي بطنطا وتعلمت القراءات على يد المحروم الشيخ محمد
سلاّم الذي كان حريصاً على انتقاء من يلتحق بمعهد القراءات فيعقد له
اختباراً في الحفظ وتجويد الحروف وسلامة النطق ومعرفة مخارج الألفاظ
والدقة في الأداء القرآني وحسن المظهر فإذا توافرت كل هذه الشروط في
المتقدم إلى المعهد الأحمدي قبله الشيخ سلام .. وأما الذي يكون دون ذلك
فليس له مكان بالمعهد الأحمدي للقراءات آنذاك .. ))

مكث الشيخ البنا عامين كاملين بالمسجد الأحمدي بطنطا يتلقى علوم القرآن
والقراءات العشر تتلمذاًَ على يد المحروم الشيخ محمد سلام ولما بلغ الشيخ
البنا الثامنة عشرة انتقل إلى القاهرة بلد العلم والعلماء حيث الأزهر
الشريف قبلة الراغبين في المزيد من العلوم والمعارف .. وذلك بعد أن أصبح
مثقلاً بالقرآن وعلومه ومتمكنا من تجويده وتلاوته متمتعاً بما وهبه الله
من إمكانات عالية وقبول من كل الناس لطريقة أدائه الساحرة التي أهلته لأن
يفكر في غزو القاهرة باحثاً عن مجد عزيز وشهرة واسعة.



من شبرا باص إلى القاهرة :

يقول الشيخ البنا : وانتقلت إلى القاهرة عام 1945 حتى أكون قريباً من
عمالقة القراء لأستمع إليهم وأسجل بذاكرتي ما يعجبني ويهزني من أداء ونغم
وفن رفيع ثم أعود إلى البيت لأسترجع ما سجلته على شريط الذاكرة وأتلو ما
سمعته من أحد العمالقة فأنفذه وكأنني هو. وخاصة الشيخ محمد سلامة الذي
شدني إلى حسن صوته وأدائه بقوة وإتقان .. فقلت لنفسي أنت كالذي انتقل من
الإبتدائي إلى الجامعة بجلوسك أمام هؤلاء كالشيخ محمد سلامة والشيخ محمد
رفعت والشيخ الصيفي والشيخ الشعشاعي . بعد عام 1945 استقر الشيخ البنا بحي
شبرا بالقاهرة حيث الأصدقاء والمحبون لفن أدائه وجمال صوته .. وكان لعشاق
فن الشيخ البنا الدور الأكبر في بقائه بالقاهرة لمواصلة مسيرته نحو الشهرة
والعالمية , لأنهم مكنوه من التلاوة بأكبر مساجد شبرا فتعرف عليه مئات
المهتمين بالإستماع للموهوبين من قراء كتاب الله عز وجل وخاصة كبار
الشخصيات الذين لعبوا دوراً كبيراً في تقديم موهبته إلى الملايين عبر
موجات الإذاعة. يقول الشيخ البنا في مذكراته : (( بدأت ببعض المساجد بشبرا
بالقاهرة عن طريق بعض الأصدقاء المخلصين حتى تعرف عليّ كثير من الناس ,
فانهالت عليّ الدعوات لإحياء المآتم وبعض المناسبات الدينية التي كان
يقيمها كبار التجار بالقاهرة وكانت هناك منافسة شديدة بينهم وخاصة في
اختيارتهم للأسماء اللامعة من مشاهير القراء وكل منهم يتفنن في جذب الناس
إلى حفلته فكانت لمنافسة شديدة في كل شيء ابتداءً من حجم السرادق وتجهيزه
وإضاءته وموقعه انتهاءً بالقارىء الأكثر جماهيرية . وفي عام 1946م إلتقى
الشيخ البنا بأحد عمالقة التواشيح وأحد النابغين في تدريس المقمات
الموسيقية وهو الشيخ درويش الحريري الذي ساعد الشيخ البنا على إتقان
المقامات الموسيقية وتطويعها للتلاوة وخاصة أن صوته يحمل نغماً ربانياً
يستحق الدراسة .. واستطاع الشيخ البنا أن يزيد حصيلته الغنية فتعلم
التواشيح وأتقنها ليتمكن فقط من توظيف ما لديه من مواهب وإمكانات في تلاوة
القرآن ليستطيع أن يأخذ مكانه عن جدارة وكفاءة بين كوكبة قراء الرعيل
الأول بالإذاعة.


أول تلاوة للشيخ البنا بالإذاعة : وكانت أول تلاوة للشيخ البنا بالإذاعة
في آخر ديسمبر عام 1948م وكان سنه 22 سنة. وكانت القراءة على الهواء
مباشرة قبل التسجيلات. وكانت التلاوة من سورة (( هود )) من قوله تعالى : {
وإلى ثمود أخاهم صالحاً } إلى قوله تعالى : { وما توفيقي إلا بالله عليه
توكلت وإليه أنيب } .


يقول الشيخ البنا : بعد اعتمادي بالإذاعة قارئاً للقرآن الكريم جاءني خطاب
من الشئون الدينية بالتوجه إلى استوديو علوي أمام الشريفين (( مبنى
الإذاعة القديم )) لأقرأ قرآن الصباح من السابعة إلى السابعة والنصف
صباحاً وتم تحديد أول الربع الذي سأقرأه من سورة هود .. ولأن ميكرفون
الإذاعة له احترامه وتقديره وقدسيته ولأنني سأقرأ بالإذاعة بجوار عمالقة
القراء الموهوبين كان من الطبيعي أن أعلن على نفسي حالة الطوارىء أولاًَ
راجعت الربع المقرر عليّ أكثر من عشر مرات وقرأته مع مراعاة الوقف
والابتداء والتنغيم والأحكام المتقنة الملتزمة كما تعلمنا من أساتذتنا
ثانياً سمعت القارىء الذي قرأ يوم الإثنين قبل قراءتي مباشرة فوجدته
بالفعل قرأ ربع { وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها } وعلي أن أبد
بعده مباشرة . توجهت إلى الإذاعة قبل الموعد بنصف ساعة لأنني لم أنم تلك
الليلة .. جلست طوال الليل أنا والحاجة جالسين وضابطين المنبه وكل ساعة
تقول لي الحاجة : نم يا شيخ محمود وأنا أصحيك فقلت لها ما أنا خايف ننام
أنا وأنت للساعة (( 8 )) الصبح والقراءة الساعة (( 7 )) وقبل الفجر بساعة
توضأت وصليت وشربت الشاي ونزلت إلى الشارع وأخذت تاكسي ووصلت إلى الشريفين
, وصعدت السلم وكأن ارتفاعه عشرة أدوار من شدة خوفي ورهبة الموقف .. ودخلت
ملحق الأستوديو فسمعت رجلاً يقول ثني ومد وخلف وأمام فعرفت أنه برنامج
الرياضة الصباحي , وكان على الهواء كبقية المواد الإذاعية قبل التسجيلات
كما ذكرنا .. فجلست في ركن المذيعة (( صفية المهندس )) ومعها البرنامج
مكتوب عليه . (( نستمع إلى القارىء الشيخ محمد علي البنا الذي سنسمعه لأول
مرة بعد اعتماده قارئاً بالإذاعة )) وكلما اقترب موعد التلاوة الصوت يهرب
مني وأخاف أكثر . وقدمتني السيدة المذيعة فقفلت الصوت وقلت لها أنا صوتي
بيقطع فقالت صوتك طالع على الهواء جميل جداً .. وأنا ما صدقت أنها تقول لي
صوتك جميل على الهواء وطلعت بجواب عالي رد إليّ ثقتي بنفسي وبفضل الله
انطلقت بقوة وبتوفيق من الله .. حتى ختمت الربع في السابعة والنصف .

قاريء المساجد الكبرى : بعد التحاقه بالإذاعة واكتساب شهرة عريضة امتدت
عبر الزمان والمكان إلى جميع أقطار الدنيا – كانت له مكانة مرموقة بين
القراء , وفي قلوب الناس جميعاً .. أختير لكفاءته وحسن مظهره الملائكي لأن
يكون قارئاً لأكبر وأشهر وأهم المساجد بجمهورية مصر العربية وخاصة المساجد
التي يزورها وفود إسلامية من مختلف دول العالم . قرأ السورة يوم الجمعة
لمدة خمس سنوات في الخمسينات بمسجد الملك فاروق بحدائق القبة بالقاهرة ..
بعدها انتقل قارئاً للسورة بمسجد الإمام أحمد الرفاعي بحي القلعة بالقاهرة
لمدة خمس سنوات .. وخلال هذه الفترة انتقل وراءه مئات من جمهوره المتيم
بأدائه وصوته إلى مسجد الإمام الرفاعي .. وبعد ذلك أختير لأن يقرأ السورة
بمسجد العارف بالله السيد أحمد البدوي بمدينة طنطا وظل به متمتعاً بتلاوة
كتاب الله ما يقرب من ثلاثة وعشرين عاماً متواصلة. وفي عام 1980م بعد وفاة
الشيخ الحصري انتقل الشيخ البنا إلى القاهرة مرة ثانية ليكون قارئاً
للسورة بمسجد الإمام الحسين حفيد الرسول (ص) ليختم حياته تالياً لكتاب
الله عز وجل في روضة بضعة الرسول (ص) حتى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها
عام 1985م.


السفر إلى دول العالم : إن رحلة الشيخ مع القرآن كانت رحلة عالمية لا
يحدها زمان ولا مكان . ظل متردداً على أماكن المسلمين في شتى بقاع الدنيا
على مدى ما يقرب من أربعين عاماً متتالية ولم يترك قارة من قارات الدنيا
إلا وذهب إليها على مدار الأعوام وخاصة في شهر رمضان المبارك الذي طالما
أسعد الملايين من الجاليات المسلمة بسماع صوته القرآن البريء العذب الفياض
, فرقت عشرات القلوب التي كانت كالحجارة أو اشد قسوة .. ودخلت دين الله
أفواجاً مسبحين بحمد ربهم مستغفرينه فكان لهم غفوراً تواباً .. اختاره
الأزهر الشريف لحضور كثير من المؤتمرات الإسلامية العالمية ممثلاً أهل
القرآن وقراءه وأرسلته وزارة الأوقاف إلى كثير من المسابقات العالمية
كمحكم وقاض قرآني .. وانهالت عليه الدعوات من الملوك والرؤساء والشيوخ
العرب لإحياء المناسبات الدينية كالمولد النبوي الشريف وليلة الإسراء
والمعراج وليلة رأس السنة الهجرية وافتتاح المؤتمرات الإسلامية العالمية
المقامة على أرض بلادهم .. إنه حقا كان خير سفير للقرآن الكريم .



الوفاة :
فراسة المؤمن .. كانت لدى الشيخ البنا منذ طفولته واستمرت حتى وفاته ..
حيث تنبأ بوفاة رجل يسمى (( الجمل )) بقريته (( شبرا باص )) وهو طفل صغير
ظل يردد الجمل وقع الجمل وقع وبعد ساعات مات الرجل بغير مرض . وطلبه للشيخ
الشعراوي ليودعه وهو على فراش المرض وتنبؤه بأن الشيخ الشعراوي عاد من
البحر الأحمر ولما اتصل الحاضرون بالإمام وجدوه قد وصل منذ لحظات . وقبل
الوفاة بأيام استدعى ابنه أحمد وطلب منه إحضار ورقة وقلم وقال له : أكتب
ما أمليه عليك .. وأملى عليه نعيه كفقيد للإذاعات العربية والإسلامية ..
عن عمر يناهز الستين عاماً . فقاطعه نجله أحمد مداعباً .. ولماذا لا
نكتبها ثمانين عاماً ؟ فقال له الشيخ البنا : لا يبني لقد توقف العمر وقرب
الأجل وانتهى . وأضاف وصية بتوزيع ممتلكاته وأمواله على أبنائه حسب شريعة
الله وسألهم هل لكم طلبات أخرى فانخرط الجميع في البكاء ولكنه هو الذي طلب
منهم أن يضعوا معه شريط قرآن ليصاحبه في جنازته ويؤنس وحدته في قبره فلم
يسع أحد أن يرد عليه . نظره إلى سقف حجرته بالمستشفى وهو يصف جنازته من
أول الصلاة عليه بمسجد الإمام الحسين (ع) حيث كان يقرأ كل يوم جمعه إنتهاء
بوصوله إلى مدفنه بالمقبرة التي بناها في حياته بجوار المركز الإسلامي
الذي أقامه بقريته شبرا باص .. وكيف تشيع الجنازة وأشار إلى مكان أخيه وهو
يبكيه في ناحية والناس يبكون في ناحية وحدث المنظر كاملاً في اليوم التالي
كما صوره الشيخ البنا الذي فاضت روحه ودفن بمسجده وعاد إلى قريته شبرا باص
كما خلق على أ رضها أول مرة .


تكريم الدولة للشيخ البنا : قامت الدولة بتكريم الشيخ البنا بعد وفاته حيث
منح اسم الشيخ البنا وسام العلوم والفنون عام 1990 في الإحتفال بليلية
القدر وتسلمه نجله الأكبر المهندس شفيق محمود علي البنا .. وكرمته محافظة
سوهاج بإطلاق اسمه على الشارع الرئيسي بجوار المسجد الأحمدي بمدينة طنطا ,
كذلك أطلقت محافظة القاهرة اسمه على أحد شوارع حي مصر الجديدة .. وهكذا
يكون تكريم أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ مصطفى إسماعيل




سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16301





المصدر : مجلة البستان عدد رمضان 1422

الشيخ مصطفي إسماعيل
(1905 1978)

ولد في قرية ميت غزال القريبة من مدينة طنطا، محافظة الغربية. تعلم الشيخ
مصطفي القرآن. وهو بين الخامسة والسادسة عشرة من عمره، وذهب ليدرس في
المعهد الأزهري في طنطا، حيث درس العلوم القرآنية، وعقد العزم علي مواصلة
دراساته في الأزهر الشريف في القاهرة، وأخذ الشيخ مصطفي يرسخ شهرته في
الوجه البحري خلال أربعينات القرن العشرين، وذهب الشيخ مصطفي إلي القاهرة
لأول مرة استجابة لدعوة إلي القراءة فيها، وسرعان ما وطد شهرته في
القاهرة، ودعي ليقرأ للملك فاروق خلال شهر رمضان في سنة 1944. وبعدئذ،
فاوضت الإذاعة الشيخ مصطفي كي يسجل تسجيلات أطول، لأن صوته كان يحتاج إلي
مدة من الوقت للإحماء حتي 'ينجلي'. وأعجب الشيخ مصطفي بقراءة الشيخ محمد
رفعت، والشيخ عبدالفتاح الشعشاعي، ولكنه كان فخورا بطريقته الفريدة الخاصة
به. وهو لم يدرس الموسيقي بشكل رسمي، ولكنه أتقن الفن بالسماع،
وبارتباطاته وصلاته مع عمالقة الموسيقيين في عصره وسافر الشيخ مصطفي
كثيرا، وكان معروفا خارج مصر من مظاهره الشخصية. وعلي الرغم من أنه قاريء
فوق القمة، بيد أنه سجل القرآن الكريم كله بحال الترتيل، وبحال التجويد،
وتسجيلاته ليست متوافرة خارج مصر بوجه عام. وكان الشيخ مصطفي هو القاريء
الرسمي لأنور السادات، وسافر معه الي القدس في سنة 1987. ويعد الشيخ مصطفي
واحدا من القراء أصحاب التأثير البالغ في القرن العشرين، وهو مجدد من
الناحية الموسيقية إلي أبعد حد، ولكن تجويده صحيح، وبوسع المرء أن يعد
أجيالا من القراء المقلدين له. وعند وفاته كان الشيخ مصطفي إسماعيل هو
قاريء الجامع الأزهر الشريف ذي المكانة المتميزة.

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ عبدالرحمن الدروي



سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16302


على
الرغم من شهرته التي ارتفعت مع الأيام فإنه لم ينس قريته وأهله هناك، فظل
على عمله بينهم مأذونا للقرية حتى بعد إنتقاله إلى القاهرة، كانت في صوته
نبرة تأخذك إلى حيث رحيق الجنة، ولما أصيب في صوته، آثر أن ينسحب من دنيا
الميكرفون، ليظل صوته في ذاكرة مريديه عشرين عاما قبل وفاته.

في أغسطس من عام 1903 م، وفي قرية ( دروة ) مركز أشمون بمحافظة المنوفية،
ولد الشيخ عبدالرحمن الدروي، وفي كتاب القرية أتم حفظ القرآن الكريم وهو
لم يتعد التاسعة من عمره، ثم انتقل إلى القاهرة، وهناك ألتحق بالأزهر
الشريف للاستزادة من العلم والثقافة.

بدأ الشيخ الدروي يسطع نجمه ويتألق في عالم القراءة، لما كان يتمتع به من
صوت دافيء، وقرار سليم، ونبرة تهز الوجدان قبل الأذان، وكان يقرأ القرآن
في مأتم محمود فهمي النقراشي باشا، فسمعه رئيس الحكومة في ذلك الوقت، وهو
يرتل ترتيلا حسنا بصوت كله شجن ... فسأل عن اسمه، ولماذا لم يقرأ في
الإذاعة؟! فدخل إليها عام 1942 م.

ولكنه برغم شهرته التي ذاعت عبر الأثير، فإنه لم ينس قريته، فقد ظل مرتبطا
بها حتى وفاته، إذ كان يعمل مأذونا لأهلها حتى وفاته، وفي القاهرة نقل
المأذونية من قرية ( دروة ) إلى شياخة الكردي، التابعة لمحكمة الجمالية
حيث كان يسكن.

وفي عام 1948 م وأثناء أدائه لفريضة الحج، طلبته الحكومة السعودية ليفتتح
أول إذاعة للمملكة، وكان معه في ذلك الوقت رئيس بعثة الإذاعة المصرية،
فوافق وقام بتسجيل 4 ساعات، ورفض أن يتقاضى أجرا على التسجيلات قائلا: كيف
أتقاضى أجرا عن قرآن تلوته في بلد نزل عليه وفيه القرآن، وقال سأقرأ دون
شروط.

ودعي إلى المملكة الأردنية عام 1953 م، وهناك سجل 16 تسجيلا ومن حسن حظه
وهذا لم يتح للكثيرين، أن قرأ سورة الكهف بالمسجد الأقصي جمعتين
متتاليتين، وقتها كانت فلسطين تتبع المملكة الأردنية، وهي سابقة ليست
لغيره.

وفي الأردن كتبت عنه جريدة الدفاع تقول: " تعاقدت دار الإذاعة الأردنية مع
المقرىء الشهير الشيخ عبدالرحمن الدروي، من كبار المقرئين في الإذاعة
المصرية على المجيء إلى الأردن لتسجيل بعض القراءات له، وقدم الشيخ وقد
سجلت له 16 إذاعة، وتبرع فضيلته بتلاوة آي الذكر الحكيم في المسجد الأقصى
يوم الجمعة الماضية، وسيقرأ فضيلته غدا بالحرم الإبراهيمي وسيظل يقرأ طيلة
مدة إقامته هنا في المسجد الأقصى ( دون مقابل ) ".

وقالت عنه جريدة " فلسطين " تحت عنوان " مقرىء معروف من مصر " قدم إلى رام
الله يوم الثلاثاء الماضي المقرىء المعروف بدار الإذاعة المصرية فضيلة
الشيخ عبدالرحمن الدروي بدعوة من دار الإذاعة الأردنية الهاشمية، لتسجيل
آي الذكر الحكيم، لمدة أربع ساعات، ثم يعود إلى القاهرة، وقد أدى فضيلته
صلاة الجمعة أمس بالمسجد الأقصى المبارك، وقد أقام الشيخ عبد الغني كاملة،
مأدبة غداء على شرف الشيخ عبدالرحمن الدروي الذي كان موضع حفاوة وتكريم
الكثيرين من مقدري علمه وفضله، نرحب به ونتمنى له طيب الإقامة في الأردن
بين أهله وإخوانه ".

هذا هو ما دفع إذاعة لندن عن طريق الاستديو الخاص بها بالقاهرة، والذي كان
يشرف عليه الرائد السيد بدير، لأن تسجل له عدة تسجيلات، تعد من أندر
التسجيلات للشيخ الدروي، وقد أرسل ابنه محمود - واحد من سبعة أبناء للشيخ
- وهو مدير للإدارة القانونية بهيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء،
أرسل للإذاعة في طلب تسجيلات والده، فاهتم المسئولون عن الإذاعة واخبروه
بأن القسم العربي بالإذاعة قد وافق على منحه بعض التسجيلات، وأرسلوا له
شريطا واحدا عليه عدة قراءات للشيخ تتراوح بين 8 و 12 دقيقة.

ظل الشيخ عبدالرحمن الدروي بارا بأهل قريته، فكان لا يتقاضى أجرا عن إحياء
الليالي ولا عن الزيجات التي كان يقوم بتحريرها، وكان يقول : إن النبرة
الغريبة التي في صوته، يتميز بها أهل قريته، وهي نبرة يكسوها الحزن والشجن
للواقع المر الذي كانت تعيشه القرية من شاطىء الرياح المنوفي.

ومن عادة باشوات ما قبل الثورة إقامة المآدب الرمضانية التي كان يدعى
لإحيائها مشاهير القراء.. فكان الشيخ الدروي يذهب للإقامة بعزبة محمد
محمود جلال بك ببني مزار ومرة أخرى إلى عزبة البدراوي باشا عاشور لقراءة
القرآن.

وكان من هواياته الاستماع إلى تسجيلات الشيخ علي محمود، والشيخ محمد رفعت،
وكان شغوفا بحضور الليالي التي كان يقيمها الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي الذي
كان يصف صوته بأنه من أعظم الأصوات !

وللأسف لم يستطع الشيخ الدروي تسجيل القرآن مرتلا، وكان ذلك قي عام 1962 م
عندما أصيب بمرض بالأحبال الصوتية، فآثر أن ينسحب من دنيا الميكرفون ليظل
في ذاكرة محبيه بصوته الحسن، وإن كان هذا لم يمنعه من غحياء الليالي كلما
خفت حدة المرض، ووجد نفسه قادرا على القراءة، وظل على ذلك حتى أسلم الروح
إلى بارئها راضيا مرضيا بما قدم من تلاوة في 2 / 1 / 1991 م، رحمه الله .
وظل قارئا للسورة بمسجد الكخيا بالقاهرة، قبل وفاته.

من كتاب أشهر من قرأ القرآن في العصر الحديث لمؤلفه أحمد البلك.


__________________

hamo81

hamo81
المشرف العام
المشرف العام

الشيخ سيد النقشبندي



سلسلة تراجم أعلام المسلمين(منتدى المسلمون)- خامسا : مقرئين 16303









لم
يكن يتخيل وهو طفل صغير يترنم بينه وبين نفسه بمدح رسول الله صلي الله
عليه وسلم , وهو يستمع إلى المداحين أن يصل في يوم من الأيام إلى مكانه
هؤلاء المداحين. بل إلى أن يتفوق علي بعضهم ويتربع بعذوبة صوته في قلوب
مستمعيه.

رحلة أيام طويلة أستطاع خلالها الشيخ سيد النقشبندي ابن طنطا أن يجد نفسه بين هؤلاء إنه بحق إمام المداحين .

ولد الشيخ النقشبندي في قرية (دميرة) مركز طلخا بمحافظة الدقهلية عام 1920
م ثم انتقل وهو طفل بصحبه والدته إلى مدينة طهطا بمحافظة سوهاج وهناك تربي
تربية صوفيه أساسها الايمان بالله وحب الرسول صلي الله عليه وسلم من منطلق
الفطرة الصافيه وحفظ القرآن الكريم والتفقه في الدين وهو في سن مبكرة من
عمره فانطبع على حب الله وعلي الصفاء المحمدي النادر الذي جعله فردا في
ذاته زاهدا فيما أيدي الناس بصدق ووفاء.

بدأ شهرة الشيخ الجليل يرحمه الله وعرفته الاذاعات الدينية والعربية وذلك
خلال احياءه الليلة الختامية لمولد الامام الحسين رضي الله عنه وكانت
بدعوه من صديقه الحميم الحاج سيد محمد محمد من القاهرة فلبي الشيخ
النقشبندي الدعوه واقام حفلا ترنم فيه بصوته وشدا بمدح الرسول الكريم صلي
الله عليه وسلم بابتهالاته الدينية المميزة في ساحة سيد الشهداء وأدهش
مستمعيه فذاع صيته وتناقلته الاذاعات عبر موجاتها.

سعت اليه الشهرة في عام 1967 وبدات الاذاعة في عمل برامج دينية منها :
برنامج (الباحث عن الحقيقة - سليمان الفارسي) بالاضافة الي الابتهالات
الدينية بصوت الشيخ حتى أصبح صوته مظهرا من المظاهر الدينية خلال شهر
رمضان والذي ارتبط في أذهاننا بصوتين بالغي الأداء الشيخ محمد رفعت
(قيثارة السماء) لقرآءة القرآن والشيخ السيد النقشبندي في أدعيه الافطار
وتسابيح الفجر.

كان مدحه للرسول صلي الله عليه وسلم نبضا سماويا يغزو القلوب فتتفتح لمدحه
كل القلوب. كان يدعو الناس على بصيرة من ربه فتقبل الناس على مختلف مذاهبه
هذا الحب الرباني الصافي فعاش الشيخ في حياتهم وفي كل أمورهم وصار صوته
علامة بارزة في عصر ولقبه كبار الأدباء والكتاب في مصر بالصوت الخاشع
والكروان الرباني وقيثارة السماء وامام المداحين وقد وصفه الدكتور مصطفي
محمود في برنامجه التلفزيوني العلم والايمان ذات مرة بأنه مثل النور
الكريم الفريد الذي لم يصل إليه أحد.

عاش الشيخ عبدا فقيرا زاهدا عابدا محبا مخلصا كريما لم يترك من حطام
الدنيا شيئا يذكر وتزوج بشريكه عمره وكانت على شاكلته كرما وصفاء وعطاء
واخلاصا وأنجب منها البنين والبنات ثم توفيت فتزوج من آخرى وأنجب منها
ايضا.

ترك الشيخ النقشبندي تراثا اسلاميا كبيرا وضخما من الابتهالات والاناشيد
والموشحات الدينية وكان قارئا للقرآن الكريم بطريقة مختلفة عن بقية قراء
عصره ووقته وإن كانت شهرته كمداح للرسول صلي الله عليه وسلم ومبتهل ديني
هي الصفة التي اقترنت به. وقد ترك تراثا صوتيا مسجلا للأذاعة والتلفزيون
فيما نسمعه ونراه.

اشترك الشيخ في حفلات وابتهالات واناشيد وتواشيح دينية في معظم الدول
الاسلامية والعربية بدعوه من هذه الدول وحكامها فزار ابو ظبي وسوريا
والاردن وايران والمغرب العربي والسعودية واليمن ودول الخليج العربي
واندونيسيا كما زار معظم الدول الافريقية والاسيوية.

حصل الشيخ النقشبندي العديد من الاوسمة والنياشين من مختلف الدول التي
زارها فلم يكن تكريمه محليا فقط بل دوليا واسلاميا وقد كرمه الرئيس الراحل
السادات عام 1979 فحصل على وسام الدولة من الدرجة الاولي وفي ليلة القدر
كرمه الرئيس حسني مبارك بوسام الجمهورية من الدرجة الاولي عرفانا لما قدمه
الشيخ من ابتهالات وتواشيح دينية تخدم الاسلام والمسلمين. وقد كرمته
محافظة الغربية التي عاش ودفن بها باطلاق اسمه على اكبر شوارع مدينة طنطا.

قد كان الشيخ قمة في الاداء والتعبير حيث كان يبتهل الي الله من اعماق
قلبه ويمدح الرسول صلي الله عليه وسلم باجود الالفاظ واحسنها والمستقاه من
الشعر العربي الذي كان يستمد معانيه من تعاليم الاسلام ومقرراته وكان من
خلال مدحه يحرص على غرس القيم الدينية وحب الرسول محمد صلي الله عليه وسلم
وآل بيته وأصحابه الكرام .

وفي الرابع عشر من فبراير عام 1976 وعن 56 عاما توفي الشيخ السيد النقشبندي رحمه الله.

من كتاب اشهر من قرأ القرآن في العصر الحديث لأحمد البلك

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى